مع اقتراب الامتحانات في بعض الولايات الواقعة تحت سيطرة الجيش، والتي استأنفت العام الدراسي منتصف هذا العام، ارتفعت أسعار الكتب المدرسية في الأسواق على نحو غير مسبوق.
في غالبية المدارس الحكومية بولاية كسلا، يتشارك ثلاثة تلاميذ في كتاب واحد
حصلت "صباح"، التي ترسل ثلاثة أطفال إلى المدرسة في كسلا، على الكتب المدرسية بسعر عشرة آلاف جنيه لكتاب واحد فقط، حتى لا يعتمد طفلها على مشاركة الكتاب الذي جرى توزيعه مجانًا في المدرسة لمشاركته مع اثنين آخرين.
وفي بعض الحالات، لحل المشكلة، لجأت هذه الأم إلى شراء "ذاكرة إلكترونية" تحتوي على بعض المواد الدراسية بقيمة (35) ألف جنيه، وفق حديثها لـ"الترا سودان".
لم تكن مشكلة الكتاب المدرسي أولوية بالنسبة لوزارة التعليم الحكومية في الولايات بقدر استعجالها لفتح المدارس. واضطرت في بعض الولايات إلى إغلاقها بسبب الكوليرا وفصل الخريف، وفق محمد حامد، المعلم السابق بوزارة التربية والتعليم.
وتابع حامد: "شاهدت لأول مرة بعض الأطفال يلجأون إلى طباعة الكتاب المدرسي في الأسواق لتفادي التكلفة العالية، خاصة من نزحوا من المدن الأخرى. لدى الأسر رغبة في انتظام الأطفال للدراسة التي انقطعوا عنها منذ منتصف العام الماضي بسبب الحرب".
وأضاف: "الكتاب المدرسي مهم أن يكون في يد التلميذ، لأن المسألة نفسية. والاعتماد على تخزين المعلومات في الحاسوب أو الهاتف لا يشفي رغبة الأطفال في بعض الأحيان للتحصيل المنزلي".
في بعض الأوقات، تجد العائلات نفسها أمام مفترق طرق ما بين توفير الطعام للأطفال في وضع معيشي قاس، وما بين شراء الكتاب المدرسي من الأسواق. وبينما استسلم بعض التلاميذ، خاصة في المرحلة المتوسطة، لمشاركة الكتاب المدرسي مع الآخرين في الفصل، لم يعثر بعض الأطفال على الكتاب مطلقًا إلا في الأسواق.
يرى المتحدث باسم لجنة المعلمين السودانيين، سامي الباقر، في حديث لـ"الترا سودان" أن مشكلة الكتاب المدرسي واحدة من انعكاسات نظرة الدولة للتعليم، فقد تنصلت الدولة عن القيام بهذا الدور منذ فترة طويلة. وخلال الحرب، تعمقت أزمة الكتاب المدرسي نسبة لتراجع الاهتمام لدى حكومة الأمر الواقع بكل ما يخص خدمات المواطنين من صحة وتعليم.
وفي نظر الباقر، فإن الحل المستدام يكون بوقف الحرب وزيادة الإنفاق الحكومي على التعليم، أما الحل الإسعافي فيكون بتحمل الولايات مسؤوليتها في توفير الكتاب المدرسي لجميع التلاميذ والطلاب في المراحل التعليمية.
المتحدث باسم لجنة المعلمين السودانيين: الدولة تنصلت عن واجباتها في تمويل التعليم في بنود "الأجور" و"الكتاب المدرسي" و"معينات العملية التعليمية"
ويقول الباقر إن الدولة تنصلت عن واجباتها في تمويل التعليم في بنود "الأجور" و"الكتاب المدرسي" و"معينات العملية التعليمية"، تحت مبررات "لا صوت يعلو فوق صوت المعركة"، على حد تعبيره. ويضيف أن الدولة مصممة على عدم استيعاب وتحمل حقوق المواطنين لأنها لم تنحز لهم يومًا.