لم يكن محسن (50) عامًا على قدر من "التحوط المالي المستدام" عندما بدأت الحرب في العاصمة السودانية بين الجيش والدعم السريع في منتصف نيسان/أبريل الماضي.
بعد (60) يومًا من الحرب هذا الرجل الذي يعول عائلة تتكون من زوجة وبنتين وشاب، لم يعد على دراية بشأن وضعه الاقتصادي عقب مغادرته للمنزل الواقع شمال العاصمة السودانية بسيارته الخاصة مع بعض الأموال النقدية ورصيد مصرفي محدود.
حطمت حرب منتصف نيسان/أبريل التي أكملت شهرها الثاني آمال الطبقة الوسطى في العاصمة الخرطوم
في مدينة ودمدني بولاية الجزيرة حيث يقضي هذه الفترة مع صديقه يحاول محسن استعادة أنفاسه والتخطيط لكل الاحتمالات، فالحرب غير معروفة متى ستتوقف لذلك يخطط للسفر إلى دولة أفريقية وتقديم لجوء إلى دولة غربية، قائلًا إن هذا ضمن الخيارات لا وجهة نهائية، فهو يأمل توقف الحرب قريبًا والعودة إلى عمله.
قبل الحرب كان يدير مرأبه المتخصص في غسيل السيارات وصيانتها وبيع قطع الغيار مثل البطاريات ومعدات الإنارة وبعض القطع الصغيرة التي كان يجلبها من الصين، اليوم لم تعد هذه الأعمال التجارية في متناول اليد.
فقد هذا الرجل كل شيء بسبب الحرب، فهو لا يعلم مصير الجراج الواقع وسط العاصمة، ولا وضع منزله الذي إن نجا من الاقتحام العسكري لقوات الدعم السريع، لن ينجو من أعمال النهب يضيف في حديث لـ"الترا سودان".
حطمت حرب منتصف نيسان/أبريل التي أكملت شهرها الثاني آمال الطبقة الوسطى في العاصمة السودانية الخرطوم، والتي كانت تعتمد على أعمال تجارية ناشئة مثل تجارة التجزئة والاستيرادات المحدودة من الصين وبيعها في السوق السوداني، والحصول على أرباح تمكنهم من العيش في هذا البلد المعروف بارتفاع نسبة التضخم.
وفي ظل استمرار المعارك العسكرية وتعثر الوساطة في إبرام اتفاق طويل لوقف النار بين الجيش والدعم السريع، تضطر عشرات الآلاف من الأسر إلى ترك منازلهم في العاصمة الخرطوم، كما توقفت الأسواق والمصارف والمصانع منذ ستين يومًا، بالتالي فقد عشرات الآلاف مصدر العمل وكسب المال.
تقدر إحصائيات حكومية رسمية تضرر (150) ألف شخص بفقدان مصدر العمل في العاصمة السودانية بسبب الحرب ونهب المحال التجارية والشركات والمصانع والمعارك العسكرية.
ذكر الخبير الاقتصادي محمد إبراهيم في حديث لـ"الترا سودان"، أن الطبقة الاقتصادية المتضررة من الحرب في السودان "محطمة نفسيًا" من الأوضاع التي آلت إليها الأمور وفقدان اليقين حول توقف الحرب.
يرى إبراهيم أن الدولة في الوقت الراهن وهي تخوض صراعًا مسلحًا لا تقدم الحلول ولا يمكن خلق أعمال تجارية عبر تمويلات مصرفية في الولايات الآمنة، لأن السودان يعاني اقتصاديًا في هذا الوقت.
ويقول إبراهيم إن المنظمات الدولية يمكن أن توفر التمويل للمتضررين من الحرب بتحويلهم من لاجئين إلى منتجين، لكن هذه المشاريع بالنسبة لبعض الفئات الاقتصادية لا تتناسب مع طموحاتهم حيث اعتادوا على دخل مالي جيد.
ويشير إبراهيم إلى أن الحل الجذري هو توقف الحرب ومعالجة أسباب اندلاعها ومخاطبة الأزمة من الجذور وإعادة التخطيط الاقتصادي والتنموي وتعويض المتضررين وإعادة الفارين إلى منازلهم، وإعمار ما دمرته الحرب عبر سلطة لديها مسؤولية تجاه الشعب.
تقدر خسائر الحرب في السودان بعد (60) يومًا بأكثر من (100) مليار دولار، وفي بلد يعاني من أزمة اقتصادية طاحنة مثل السودان لا يمكن تعويض ذلك -حسب ما يقول إبراهيم- لذلك بدلًا من مفاقمة الوضع يجب وضع حد للقتال فورًا.
وبينما تضعف الآمال بشأن توقف الحرب قريبًا في السودان، يتدبر المواطنون شؤونهم المالية بالاعتماد على تحويلات السودانيين من الخارج لقطاع عريض يتواجد في الولايات، فيما بدأت الحاجة تضرب بقوة على شبكات اجتماعية تعتمد على الرواتب من القطاعين الخاص والعام في السودان، وذلك لعدم صرف الأجور منذ شهرين.
يقول الخبير في مجال عمل المنظمات أحمد عبدالرحيم في حديث لـ"الترا سودان"، إن الحكومة السودانية لا تجري نقاشات بالقدر المطلوب مع المنظمات الدولية ووكالات الأمم المتحدة حول وضع السودانيين من الناحية الاقتصادية، والمساعدات التي تقدم حاليًا "دون المطلوب" وطريقتها "عقيمة جدًا".
خبير: الحكومة السودانية لا تجري نقاشات بالقدر المطلوب مع المنظمات الدولية ووكالات الأمم المتحدة حول وضع السودانيين من الناحية الاقتصادية
ويرى أن النقاشات يجب أن "تكون متقدمة" مثل توزيع قسائم مالية على المتضررين من الحرب مع توسيع نطاق الشبكات الاجتماعية وإعادة مشروع ثمرات "وفق صيغ جديدة" مناسبة مع الوضع الاقتصادي الراهن.
ويقول عبدالرحيم إنه بعد شهرين من الصراع المسلح الذي أفرز مليوني نازح ولاجئ وتضرر الملايين في الولايات من الآثار الاقتصادية الحرب، العالم يبدو كمن تخلى عن السودان.