استمرت الأمطار في محلية أبو حمد بولاية نهر النيل أقصى شمال السودان، نحو عشر ساعات، وأدت إلى تدمير عشرات المنازل والمحال التجارية في السوق الرئيسي.
توقفت الحياة في محلية أبو حمد وحدثت وفيات بسبب انهيار المنازل
تقع محلية أبو حمد في منطقة غنية بتعدين الذهب شمال البلاد، ومع الأمطار التي تجاوزت معدلاتها (100) ملليمتر، يحذر المهتمون بالبيئة من وصول مخلفات التعدين إلى المناطق السكنية ومصادر مياه الشرب.
بفعل المياه، اختفت أجزاء من السكك الحديدية وسط مدينة أبو حمد، حيث تعبر القضبان قرب السوق الرئيسي. توقفت الحياة بأكملها في المحلية وقراها التي تشكو من شح الخدمات منذ سنوات.
أطلق المواطنون نداءات الاستغاثة للحكومة المحلية في نهر النيل لتفعيل عمليات الإنقاذ، خاصة لأولئك الذين فقدوا المأوى بعد أن غمرت المياه غرف المنازل بالكامل، مرتفعةً مسافة متر عن سطح الأرض، وفق شهود عيان.
تشهد مناطق شمال السودان وولاية البحر الأحمر هذا العام تغيرات مناخية كبيرة، كونها لم تعتد على الأمطار والعواصف الترابية خلال فترة الصيف. وتكون هذه الظواهر مقتصرةً على وسط وغرب وشرق وجنوب البلاد خلال فصل الصيف.
بسبب الأمطار العاتية، تساوى سطح الأرض مع القنوات الفرعية من نهر النيل، والتي تنتشر بين طرقات المحلية، ممتدة إلى الحقول والبساتين. غطت المياه مساحات زراعية واسعة، مما يعني فشل موسم الفواكه وثمار البلح.
أما الخدمات الحيوية اليومية، مثل قطاع المخابز، فقد توقفت قسريًا بسبب الأمطار وقطوعات الكهرباء وعدم وجود مواد لإشعال النار. كما توقفت غالبية المحلات التجارية في السوق الرئيسي، وغمرت المياه السلع المخزنة في بعض المتاجر، وفق إفادات مواطنين تحدثوا لـ"الترا سودان".
الأمطار التي تحولت إلى فيضانات أدت إلى انهيار مئات المنازل فوق رؤوس سكانها، حسب حالات بعض الوفيات. جرى نقل عشرات المصابين إلى المستشفى، كما توفي ما لا يقل عن سبعة أشخاص.
كانت تحذيرات الأرصاد تتوقع معدلات أمطار عالية شمال ووسط وشرق البلاد خلال هذا الأسبوع
وكانت تحذيرات الأرصاد تتوقع معدلات أمطار عالية شمال ووسط وشرق البلاد خلال هذا الأسبوع. ومع ذلك، يقول الناشطون في الولايات المتضررة من الأمطار إن السلطات الحكومية لم تتخذ الإجراءات الوقائية.
يقول الناشطون إن محلية أبو حمد تنتج أطنانًا من الذهب، ومع ذلك لم تشغل السلطات المحلية الولائية نفسها بشق قنوات تصريف المياه وحماية المحلية الواقعة على ضفاف نهر النيل بالتروس.
أغلب المنازل التي انهارت شُيدت من مواد بدائية، كون سكان هذه المناطق لم يعتادوا على الأمطار. الطقس هنا شديد البرودة في الشتاء مع الجفاف، وساخن جدًا في الصيف مع الجفاف أيضًا.
ومنذ اندلاع الحرب في السودان منتصف نيسان/أبريل 2023، أصبحت الولايات الواقعة شمال وشرق البلاد ملجأ لمئات الآلاف من النازحين، ومحلية أبو حمد واحدة من المناطق التي قصدها آلاف النازحين.
قال أمين من محلية أبو حمد لـ"الترا سودان" إن الأمطار بدأت في تمام الساعة الثامنة مساءً بالتوقيت المحلي واستمرت حتى شروق شمس الثلاثاء. وعندما توقفت، شاهدنا منازل الجيران وقد انهارت كليًا، وحتى السوق الرئيسي دمرت الأمطار 60% من المحلات التجارية تمامًا.
وقال إن جميع الخدمات متوقفة في المدينة والقرى الواقعة في محلية أبو حمد، من محطات الحافلات بين المحلية ومدن عطبرة وكريمة ودنقلا، إلى الكهرباء ومرورًا بالمياه والمخابز والمراكز الصحية.
وأشار إلى أن القرى الواقعة في محلية أبو حمد تحولت إلى أكوام من الدمار، وشمل التدمير أسواقها الصغيرة. توقفت الحياة في جميع أنحاء محلية أبو حمد بالكامل، وحتى الآن لا توجد تدخلات حكومية أو إنسانية بشيء ملموس.
وأضاف: "يحتاج الناس الذين دُمرت منازلهم إلى البقاء في العراء، بالتالي الحاجة إلى الخيام والطعام ومياه الشرب والدواء".
في السوق الرئيسي، لم يتبق سوى الهيكل الخرساني من مجموعة محلات تجارية انهارت بعد ليلة ماطرة امتدت لعشر ساعات. لم يجد السكان مفرًا سوى البقاء في أجزاء آمنة على قلتها في المنازل المشيدة من المواد البدائية.
ترتفع القضبان الحديدية للقطارات عن سطح الأرض نحو خمسة أمتار، لكن المياه غطتها في بعض المواقع. أما المدينة التي لا تنتشر فيها الطرق المعبدة، فقد غرقت في الوحل والمياه التي تمتد على امتداد البصر.
يجمع سكان منزل انهار بالكامل، وفق مقطع فيديو متداول على الشبكات الاجتماعية، المقتنيات في حقائب غمرتها المياه، ولم يتبق من المكان سوى الذكريات التي انهارت مع الجدران.
اختفى الحاجز بين باب المنزل والفناء الخارجي لانهيار الغرف والجدران، مما حول الأمطار والسيول حياة المواطنين في محلية أبو حمد إلى فصول من المأساة، خاصة مع غياب الدولة في تقديم المساعدات المطلوبة كما يقولون.
الساعات القادمة قد تشهد كوارث مماثلة، حسب توقعات ناشطين في مجال الرصد الجوي وتنبؤات الطقس، أبرزهم الناشط في مجال الطقس والمناخ منذر الحاج، الذي حذر من تكرار كارثة أبو حمد في مناطق أخرى تشمل شمال وشرق البلاد.
فاض نهر النيل الذي يمر بجوار محلية أبو حمد، شمال البلاد، بالتزامن مع الأمطار الغزيرة مساء الإثنين، واستمرت حتى صباح اليوم. توقفت ماكينات سحب المياه التي يديرها المزارعون لجلب المياه من القنوات إلى أشجار الفواكه والبقول والحبوب، كما لو أنها تشبعت وغرقت، وبعضها طُمرت.
يعتبر شهر آب/أغسطس من كل عام شهر الكوارث والفيضانات في السودان، لأنه موسم هيجان نهر النيل والنيل الأزرق والنيل الأبيض. تتزامن الكوارث البيئية هذا العام مع الحرب التي أدت إلى نزوح ملايين السكان وتدهور الوضع الإنساني.
يعبر الناشطون في ولاية نهر النيل عن قلقهم من اضطرار المواطنين إلى نزوح جماعي في محلية أبو حمد، خاصة في عشرات القرى التي غرقت، وفقد المواطنون مئات المنازل.