تحولت الأوضاع في ولاية الجزيرة، خاصة شرق الجزيرة، رأسًا على عقب في غضون ساعات قليلة على خلفية إعلان قائد قوات الدعم السريع أبو عاقلة كيكل الانشقاق عن هذه القوات والقتال إلى جانب الجيش.
لم يكن مفاجئًا ظهور كيكل منتصف عام 2022 قائدًا لقوة "درع السودان" مع إرهاصات الحرب واحتدام الجدل السياسي حول الاتفاق الإطاري
لمع اسم كيكل عندما أسس قوات "درع السودان" منتصف العام 2022، وظهر خلال عرض عسكري في مناطق البطانة ومحلية شرق النيل. في ذلك الوقت، أعلن كيكل احتجاجه على قسمة السلطة والثروة بين الحكومة المركزية والحركات المسلحة، وقال إن التهميش طال جميع أنحاء البلاد ويجب إعادة النظر في الاتفاقات الموقعة بين الحركات والحكومة.
خطاب كيكل في ذلك الوقت وجد قبولًا من بعض المجموعات السكانية وسط البلاد، وإن كان ما زال بعيدًا عن التأثير السياسي. فإن قوات "درع السودان" التي يقودها تشكلت في وقت سابق للاتفاق الإطاري، وذهبت المعارضة المدنية إلى أن هذه القوات تعود امتدادها إلى نظام البشير، وتركت الأزمة عند هذا الحد.
بشكل مفاجئ، حصل كيكل على العتاد الحربي والزي العسكري والرجال المسلحين عندما أسس قواته في العام 2022، وربط المراقبون السياسيون بين هذه القوات وتوجهات المكون العسكري في ذلك الوقت، والذي كان يواجه ضغوطًا من المجتمع الدولي للتوقيع على الاتفاق الإطاري.
من جنرال شارك في عرض عسكري في منطقة الخرطوم بحري خلال احتدام الجدل السياسي حول الاتفاق الإطاري في آذار/مارس 2023، قبل شهر من اندلاع الحرب متحالفًا مع الجيش في ذلك الوقت، إلى رجل مقرب من دوائر حميدتي في غضون أسابيع قليلة.
متى انتقل كيكل إلى التحالف مع حميدتي؟ في الليلة التي سبقت صباح الحرب منتصف نيسان/أبريل 2023، أعلن كيكل على نحو مفاجئ تأييده للاتفاق الإطاري. كانت العملية مقدمة للانضمام إلى قوات الدعم السريع، ولم يستغرق الرجل سوى ساعات للكشف عن هذا الأمر.
اشتدت حرب منتصف نيسان/أبريل، وشاركت قوات كيكل في أول ظهور علني في الهجوم على ولاية الجزيرة، خاصة القوات التي عبرت كبري حنتوب مساء يوم 21 كانون الأول/ديسمبر 2023.
وفر كيكل بعض الإجراءات الحاسمة في مناطق شرق الجزيرة، التي بقيت إلى حد ما بمنأى عن الانتهاكات المريعة التي ارتكبتها قوات الدعم السريع بحق المدنيين في هذه الولاية. كما عزز السلطة الإدارية في مدينة تمبول، أكبر مدن شرق الولاية، وأنعش أسواقها بدخول السلع من البطانة والقضارف وحلفا الجديدة.
حصل على رتبة لواء عندما ظهر لأول مرة قائدًا لقوات "درع السودان" منتصف العام 2022، وقبل ذلك بسنوات كان يعمل في مجال التجارة. في ذات الوقت، لا يمكن القول إن الرجل صعد بشكل علني إلى سطح الأحداث في تلك الفترة، بل سبقته سيرة حافلة مع نظام البشير، ويعد أحد المقربين من رجال السلطة في السنوات الماضية.
لعبت عائلة كيكل دورًا في ممارسة الضغوط عليه للانشقاق عن قوات الدعم السريع. قاد ضابط رفيع برتبة عميد من الجيش المفاوضات مع الجنرال الذي نشر قواته في منطقة البطانة، مهددًا باجتياح القضارف ونهر النيل.
الضغوط التي جاءت على كيكل من عائلته ومجتمعه في منطقة شرق النيل والبطانة عززت من تجسير الاتصال بينه وبين قادة الجيش
الضغوط التي جاءت على كيكل من عائلته ومجتمعه في منطقة شرق النيل والبطانة عززت من تجسير الاتصال بينه وبين قادة الجيش، إلى درجة تبادل المحادثات بينه وبين قادة عسكريين كبار في مجلس السيادة الانتقالي.
الانتهاكات التي ارتكبتها قوات الدعم السريع في ولاية الجزيرة زادت من وتيرة الضغوط الاجتماعية على كيكل، إذ لم يجد الرجل مفرا من الانحناء للعاصفة مع وقوع الضحايا بالمئات، خاصة في مجزرة ود النورة جنوبي الولاية في حزيران/يونيو الماضي.
بالنسبة لقوات الدعم السريع، فإن انشقاق كيكل في هذا الوقت يعد ضربة قاضية لهذه القوات. وفق تفسير مراقبين عسكريين، فقد اعتمدت بشكل كبير على قدرات الرجل ومعرفته بتضاريس وطبيعة المنطقة والقرى.
كما أن العملية ربما تمتد إلى جنرالات آخرين في صفوف قوات حميدتي، الذين لديهم امتدادات اجتماعية في المناطق التي تسيطر عليها وسط البلاد، خاصة في الجزيرة وسنار وكردفان. وقد تتوالى حالات الانشقاق، محدثةً ردود أفعال داخل قوات الدعم السريع.
تحدثت الأنباء، بالتزامن مع إعلان القوات المسلحة رسميًا انشقاق أبو عاقلة كيكل، عن احتفالات انتشرت في مدينة تمبول وقراها التي تسيطر عليها قوات يقودها كيكل، ما يعني عمليا الانتقال إلى سيطرة الجيش.
قوات الدعم السريع، من جانبها، فرضت إجراءات جديدة في ولاية الجزيرة، بتعيين قائد جديد للفرقة الخامسة مشاة، ومقرها ود مدني عاصمة ولاية الجزيرة. كما عززت انتشارها داخل المدينة وأغلقت الطرق البرية أمام حركة المدنيين والحافلات.
كان كيكل قد أعلن عندما أسس قوات "درع السودان" أنه يقود قوة عسكرية تتكون من (30) ألف مقاتل، ورغم أن التصريح جاء في إطار التباهي بالقوة العسكرية، إلا أن العدد أقل من ذلك.
قالت شبكة صيحة إن قائد قوات الدعم السريع في ولاية الجزيرة، أبو عاقلة كيكل، يتحمل المسؤولية المباشرة عن الانتهاكات التي وقعت بحق النساء في الولاية
في ذات الوقت، تمكن كيكل من زيادة أعداد المجندين في صفوف قواته خلال فترة عمله مع قوات الدعم السريع بولاية الجزيرة، وأوكل إليها حماية بعض المناطق والقرى والأسواق، خاصة شرق الولاية، ما يعني عمليًا وضعها تحت سيطرة الجيش.
قالت شبكة صيحة إن قائد قوات الدعم السريع في ولاية الجزيرة، أبو عاقلة كيكل، يتحمل المسؤولية المباشرة عن الانتهاكات التي وقعت بحق النساء في الولاية، من موجات الاغتصاب الجماعي والعنف الجنسي بحق النساء. فهل يفلت الرجل من العدالة ليكون قائدًا في عموم الولاية تحت إمرة الجيش، أم تبقى الملفات تحت طي الكتمان إلى وقت آخر؟