منذ اندلاع الحرب في دارفور قبل أكثر من عقد، يعاني الإقليم من انعدام الأمن وعدم الاستقرار، ويُنظر إلى النساء والفتيات في كبريات المدن على أنهن عرضة للمخاطر أكثر من غيرهن من السكان المتأثرين بالنزاعات؛ حيث تُحيط بالمرأة الدارفورية مخاوف متعددة تتعلق بالممارسات التقليدية ضدها في المجتمع وعدم سماع صوتها.
يهدف مشروع "بِحيريات" إلى دعم النساء وتعزيز فرصهن في العمل ومشاركتهن في المجتمع وتنمية مهاراتهن للتغلب على التحديات التي تواجه سيدات الأعمال بجنوب دارفور
ففي مدينة نيالا حيث النسبة الأكبر من النساء في سوق العمل، هناك حاجة ماسة إلى نشر الوعي النسوي وتوفير بيئة آمنة وسط القطاعات الصغيرة، خاصةٍ اللائي يعملن في ظروف اقتصادية معقدة .
وعبر مجموعة "بِحيريات" (نسبةً إلى الاسم الشعبي "نيالا البحير")، تحاول عدد من الناشطات في مجال التوعية بحقوق المرأة، بحاضرة جنوب دارفور، تسليط الضوء على الدور الكبير الذي تلعبه المرأة؛ بهدف استقطاب الدعم المعنوي والمادي، خاصةً في مجال التدريب وتعزيز مشاركة النساء في صنع القرار .
ويهدف مشروع "بِحيريات" إلى دعم شريحة النساء وتعزيز فرصهن في العمل ومشاركتهن في المجتمع وتنمية مهاراتهن للتغلب على التحديات التي تواجه سيدات الأعمال بجنوب دارفور.
تقول رئيسة ومؤسسة مشروع "بِحيريات" مآرب محمد الحافظ لـ"الترا سودان" إن "أغلب الفتيات بنيالا لا يجدن التقبل في المجتمع ويتعرضن للتنمّر في بيئة العمل"، لافتةً إلى أن المشروع انطلق بإنشاء غرف جماعية للتواصل على تطبيق الواتس آب للتعرف على مشاكل النساء عن قرب.
وتضيف مآرب أنهن أطلقن اسم "مرايا" على أول حدث ينظمه المشروع، في إشارةٍ إلى أن "المرأة مرآة لأختها" – على حد تعبيرها. ووصفت الحدث بـ"المسرحي التفاعلي"، قائلةً إنه شهد تمثيل مهن نسوية مثل بائعات الشاي والأطعمة ورائدات الأعمال والعاملات في المنتجات البلدية، وتنظيمهن في مجموعات عمل عبر الورش التي تقدمها مجموعة "بِحيريات" لتعزيز فعالية النساء بما يعادل نسبة وجودهن في سوق العمل – على حد تعبيرها.
وتأمل مآرب وزميلاتها في فتح نافذة تستوعب قضايا النساء بطريقة مختلفة، تجعل منهن رائدات في مجالات متعددة، مع نضج جمعي وتقبل مجتمعي لحقوق النساء – على حد قولها. وأشارت إلى انحسار نشاط الفتيات التوعوي وسط المجتمع وضعف نسب التعليم بين الفتيات بسبب ويلات الحرب.
وتضيف مآرب أن معظم الفتيات اتجهن إلى سوق العمل بمدينة نيالا التي تعد ثاني ولاية في السودان من حيث التعداد السكاني حسب آخر احصائية، والأكبر من حيث عدد النسوة العاملات في السوق التجاري – بحسب مآرب.
وتتخد مجموعة "بِحيربات" من فندق المعلم بوسط نيالا مقرًا لتقديم الورش والدورات التدريبية وإقامة "البازارات" المصغرة لعرض منتوجات النساء وإبداعاتهن، بالإضافة إلى التوعية المستمرة بالحقوق وبمفاهيم الحماية الذاتية ونشر الوعي في المجتمعات المحلية حول حقوق المرأة ومكافحة كل أشكال التعدي والعنف وتشجيع الحوار بين النساء.
تقول المدربة بمجموعة "بِحيريات" صباح يوسف إن حدث "مرايا" هو نشاط قامت به شابات من مجموعة تكونت حديثًا وهو الأول من نوعه. وتناول الحدث –بحسب صباح- المهن المختلفة التي تعمل بها النساء في جنوب دارفور والمشاكل والتحديات والمخاطر التي يواجهنها في أماكن العمل وفي المجتمع بصورة عامة عبر "مسرح تفاعلي". وخاطب البرنامج ثلاث متحدثات في مجالات مختلفة، إلى جانب عرض لبعض المنتجات اليدوية وتسويقها بمكان الحدث – طبقًا لصباح .
وتضيف صباح أن التحدي الأكبر الذي يواجههن هو تقبل المجتمع للفكرة ودخول عدد أكبر من الفتيات إلى دائرة التفاعل وتقديم أنفسهن عبر المجموعات التوعوية من دون تردد حتى تحظى المجموعة باهتمام منظمات المجتمع المدني والسلطات الولائية. وتنوّه بأن "بِحيريات" جسم طوعي انطلق من فكرة بسيطة تهدف إلى تعزيز فعالية النساء وتقديم الدعم لهن في ظروف اقتصادية وواقع معيشي معقد للعاملات بمدينة نيالا.
مدربة بالمجموعة: التحدي الأكبر الذي يواجهنا هو تقبل المجتمع للفكرة وتفاعل الفتيات
مناقشة قضايا النساء خاصة في مناطق الصراعات والحروب تتطلب قدرًا من المرونة والتدرّج بخطوات نحو المستقبل لخلق بيئة آمنة وسط القطاعات الصغيرة والمنتجة.
لم تتوقف النساء في دارفور عن العمل المستمر خلال عشرين عامًا من الحروب وعدم الاستقرار. ولدى النساء إصرارٌ كبير على المضي قدمًا على الرغم من سوء الأوضاع وخطورتها على حياتهن وصحتهن وعلى مستقبل جيلٍ كاملٍ عايش ويلات الحرب.