تناقلت مواقع التواصل الاجتماعي مقاطع فيديو تظهر مقتل اللواء علي يعقوب جبريل، قائد وسط دارفور وأحد أهم القيادات العسكرية التاريخية لقوات الدعم السريع. وأصدر مكتب الناطق الرسمي للقوات المسلحة تعميماً ذكر فيه أن القوات المسلحة والقوات المشتركة أحبطت هجوماً على مدينة الفاشر، أسفر عن مئات القتلى والجرحى، على رأسهم قائدهم علي يعقوب، وتدمير واستلام عشرات السيارات.
من جهته، أكد الرائد أحمد حسين مصطفى، المتحدث الرسمي باسم القوات المشتركة لحركات الكفاح المسلح، أن العملية التي نتج عنها مقتل اللواء علي يعقوب تأتي في سياق خطة عسكرية محكمة تقضي بإنهاء ما أسمته "مهزلة إجرامية" استمرت أكثر من شهر، سواء بمحاولات الاجتياح الفاشلة أو التدوين المدفعي للأحياء السكنية المكتظة بالسكان ومراكز إيواء النازحين والمستشفيات، واصفاً علي يعقوب بأنه "رأس الأفعى الإجرامي" الذي أدار بنفسه الحملات البربرية الانتقامية والوحشية، والتي لن تنتهي بمقتله ما لم يتم القضاء، وفق الخطة المشار إليها، على كامل المتحرك في المحور الجنوبي والمحور الشرقي للفاشر.
في مفارقة تراجيدية، وافق مقتل علي يعقوب (13 حزيران/يونيو 2024) حلول عام كامل على مقتل والي غرب دارفور، خميس أبكر
عدد أحمد حسين خسائر الدعم السريع في معارك الفاشر بقتل أكثر من 1000 آخرهم القائد علي يعقوب، وتدمير 60 آلية عسكرية، واستلام 40 سيارة دفع رباعي و7 مدرعات و3 حافلات للمؤن والذخائر، وأسر 43 جندياً.
وفي سياق متصل، غرّد مني أركو مناوي، حاكم إقليم دارفور، عبر صفحته الرسمية على منصة فيسبوك قائلاً: "وداعاً لقائد محرقة الفاشر. We got it". ما اعتبرته دوائر مقربة من الدعم السريع شماتة تعكس هول المفارقة بين من يموتون في الميدان مع جنودهم ومن يديرون معاركهم من خارج حدود الإقليم.
وداعاً لقائد محرقة الفاشر ،
We got it !!!— Mini Minawi | مني اركو مناوي (@ArkoMinawi) June 14, 2024
الملابسات وسياق الحدث
حتى لحظة كتابة هذه المادة، لم تعلّق المصادر الرسمية والمنصات المأذونة للدعم السريع، رغم كثافتها وحضورها، على ملابسات مقتل يعقوب في الفاشر. بينما تداولت بعض المقاطع الصوتية المسربة عن الغرف الإعلامية أن مقتله جرى نتيجة إصابته في إحدى المواجهات قبل ثلاثة أيام وتأخر إسعافه إلى مدينة نيالا إلى يوم الجمعة، حيث نجحت قوة من الجيش والقوات المشتركة في نصب كمين له وقتله.
وأشارت مصادر عسكرية مطلعة إلى أن اللواء يعقوب تم أسره جريحاً ضمن كمين محكم، ولم تلبث روحه أن فاضت متأثرة بإصابة في الرأس والصدر. ورغم أن بعض المواطنين الغاضبين حاولوا أن يمثلوا بجثته، إلا أن القوات المسلحة، رفقة قوات الكفاح المسلح، استطاعت أن تنتزع جثة يعقوب وتتعامل معها وفق القواعد المرعية والأخلاق المهنية العسكرية المضبوطة بقوانين ومعايير وإجراءات صارمة، ومن ذلك مادة كاملة تتعلق بدفن الموتى في الحرب، وردت في كتاب الشؤون الإدارية في الحرب.
أجهزة الحداثة الفائقة إلى جوار كفن
عُثر ضمن متعلقات اللواء يعقوب على هاتف نقال ثريا وجهاز ستارلنك وهاتف آي فون 15 برو ماكس وجهاز قيل إنه لتشويش الطيران، وكفن. وكانت آخر مكالمة صادرة من جهاز الثريا قد أجريت مع القائد النور قبة، أحد أرفع وأشرس القيادات التاريخية في الدعم السريع، التي صاحبت موسى هلال في قوات حرس الحدود ردحاً من الزمن قبل أن يلتحق بقوات الدعم السريع. كما وجدت مستندات لم يتسن التأكد من صحتها، تتعلق بدعم مالي من دولة إقليمية محورية، وخطاب ممهور بتوقيع اللواء عثمان محمد حامد "عمليات"، وفيه طلب لعلي يعقوب بأن يستعين بفزع أهلي، بحجة أن القوات الموجودة مرجوة لتنفيذ مهام تتعلق بالهجوم على "الدويم وشندي".
مفارقة التاريخ أم تاريخ المفارقات
في مفارقة تراجيدية، وافق مقتل علي يعقوب (13 حزيران/يونيو 2024) حلول عام كامل على مقتل والي غرب دارفور، خميس أبكر (13 حزيران/يونيو 2023)، الذي كاد أن يلقى ذات المصير المتعلق بالتمثيل والعبث بجثمانه لولا تدخل عقلاء الجيش والقوات المشتركة. وهي مفارقة تعيد النزوع البشري للانتقام وتغليب التشفي على التعامل بمقتضيات الأخلاق العسكرية المرعية في القيم الشرعية والقوانين الدولية، والتي صارت مرصودة بدقة في زمان اشتداد وطأة التوثيق وسرعة التداول الإعلامي للأحداث والمعارك والمواجهات.
يقول مصدر مطلع، آثر حجب هويته، ربما أرادت عدالة السماء أن تقتص لموت خميس أبكر من أحد قيادات الدعم السريع في ذات التاريخ وبذات الطريقة، على الفارق الكبير بين الحادثتين والشخصيتين. فالأول شخص مدني كان يحاذر انفجار الأوضاع في مقر ولايته، والثاني قائد مقاتل صائل، والِغ في عملية قتالية شرسة.
وأياً كان المعنى المتواري في ثنايا حدث المفارقة أو مفارقة الحدث، فإن العبث بالموتى عوض إكرامهم بدفنهم وعدم التمثيل بهم، يعد مؤشراً على تردي الأخلاق وعلو النعرات العصبية، والحاجة الماسة لإجراء ترميمات عميقة في الأبنية الاجتماعية في مرحلة ما بعد الحرب.
منزلته القيادية
ويقول ذات، إن اللواء علي يعقوب، المولود في حقبة الستينات، كان عنصراً عسكرياً فاعلاً في الفضاء الدارفوري. له صلة قربى بقائد الدعم السريع، محمد حمدان دقلو، وتجمعه علاقة صداقة بالفريق أول عبد الفتاح البرهان، الذي كان مشرفاً على قوات حرس الحدود لوقت طويل. وقد ذكر يعقوب في مخاطبة جماهيرية أنه ذهب بنفسه لقائد الجيش وحذره من تفجّر الصراع بين الجيش والدعم السريع، مستفيضاً في الآثار التدميرية التي يمكن أن تنجم عن الحرب.
يعقوب يصنف في الصف الأول من القيادات العسكرية الميدانية التي خاضت معارك دامية، ونسبت إليها انتهاكات مروّعة تتعلق بقتل المواطنين وقصفهم بصورة عشوائية
ويقول ذات المصدر إن يعقوب يصنف في الصف الأول من القيادات العسكرية الميدانية التي خاضت معارك دامية، ونسبت إليها انتهاكات مروّعة تتعلق بقتل المواطنين وقصفهم بصورة عشوائية، وتدمير البنية الحضرية في دارفور وزالنجي بصورة خاصة، ونهب قوافل الإغاثة.
ويعتقد المصدر أن أهم قيادة عسكرية حالية للدعم السريع هو اللواء موسى أمبيلو، لأنه الأكثر أصالة في مشروع الدعم السريع والأقرب صلة للقائد دقلو. وتأتي مجموعة قوات حرس الحدود في مرحلة تالية، وعلى رأسها اللواء النور قبة، الموصوف بالشدة والعنفوان والثراء. ثم اللواء علي يعقوب والعميد عبد الرحمن جمعة، الذين التحقوا بالدعم السريع في مرحلة ما بعد تأسيس الدعم السريع. وتأتي في مرحلة لاحقة قيادات مثل العميد جدو حمدان أبونشوك الماهري، الملتحق بالدعم السريع من مجموعة التائبين، وهم قطاع الطرق الذين استوعبوا في قوات حرس الحدود منذ 2006م، حيث أسندت إليه قيادة معسكر فتاشة لتدريب عناصر الدعم السريع. ويأتي العقيد صالح الفوتي، قائد قطاع جنوب دارفور، في مرحلة تالية، وهو قائد صعب المراس قاد عدداً من عمليات الفزع لأم درمان ومحور الإذاعة، قبل أن يتراجع إلى دارفور ويشارك في الهجوم على بابنوسة.
حان يوم شكره
وتدافعت التغريدات المقرّظة للواء يعقوب من دوائر مقربة للدعم السريع، واصفة إياه بالشجاعة والإقدام والإيثار ونكران الذات، فضلاً عما أسموها أدواراً بنائية في غمرة الحرب التدميرية، والسعي بين المكونات القبلية بالصلح والتوافق على حجم التناقضات البنيوية في الإقليم المضطرب. ورأى البعض أن قيمة يعقوب لا تنبعث من حنكته العسكرية ولا إسهامه في "انتصارات الدعم السريع في دارفور" في نيالا وزالنجي والضعين، وإنما فيما أسموه قدرته القيادية المدنية وخبرته الإدارية في إدارة الموارد والأمن وبسط الاستقرار وإعادة الخدمات وعقد المصالحات الاجتماعية، وتخليه عن مظاهر الرفاه والحذر الأمني، وخوضه غمار المعارك بشجاعة نادرة.
ظهر اللواء علي يعقوب على تخوم الفاشر في منطقة "سقوها" قبل شهر، محذراً الجنرال مني أركو مناوي، حاكم إقليم دارفور، ومخيّراً له بين الاستسلام أو الهزيمة الساحقة، ومفنداً أقوالاً راجت حول هروبه على ظهر دراجة بخارية بأنه لا يهرب من المعارك ولا يركب إلا على أعناق الرجال.
الآثار المتوقعة
ويرى د. ياسر يوسف، وزير الدولة بالإعلام في حكومة الإنقاذ، أن غياب علي يعقوب سيؤثر على سير المعارك في محور الفاشر، وتلك التي ترابض في الجنينة وزالنجي ونيالا. مؤكداً أهمية يعقوب القصوى لقيادة الدعم السريع ودوره في إجراء تفاهمات مع القيادات الأهلية في دارفور واستجلاب عناصر الفزع من أقاصي الإقليم المنكوب. وبما ناله من حظوة ومن ثقة، أسندت إليه بموجبها إدارة المعارك في محور الفاشر، ما يجعل موته الصاعق فاجعة حقيقية لقيادة الدعم السريع، وهي بمثابة انهدام عمود هيكلي لا يمكن تعويضه في قيادة الدعم السريع لسمعته الأهلية ومقدراته الميدانية.
مقتل اللواء يعقوب سيدفع قيادة الدعم السريع لإنفاذ هجوم موسع في محاور مختلفة في الفاشر أو بابنوسة والنيل الأبيض وعلى تخوم سنار والفاو
وترى تحليلات متطابقة أن مقتل اللواء يعقوب سيدفع قيادة الدعم السريع لإنفاذ هجوم موسع في محاور مختلفة في الفاشر أو بابنوسة والنيل الأبيض وعلى تخوم سنار والفاو. وربما تذهب قيادة أركان حرب الدعم السريع إلى مهاجمة شندي أو القضارف، وهي أهداف على صعوبتها ظلت حلماً يراود جناح الصقور بالدعم السريع، الذي ما برح ينادي بنقل المعركة إلى ما أسموه "معاقل دولة 56" في نهر النيل والشمالية.
وتمور مواقع التواصل الاجتماعي منذ صباح اليوم بعلو نبرة الانتقام والثأر لعلي يعقوب، وألقت بعضها باللائمة على قيادة الدعم السريع حول تباطؤها وعدم حسمها وحذرها المبالغ فيه وتغليب خيارات التسوية والمساومة، وهي ذات التصورات المرتبطة بوجود "لجام ما" التي سادت معسكر الجيش وتقديرات قيادته "البيروقراطية" المتناقضة مع تطلعات القيادات الميدانية للحسم العسكري وإخراس أي صوت آخر غير صوت المدافع والراجمات.