25-ديسمبر-2022
""

كشفت تطورات الأحداث الأخيرة في حزب المؤتمر السوداني عن تباين كبير وصراع تيارات حول النفوذ داخله، في وقت يمضي فيه الحزب بخطى بطيئة نحو مؤتمره السادس، وقد نجا الحزب كثيرًا وطويلًا من متلازمة الأحزاب السودانية التي تنقسم على نفسها، فهل سيصمد حزب المؤتمر السوداني في وجه التحديات التنظيمية، وينجح في الوصول إلى مؤتمره السادس دون انشقاق؟

برزت التباينات التنظيمية مؤخرًا وقادت إلى إحالة (17) من أعضاء الحزب للجنة تقصي حقائق وتجميد عضويتهم، منهم رئيس الحزب بولاية الخرطوم سليمان الغوث، وعضو المكتب السياسي السابق نور الدين صلاح الدين وآخرون. وعقب عرض لجنة التحقيق تقريرها على المجلس المركزي، قرر المجلس تشكيل لجنة لمحاسبة (10) من أعضاء المجموعة. كما قرر المجلس المركزي حل الأمانة العامة وإعفاء الأمين العام، محمد يوسف، وتكليف محمد علي شقدي بمهام الأمين العام لحين انعقاد اجتماع المجلس القادم.

يعترف الأمين العام السابق محمد يوسف بأن الأسباب الرئيسية لاتخاذ القرار بحقه وإعفائه هي "اختلافات وعدم انسجام القيادة"

تجدر الإشارة إلى أن نور الدين صلاح الدين، عضو المكتب السياسي للحزب، المجمدة عضويته، كان قد أعلن رغبته الترشح لرئاسة الحزب، بجانب الدكتور يوسف العركي والأستاذة المحامية إقبال علي. وانتخب رئيس الحزب الحالي المهندس عمر الدقير خلفًا لرجل الأعمال إبراهيم الشيخ في كانون الثاني/يناير من العام 2016، وانتهت دورة الدقير في كانون الثاني/يناير من العام الماضي 2021، لكن لوائح الحزب تسمح له بالترشح لدورة ثانية.

عدم انسجام في القيادة

يعترف الأمين العام السابق محمد يوسف بأن الأسباب الرئيسية لاتخاذ القرار بحقه وإعفائه هي "اختلافات وعدم انسجام القيادة، خاصة وأن الأمين العام هو المسؤول الإداري الأول في الحزب". ويضيف يوسف في تصريح لـ "الترا سودان"، أن العمل الديمقراطي المؤسسي لا بد أن يوفر بيئة جيدة للاختلاف في وجهات النظر، وتابع: "وهو متاح لدرجة معقولة داخل أروقة الحزب، والقرار الأخير المتعلق بحل الأمانة العامة تم اتخاذه بواسطة المجلس المركزي، ونحن من جانبنا نحترم قرارات المؤسسات الحزبية، حتى لو وجدنا تجاوزات أو أخطاء سنعدلها ونقومها بالنظم والقوانين والممارسة الديمقراطية".

يؤكد يوسف بأن التباينات ليس لها علاقة بالموقف من العملية السياسية، وأن مواقف الحزب المعلنة معبرة بدرجة كبيرة عن عضوية الحزب، لكنه جدد مؤكدًا بأنها جاءت بسبب عدم الانسجام واختلاف في التقديرات بشأن الإدارة الداخلية، وأبدى يوسف ثقته في مؤسسات الحزب التي قال بأن لديها قدرة لقيادة الحزب، ومعالجة التباينات بالنقاش والأدوات الديموقراطية.

محمد يوسف
الأمين العام السابق محمد يوسف

وحول أثر التباينات على المؤتمر العام، يقول يوسف بأن المؤتمر العام يتكون من عدد كبير من العضوية من ولايات وقطاعات وفرعيات في الخارج وطلاب، وليس بالسهولة التأثير عليهم، وزاد: "نحن موجودون في حزب حديث وعضويته على قدر كبير من المعرفة".

مخالفات تنظيمية عادية

 يصف أمين الإعلام بحزب المؤتمر السوداني نور الدين بابكر التباينات والقرارات الأخيرة بأنها "مخالفات تنظيمية عادية" تحدث من وقت لآخر، وأن الفرق الوحيد هو أنها وصلت للإعلام، وتابع: "هناك من تم فصلهم من قبل، وهذه القرارات رشحت للإعلام وأخذت حجمًا أكبر من حجمها".

يوضح بابكر بأن عدد سبعة من الأعضاء تمت تبرئتهم، لعدم وجود مخالفات واضحة، وأن عدد (10) من الأعضاء أحيلوا للمحاسبة ويمكن أن يعفوا أو يحاسبوا إذا ثبتت مخالفتهم للوائح. وكشف بابكر عن أن الأمين العام السابق تمت إقالته بعد تقييم أدائه وتقديمه لتقرير متعلق بالمؤتمر العام الذي تأجل أكثر من مرة في ظل قيادته للأمانة العامة. وتابع بابكر: "المجلس رأى أن يُحدث تغييرًا في الأمانة العامة ليسرع من خطوات انعقاد المؤتمر العام، لأن الأمانة العامة هي الجسم المنوط به قيام المؤتمر العام، لكن المؤتمر تأجل لفترات طويلة بسبب قصور في أداء الأمانة العامة".

ويشير نور الدين بابكر إلى أن مسألة التيارات داخل الحزب طبيعية، وأنها ليست المرة الأولى التي يقال فيها بأن هناك انشقاق في حزب المؤتمر السوداني. ويضيف بأن هناك استهداف للحزب من أعداء كثر، سواء في معسكر القوى المدنية أو من النظام البائد والأجهزة الأمنية ومعسكر الانقلاب. وقال: "هناك من يسعى لتصوير الحزب بأنه حزب ضعيف ومنشق ولديه خلافات، لكن أؤكد لك أن الحزب موحد حول الوجهة السياسية، وحول قيادته، وإلى حد كبير هو حزب ديموقراطي تتخذ فيه القرارات بديموقراطية من القاعدة للقيادة، ولا يستطيع أحد منفردًا أن يؤثر على قراراته".

تمايز واضح داخل الحزب

الكاتب والباحث في الدراسات الأفريقية منتصر إبراهيم الزين، يعزي التباين داخل حزب المؤتمر السوداني إلى تكوين الحزب الأخير بعد أن تحول من حزب المؤتمر الوطني المعارض إلى حزب المؤتمر السوداني، وذلك بانضمام أجيال جديدة من خريجي مؤتمر الطلاب المستقلين في الفترة من 2000 وحتى 2005. وتابع الزين في حديث لـ"الترا سودان" بأن التمايز داخل المؤتمر السوداني ظل واضحًا في التوجهات الفكرية والسياسية بين الأجيال المؤسسة لمؤتمر الطلاب المستقلين أواخر السبعينات وخريجي منتصف الألفينات.

ويشير الزين إلى احتفاظ جيل الثمانينات برئاسة الحزب حتى الآن، وأن الخلاف الحالي يعود إلى شكل القيادة وأزمة البرنامج، وأن التوجهات السياسية تتركز في فاعلية أطراف محددة، ما يجعل سلطة الفرد هي محور قيادة الحزب، وتقل الفاعلية الكاملة للأطراف الأخرى رغم المشاركة في مداولات صناعة القرار بانعقاد هياكل الحزب، لكن في النهاية يكون الحزب ورقة مطوية في جيب التنفيذيين حول الرئيس. حسب رأي منتصر الزين.

ويضيف الزين بأن مصدر التوتر الآخر هو أن الحزب لم ينتقل من الأفق النضالي إلى الأفق السلطوي بصورة منضبطة، وتابع: "أصبح التنفيذيون وزراء في الحكومة الانتقالية كامتياز مهما بدا وجيهًا ومقبولًا، إلا إنه يوضح مشاكل مصادر القرار في الحزب، حيث أصبح الرئيس السابق وهو عضو في لجنة الترشيحات وزيرًا للصناعة، والأمين العام وزير مجلس الوزراء".

يختم الزين بقوله: "لا أعتقد أن الأزمة الاخيرة، ستقود لانشقاقات، لغياب جناح قوي ومؤثر؛ ولكن يمكن أن تثمر إيجابيًا في توضيح وكشف مكامن الخلل في الحزب كنوع من التعلم بالتجربة؛ أو التعلم من خلال الأزمات".

لا خوف عليه

يرى رئيس حزب المؤتمر السوداني في ولاية الخرطوم، سليمان الغوث، وهو أيضًا من الذين أحيلوا للجنة المحاسبة، يرى بأن المسألة عادية وفي اطارها الطبيعي، ويضيف في تصريح لـ"ألترا سودان": "هناك حراك تنظيمي وتباينات في وجهات النظر داخل الحزب، والتباينات مسموح بها، لأن الحزب ديموقراطي وبالضرورة أن تكون به مجموعة من التيارات التي تتشكل نتيجة لموقف، وطبيعي أن تدار هذه التباينات وفق الأسس الديموقراطية، وأحيانًا تحدث تجاوزات، ومؤسسات الحزب قادرة على إعادة الأمور إلى نصابها".

يقلل رئيس حزب المؤتمر السوداني في ولاية الخرطوم سليمان الغوث من أثر هذه التباينات على مستقبل الحزب

ويقلل الغوث من أثر هذه التباينات على مستقبل الحزب، ويؤكد بأنها لن تقود إلى انشقاق الحزب طالما هو حزبٌ ديموقراطي، ومؤسساته حاضرة. وزاد الغوث: "نحن نحترم مؤسسات الحزب ونثق في قدرتها على قيادة التباينات لتعزيز الديموقراطية داخل الحزب، وأي حزب ينشق لوجود تباينات هو حزب غير ديموقراطي".

يؤكد الغوث على ديموقراطية حزب المؤتمر السوداني، وعلى أنهم راضون إلى حد كبير عن أداء المؤسسات، مشيرًا إلى أن التباينات لن تضعف الحزب لكنها تقويه. ويصف الغوث هذه التجربة بالمهمة، وأنهم يخوضونها الآن في الداخل، وسيذهبون لخوضها في الخارج مع تحالفات وأحزاب أخرى. وختم الغوث بالقول: "هذه هي أدوات الديموقراطية ولا خوف على حزب المؤتمر السوداني من أي انشقاق".