إذا تحدثت عن علاج الأمراض النفسية، في السودان، عقب اندلاع الحرب منتصف نيسان/أبريل الماضي، فإن ذلك يُعدّ "ترفًا" كون المستشفيات لا تعمل منذ ثمانية أشهر بخروج 80% منها عن الخدمة، حسب إحصائيات رسمية.
وتسيطر قوات الدعم السريع على أربعة ولايات في إقليم دارفور، منذ تشرين الأول/أكتوبر الماضي، عقب السيطرة على حاميات الجيش بينما تسيطر القوات المسلحة السودانية على الحامية العسكرية في مدينة الفاشر بولاية شمال دارفور.
في تشاد لا يمكن لعائلات، الأشخاص الذين يعانون من الأمراض النفسية، في مخيمات اللاجئيين السودانيين أن يتوجهوا إلى المراكز المتخصصة، لأنهم لا يملكون المال، وكان بحثهم الأساسي منصب على النجاة بحياتهم
ودفعت سيطرة قوات الدعم السريع على أربعة ولايات من جملة خمسة ولايات في إقليم دارفور مئات الآلاف من السكان إلى النزوح داخليًا أو اللجوء إلى دول تشاد وأفريقيا الوسطى وجنوب السودان.
ولم ترحم حرب السودان نحو 7.2 مليون شخص من المدنيين، وجدوا أنفسهم بين مطرقة نزوح مزدوج بسبب توسع رقعة الحرب وبين تدبير وضعهم الصحي والمعيشي ومع ذلك فإن حياة 18 مليون شخص في عموم البلاد أصبحت على المحك مع اشتداد المعاناة الإنسانية.
وفي الحرب التي استعرت في مدينة الجنينة بولاية غرب دارفور، لجأ نحو 600 ألف لاجئ من إقليم دارفور إلى دولة تشاد، حيث أقامت الوكالات الدولية مخيمات مؤقتة، لم يكن ممكنًا للمئات من الذين يعانون من الأمراض النفسية، العثور على عيادة نفسية واحدة في مخيمات تفتقر لمقومات الحياة.
وبينما نزح مئات الآلاف من السودانيين سيرًا على الأقدام من مدينة الجنينة الواقعة على مقربة من الحدود إلى دولة تشاد، شاهدوا مناظر صعبة، فمثلًا قال أحدهم إنه شاهد طفله يُقتل بالرصاص أو الضرب بالمطرقة من مقاتلين يصحيون "دعنا نقتله حتى لا يكبر ويقتلنا"، وفقًا لتحقيق نشرته وكالة رويترز للأنباء الشهر الماضي.
وسط أزمات كبيرة تواجه مئات الآلاف من اللاجئين السودانيين، في تشاد قامت عائلات الأشخاص الذين يعانون من أمراض نفسية، إلى "تقييد بعضهم بالحبال والجنزير".
وقالت عائلة أحد المصابين بالإضطرابات النفسية في مقابلة مع "الترا سودان"، من داخل مخيمات اللاجئين في تشاد إنهم نزحوا من مدينة نيالا بولاية جنوب دارفور، وكان شقيقهم مصابًا بالاضطرابات النفسية منذ العام 2004 على خلفية القتال الذي اندلع بين الحركات المسلحة والقوات الحكومية في ذلك الوقت، ولم يكن قادرًا على تحمل الصدمات. وتقول شقيقته، إن شقيقها "مريض نفسيًا ولا تملك العائلة قدرة على العلاج خاصة بعد حرب منتصف نيسان/أبريل التي قضت على كل الآمال".
وتضيف: "في بعض الأحيان يدخل شقيقي في نوبة عصبية لا ندري ماذا نفعل له هنا، لا يمكن تقديم علاج له، لا توجد مراكز للعلاج النفسي، لا نملك حلًا سوى انتظار انتهاء النوبة العصبية".
يبدو أن الحرب وضعت آلاف المواطنين في ولاية غرب دارفور، في حالة نفسية وصدمات قد تطول معهم، وعلى سبيل المثال توجد حالة مريض نفسي قادم من منطقة "أردي متا" بولاية غرب دارفور، وهي منطقة تعرضت إلى انتهاكات مريعة بواسطة قوات الدعم السريع والمليشيات المتحالفة معها، حسب تقارير الأمم المتحدة.
وتضطر عائلة هذا الشاب البالغ من العمر 34 عامًا، إلى مراقبته طوال الوقت، لأن عدم توفر العلاج يسبب انتكاسة له ويجعله في حالة في من "الهياج"، في المخيم الواقع في تشاد، وفي بعض الأحيان يستخدمون العلاج الشعبي لتهدئة الشاب.
وتقول شقيقته، إن الحروب والعنف ومشاهد القتل التي مرت أمامه هي التي جعلته "مضطربًا نفسيًا"، إلى جانب تعرضه إلى الضرب والتلف الذي أصاب عينه اليمنى.
وزارت منظمة أطباء بلا حدود المخيم الواقع في تشاد، لكنّ المتأثرون بالأمراض والذين يواجهون ظروف إنسانية بالغة التعقيد، يقولون إن المنظمة لم تقدم لهم أي شيء.
وفي بعض الأحيان تلعب الأقدار دورًا في تحسين حياة البعض هنا، إذ حصل شاب على حبوب مهدئة من الاضطرابات، عندما وصل إلى مخيم اللاجئين في تشاد من ولاية غرب دارفور، وهو يعاني من اضطرابات نفسية، حسب ما تقول شقيقته، التي وصل معها والعائلة إلى المخيم من مدينة بولاية جنوب دارفور هربًا من المعارك العسكرية بين الجيش والدعم السريع. مضيفةً: "تحسنت حالة شقيقي بعد أن حصل على حبوب مهدئة للاضطرابات النفسية، لقد عثرنا عليها بشق الأنفس".
بينما تكمن مأساة عائلة أخرى، وصلت من الجنينة بولاية غرب دارفور إلى المخيم في تشاد، بأن أفراد العائلة اضطروا للهرب من شاب يعاني من حالة نفسية حاول تطبيق مشاهد عنف التي عاشها، على عائلته.
وقبل اندلاع الحرب، كان هذا الشاب يحصل على جرعات منتظمة عن طريق بعض المعارف في مستشفى التجاني المحامي بالعاصمة الخرطوم، ولكن عقب حرب منتصف نيسان/أبريل الماضي والتي تستمر حتى اليوم توقف ذلك.
وبدأت مأساة هذه العائلة عقب الهجوم الذي شنته الميليشيات على مدينة الجنينة، إذ تعرض شقيق الشاب إلى طلق ناري، كما جرى إحراق المنزل لعائلة مكونة من سبعة أشخاص وتوفيت والدته وشقيقه الأكبر.
زارت منظمة أطباء بلا حدود المخيم الواقع في تشاد، لكنّ المتأثرون بالأمراض والذين يواجهون ظروف إنسانية بالغة التعقيد، يقولون إن المنظمة لم تقدم لهم أي شيء
وفي تشاد لا يمكن لعائلات، الأشخاص الذين يعانون من الأمراض النفسية، في مخيمات اللاجئيين السودانيين أن يتوجهوا إلى المراكز المتخصصة، لأنهم لا يملكون المال، وكان بحثهم الأساسي منصب على النجاة بحياتهم.
وكان نحو 600 ألف لاجئ سوداني، قد وصلوا إلى تشاد منذ حزيران/يونيو الماضي، عقب اشتداد المعارك العسكرية بين الجيش والدعم السريع في إقليم دارفور إلى جانب هجمات مليشيات موالية للدعم السريع، طبقًا للأمم المتحدة.