13-نوفمبر-2023
الفنان محمد الأمين

الفنان والموسيقار السوداني محمد الأمين

تدافع عشرات السودانيين إلى المستشفى في ولاية فيرجينيا بالولايات المتحدة الأمريكية لإلقاء نظرة الوداع على الفنان السوداني محمد الأمين حمد النيل الملقب بـ"الباشكاتب" لدى قطاع عريض من معجبي فنه الممتد منذ ستينات القرن الماضي.

في مقهى خلوي شرقي السودان كان "ود الأمين" يصدح عاليًا.. ترك أحد المهندسين الميدانيين عمله وقرر الجلوس لإكمال الاستماع إلى "زاد الشجون" لـ(14) دقيقة

ربما آخر ما كان يحتاج إليه السودانيون اليوم هو رحيل الفنان محمد الأمين في هذا الوقت الحرج من تاريخ بلادهم التي تشهد حربًا أخلت العاصمة الخرطوم من جميع مظاهر الحياة والفن والجمال، وحتى نظرة الوداع التي كانت ستخفف بعضًا من أوجاع الرحيل لن تتاح لمعجبيه نتيجة وفاته بالولايات المتحدة بعيدًا عن وطنه.

قال الصحفي عوض أبو غفران إن "ود الأمين" جمع بين الغابة والصحراء في أغنياته وفنه الذي امتد حقبًا متعددة. وأضاف قائلًا: "عبرت موسيقاه عن عمق هويتنا المختلطة في السودان"، لافتًا إلى أن الفنان محمد الأمين كان "امتدادًا لجيل الغابة والصحراء والعروبة والزنجية، ولن يتوقف السودانيون عن المداومة على أغنياته".

وعقب إعلان خبر وفاته طافت سيارة بمدينة "ود مدني"، نعاه متحدث عبر مكبر الصوت. كانت هذه الواقعة التي نقلها شهود عيان تلقائية ومعبرة عن مسيرة فنان قدم طوال عقود أكثر من (60) أغنية، بينها أغنيات وطنية.

https://t.me/ultrasudan

خلال سنواته الأخيرة، كان "ود الأمين" –كما يحلو للسودانيين تسميته– يحي الحفلات الغنائية في الأندية بالعاصمة الخرطوم، ولم ينقطع عن جمهوره. واحتفظ الفنان محمد الأمين بمواقفه السياسية المنحازة إلى الحكم المدني والتحول الديمقراطي.

يقول حمد الذي يقطن بحي الموردة في مدينة أم درمان لـ"الترا سودان" إن "السودانيين حزنوا على وفاة الفنان العملاق محمد الأمين، ونعته المدن والقرى كما لم تنعَ شخصًا من قبل". ويضيف: "لقد ظلت أغنياته تشكل وجدان السودانيين، إذا مررت بالمتاجر أو أصخت إلى دندنة المارة في الأسواق والشوارع فستلتقط أذناك أغنيات محمد الأمين".

لم تخلُ حفلة جماهيرية لمحمد الأمين من آلة العود الذي كان يلازمه ويدندن به، واشتهر بالعزف عليه بمهارة فائقة، مطابقًا "أوتارها" مع الأوركسترا التي كان يحرص على إكمال طاقمها، وإلا فإن الموسيقى ستكون ركيكة كما كان يقول.

الفنان محمد الأمين
لم يكن الفنان محمد الأمين يفارق عوده

لطالما غنى السودانيون برائعته "قلنا ما ممكن تسافر" في أحلك لحظاتهم عندما يقررون السفر، وداخل تلك الحافلات التي تحمل الناس إلى وجهات بعيدة كعادة سكان هذا البلد الذين في رحلة بحث دائمة عن العمل أو التواصل الاجتماعي.

يقول محمد إدريس وهو مهندس كان يعمل في مناطق خلوية شرقي السودان إنه توقف برهة عندما سمع أغنية محمد الأمين (زاد الشجون) في مقهى خلوي يديره قرويون بسطاء. "طلبت كوبًا من القهوة وجلست معهم ساعة كاملة من أجل هذه اللحظات التي لن أنساها" – يضيف هذا الشاب.

يقول إدريس: "عند الاستماع إلى محمد الأمين، أنت في العادة لا تقرر تشغيل الأغنية في الهاتف أو المذياع أو جهاز التسجيل أو التلفاز، يمكنك أن تسمع أغانيه في أي مكان دون عناء يذكر. الجميع يستمعون إلى أغنياته التي تأتي تلقائيًا، فلا يطلبها المستمع ولا يبحث عنها".

في السيارة التي كانت تشق طرقات مدينة "ود مدني" التي أنجبت العديد من الفنانين ممن ذاع صيتهم في السودان وحتى الدول المجاورة، مثل تشاد وجنوب السودان وإثيوبيا، وأبرزهم محمد الأمين، كان الناعي يردد الدعوات له بالرحمة، ثم تتحرك السيارة ويتوقف المارة وهم يشاهدون السيارة ويسمعون الصوت القادم ناعيًا محمد الأمين. تعبر هذه الواقعة عن مدى تجذر الأعمال التي قدمها الفنان الراحل وسط السودانيين.

عندما كان "ود الأمين" يعتلي المسرح أمام الآلاف من جمهوره في العاصمة الخرطوم أو حتى خارج السودان، لم يكن محمد الأمين –حسب ما يقول المهندس محمد إدريس– سوى ذلك الشخص الذي يحب أعماله قبل أن يحبها الآخرون، ولذلك كان يغني بوتيرة واحدة. "لم أسمع ولا مرة واحدة أن حفلًا من حفلاته لم ينجح" – يضيف إدريس.