27-مايو-2022
""

ما هي الصفات التي نقدِّرها أكثر من غيرها في شريك حياتنا؟ ما الذي يدفعنا لاختيار شركاء بهم عيوب شخصية واضحة؟ ما الذي يجبرنا على الارتباط بالكذابين أو المسيئين؟ ما الذي يجذبنا للنرجسيين والمتلاعبين والعنيفين وتكوين علاقات مؤذية معهم؟ لماذا على الرغم من معرفتنا أن الشريك غير مناسب لنا نواصل في منحه الفرصة تلو الأخرى ونتقبل الاعتذارات حتى ونحن نعلم أنها غير صادقة؟

الإجابة على هذه الأسئلة تكمن في تعريفنا الشخصي للحب وتعريفنا للعلاقات الصحية، وهو أمر نتعلمه في الطفولة المبكرة من خلال علاقتنا بمانحي الرعاية الأساسيين وهم الآباء والأمهات في أغلب الحالات.

تعامل الآباء مع أبنائهم في الأعوام الأولى هو اللبنة الأساسية في بناء مفهوم العلاقات لدى الطفل

إن تعامل الآباء مع أبنائهم في الأعوام الأولى هو اللبنة الأساسية في بناء مفهوم "العلاقات" لدى الطفل. وبحسب عالم النفس "John Bowlby"، يمكننا أن نصنف ارتباط الآباء بالأبناء إلى أربعة أشكال أساسية هي: الارتباط الآمن والارتباط القلق والارتباط التجنبي والارتباط غير المنتظم. كل نوع من هذه الارتباطات يقود إلى تصور مختلف عند الطفل عن العلاقات في الحياة فيما بعد.

تيليغرام

ولكن وقبل الغوص في تفاصيله؛ هذا التصنيف لا يعني بالطبع أننا محكومون في حياتنا للأبد بتربيتنا في فترة الطفولة، فكل إنسان يمتلك القدرة على أن ينضج وأن يتجاوز التربية التي نشأ عليها في الطفولة. كما يمكن أيضًا للتجارب والصدمات التي نتلقاها في مراحل متأخرة في الحياة -المراهقة والشباب وحتى الكهولة- أن تؤثر بصورة كبيرة على نظرتنا للواقع وعلى علاقتنا بمن حولنا.

واضعين هذا بالحسبان يمكننا أن نلقي نظرة على أنواع الارتباط العاطفي المذكورة أعلاه، وكيف يتكون مفهوم العلاقات لدينا في صغرنا؟

1. الارتباط الآمن

في حالة الارتباط الآمن، يكون للطفل والدان داعمان ومتوفران. في هذه الحال ينمو الطفل واثقًا بنفسه ومتزنًا، وتكون نظرته وأحكامه على العلاقات في المراحل اللاحقة في حياته نظرة صحية بأحكام لا تشوشها الاضطرابات الناتجة عن الارتباطات المشوهة. إن هذا الارتباط هو الارتباط المثالي، وهو ما يجب أن يطمح الآباء أن يكون هدفًا لهم أثناء تربية أبنائهم في فترة الطفولة.

2. الارتباط القلق

النوع الثاني من الارتباط هو الارتباط القلق، ويتسم هذا النوع من الارتباط بالتقلب، فيكون الوالدان متوفرين وداعمين حينًا، ومنفصلين عن الطفل وقاسيين في أحايين أخرى، وقد يكون هذا هو النمط الأكثر شيوعًا في مجتمعاتنا. ويكبر الأطفال في هذه الحالة معانين من عدم الثقة في النفس، ويطغى على علاقاتهم فيما بعد اليأس والتشبث.

عمومًا الارتباط القلق ينشأ بسبب التغيرات غير المبررة في التعامل مع الطفل، فالطفل عندما لا يفهم سبب التغير في المعاملة يميل إلى تحميل نفسه المسؤولية، فيظن أن عليه أن يبذل مجهودًا أكبر لإصلاح علاقاته، فيغلب عليه هذا الطبع بسبب الارتباط القلق بالأهل في طفولته.

3. الارتباط التجنبي

 وفي النوع الثالث -وكما يشير اسمه- يكون الآباء منفصلين عن الطفل طوال الوقت، بجانب كونهم انتقاديين وقساة في التعامل. ويتعلم الطفل هنا ألا يعبر عن مشاعره وأن يكون هادئًا ويبتعد من الناس، أما عندما يكبر فإنه لا يميل إلى تكوين علاقات جادة ذات معنى، وسيعاني لتكوين علاقات طويلة المدى.

4. الارتباط غير المنتظم

النوع الرابع والأخير وهو الارتباط غير المنتظم، ويتسم الآباء في هذا النوع بالفوضى وعدم الاستقرار، ويكونون متطرفين في تصرفاتهم ومشاعرهم، فهُم في لحظة مسيئين بشكل مخيف وعنيف، ثم يشعرون بالأسف بعدها فيصبحون حنونين ومعطائين بشكل مبالغ فيه.

الطفل في هذه الحالة يحب والديه ويخافهما في الوقت ذاته، ولكن في علاقاته في المستقبل، سيكشف عن نمط سلوك مماثل لما تعرض له في صغره، فقد ينفجر غاضبًا على الآخرين فقط ليشعر بالأسف حيال تصرفاته بعدها.

هذا التصنيف لا يعني بالطبع أننا محكومون بتربيتنا بصورة قاطعة

وأخيرًا؛ وعلى الرغم من أن الدراسة النظرية قادرة على تفسير السلوك البشري وعلى مساعدتنا في فهمنا لذواتنا وعلاقاتنا الأسرية والعاطفية، لكنها بالتأكيد ليست قاطعة ولا حتمية، فيمكن مثلًا لطفل نشأ مرتبطًا ارتباطًا آمنًا بوالديه، أن يتحول إلى القلق بسبب وفاة أحد الوالدين مثلًا أو طلاقهما، وغيرها من الأحداث التي قد تغير طبيعته التي نشأ عليها، كما أن الإنسان بطبعه يمتلك القدرة على تعديل سلوكه وتغيير العادات التي نشأ وتربى عليها.