20-سبتمبر-2018

انتشرت الحسابات الوهمية على مواقع التواصل الاجتماعي في السودان (رويترز)

رغم أن العالم أصبح قرية صغيرة بفضل التطور التقني والمعرفي، إلا أن هذه القرية محاطة بالغموض والمخاوف، ولا يكاد سكانها يعرفون بعضهم البعض في الحقيقة، وإنما هم غرباء لا تحكمهم معايير أخلاقية مشتركة بدرجةٍ كبيرة، ولا تتوفر بينهم الثقة رغم المعاشرة، وإذا توفرت، فربما نجم عنها ضحايا.

ظهرت في السودان حسابات على فيسبوك لشخصيات وهمية، احتالت على الناس عاطفيًا لجمع المال والأسرار

وقد أفرزت هذه الموجة التقنية على الإنترنت جملة من المخاطر المتمثلة في "التهكير" والقرصنة الإلكترونية، كما اشتهرت بطريقة مزعجة الحسابات الموزرة والشخصيات الوهمية كثيفة الحضور والتأثير. 

وهنا في السودان، لم يكن الوضع استثناءً، إذ غزت تلك الحسابات المزورة والشخصيات الوهمية، مواقع التواصل الاجتماعي، وحظيت بمتابعة واهتمام كبيرين، لكن لغز "سارة رحمة" و"مستر حنظلة" تحديداً، كان الأكثر تداولاً وحضوراً في الأسابيع الأخيرة، فما هي قصتهما بالضبط، وكيف تعامل معها رواد السوشيال ميديا؟

أبطال "التايم لاين" السوداني

سارة رحمة وحنظلة هما أبطال "التايم لاين" السوداني هذه الأيام، وكلاهما، شخصيات وهمية، نجح مختلقوهما بجدارة، كل على حِدة، في رسم الأبعاد التاريخية والتكوين النفسي والثقافي لهاتين الشخصيتين الافتراضيتين اللتين تفاعلتا مع الآخرين باعتبارهما حقيقيتين. ومن ثمّ، وفي لحظة محددة، أُنهيت حياتهما بصورة مأساوية! 

"مستر حنظلة"، ذلك الفتى الوسيم الذي خطف قلوب السودانيات، ظهر وعلى نحوِ مفاجئ بفيسبوك، واستطاع في فترة وجيزة، أن يستميل آلاف السودانيين، ويضمن متابعتهم له، فبدأت قصة حنظلة أو محمد المهندس السوداني، عندما كتب على صفحته أنه مصاب بالسرطان، ويعتزم إجراء عملية جراحية في القاهرة، وأنه خائف بالفعل، ويطلب الدعاء من الجميع، وأكثر ما يخشى على والدته وشقيقته في حال حدث له مكروه، لأنه الوحيد الذي يعولهما بعد وفاة والده. بُعيد ذلك، كان الجميع يتساءل عمّا جرى له وسط قلق شديد، ووجد المنشور الذي كتبه حنظلة السوداني تفاعلًا تاريخيًا.

لم تنته القصة هنا، وإنما ظهرت فتاة على صفحته بعد أيام، زعمت أنها خطيبته، ونقلت خبر موته، مصحوباً بوصيته الأخيرة المتمثلة في مشروع خيري وإنساني، يكون بمثابة صدقة جارية، وهذا ما يبدو الهدف الذي اختلقت من أجله شخصية "مستر حنظلة"، حيث نجحت الجهة التي توارت خلفه في جمع واستقطاب ملايين الجنيهات، قبل أن يكتشف رواد مواقع التواصل الاجتماعي، أنهم تعرضوا للاحتيال، وأنه ليس ثمة شخص بهذا الاسم في الواقع، وكانت صورة البروفايل لمصور مصري شاب تم توظيفها كفخ للإيقاع بالضحايا!

رسائل فضائحية

أما سارة رحمة، فلا تزال تداعيات حكايتها تثير حالة من الجدل وسط الناشطين السودانيين، فقد ظهرت قبل أعوام قليلة، قبل أن ينكشف أمرها منذ أيام قليلة. ونجحت في عقد صداقات مع معارضين ومشاهير، واستحوذت على أسرارهم. وهي شخصية لفتاة مثقفة ومرحة، مبذولة للآخرين، تعتني بهم وتداوي جراحهم، علاوة على أنها تعمل في الأمم المتحدة، هكذا خُلقت الشخصية الوهمية.

لكن أحداً لم يرَ سارة أبدًا، ومع ذلك وقع خبر مرضها بالسرطان، ومن ثم إعلان وفاتها ودفنها في أثيوبيا، كالصاقعة على قلوب أصدقائها الافتراضيين ومعارفها، لتبدأ موجة أخرى بتداول رسائل فضائحية بين سارة رحمة وعدد كبير من الناشطين، وتسبب هذا في صدمة جديدة، وكان دافعاً للبحث عن حقيقة هذه الشخصية. 

وتطوع بعض الصحفيين بمراسلة بعثات الأمم المتحدة للتأكد منها، وكانت المفاجأة، بأنه لا توجد فتاة بهذا الاسم تعمل في الأمم المتحدة، وكانت الصورة التي انطبعت في الأذهان لفنانة إريترية مغمورة.

المثير في الأمر أن مختلق شخصية سارة، هو الفنان علاء الدين السنهوري، عضوء كورال الحزب الشيوعي. وقد نجح في توظيف الفتاة الافتراضية في دعم مشروعه الفني. 

وبعد شكوك وضغوطات شديدة، اضطر علاء السنهوري للاعتراف، وكتب على صفحته قائلاً: "عموم الناس في فيسبوك، أصدقائي ومعارفي، أسرتي الصغيرة والكبيرة، بعترف أني غلطان، ومافي شيء يبرر ما حصل"، لكن ذلك الاعتذار لم يكن كافياً، على ما يبدو، حيث اتهمه البعض بأنه شخص غير سوي، وتلاعب بمشاعرهم وأفقدهم الثقة في الناس عموماً، وأهدر أوقاتاً غالية من حياتهم.

ولسبع سنوات، استطاع مختلق شخصية سارة، علاء السنهوري، أن يجمع معلومات خطيرة وبيانات سرية لآلاف النشطاء. ولا أحد يعرف مصير تلك المعلومات ومكانها بالضبط، مع تنامي الشكوك في أن أطرافًا مخابراتية ربما تقف وراء السنهوري، هي التي دفعته لاختلاق شخصية سارة.

حيل الكتائب الإلكترونية

ما بين مدح "عبقرية" السنهوري في خلق شخصية نموذجية مثل سارة رحمة، يحتاج الناس لها بالفعل في حياتهم، وبذر الشكوك في كثير من الشخصيات السيبرانية التي لعبت دوراً كبيراً ومؤثراً في الفضاء العام؛ خرجت مبادرة لاختبار الحسابات الوهمية، الأصدقاء والمدونيين، والتأكد من حقيقتهم كفاحاً. 

يأتي ذلك في وقت لم تتوقف فيه الشكوك بأن السلطات الأمنية لديها شخصيات وهمية وحسابات مزورة نجحت عبرها بالفعل في اختراق صفوف المعارضين والناشطين سياسياً، كما حدث مع عماد أبو شيبة، الذي اشتهر كمعارض للنظام السوداني من خلال فيسبوك إبان تظاهرات عام 2013، وقد اشتبه في أنه أوقع بعدد من الناشطين في يد السلطات الأمنية، قبل أن تحاصره الشكوك والاتهمات ليختفي بعدها نهائياً.

دوافع النرجسية الأدبية

بناء الأسماء الحركية أيضاً، والكتابة بها، أغرى الروائي السوداني هشام آدم، للاعتراف بأنه اختلق شخصيةً من بنات أفكاره، وأسماها "وفاء الجاسم". وقال هشام في تدوينة على صفحته بفيسبوك: "رغم أن وفاء الجاسم لم تتقاطع مع أحد بشكل، ولم تقم بعقد صداقات مع أيٍ من الجنسين؛ إلا أنني استخدمتها في ذلك الوقت، للترويج لنفسي".

في 2013 ظهرت على فيسبوك شخصية وهمية لناشط سياسي، اشتُبه في أنه أوقع بعدد من النشطاء السودانيين في يد السلطات الأمنية

وقال هشام بأنه تشارك مع علاء السنهوري نفس الدوافع النرجسية، وهي "الترويج للذات، ومحاولات لفت الانتباه لأعمالنا". وكادت تلك الرغبة النرجسية، أن تدمر مستقبل هشام آدم الأدبي تمامًا، وكان اعتذاره وقتها بمثابة انتحار أدبي، وهو اليوم يعبر عن خشية بأن تدمر الأحداث الحالية مستقبل علاء السنهوري الفني، مشيراً إلى تفهمه الأضرار النفسيَّة التي وقعت على أولئك الذين تعلَّقوا بسارة رحمة وجدانيًا، وظنوا أنَّهم يقيمون علاقة إنسانية معها.

 

اقرأ/ي أيضًا:

حملة تويتر لحذف الحسابات الوهمية.. "الذباب الإلكتروني" في خطر!

على منصات مواقع التواصل الاجتماعي: حياتي للبيع!