03-أكتوبر-2019

عززت ثورة السودانيين مشاعر الإخاء والتضامن بينهم (الجزيرة)

أجبر الشعب السوداني نظام السيسي على إطلاق سراح وليد عبد الرحمن؛ الطالب السوداني الذي تعرض للاعتقال ثم أجبر بواسطة أجهزة أمن الديكتاتور على تسجيل اعتراف تحت التعذيب بث في أحد القنوات التلفزيونية المصرية، يقر فيه بمشاركته في المظاهرات التي دعا إليها المقاول والفنان المصري المنشق محمد علي، لإسقاط نظام السيسي. بمعايير الإنسانية المعاصرة لا يعتبر إطلاق سراح متهم بالتظاهر خبراً أصلاً، بل الغريب هو خبر اعتقاله ابتداءً. لكن في مثل عالم السيسي، الذي تحتفظ سجونه بعشرات الآلاف من المصريين المحرومين من أبسط حقوقهم، عالم الحبس الاحتياطي الممتد بلا نهاية سوى الموت، والمراقبة اليومية في أقسام الشرطة وأحكام الإعدام القياسية، يعتبر مجرد نجاح حملة ضغط كهذه حدثاً استثنائياً يستحق التوقف عنده والتفكير ملياً في كل أبعاده، فعندما يكون الظلم قاعدة يصير العدل استثناءً وشذوذاً ملفتاً.

استنقذ السودانيون فتاهم وليد عبد الرحمن من سجن الدكتاتور المصري، عنوة واقتدارًا، بالقوة التي آلت إليهم بعد تحررهم من أسر الدكتاتور المخلوع

الطالب السوداني وليد عبد الرحمن كان من شباب الثورة قبل سقوط المخلوع، ثم شارك بقوة في اعتصام القيادة العامة وكان من شباب الاعتصام النشطين للغاية، شهد مجزرة فض الاعتصام ونجا منها. لكن وليد عبد الرحمن وجيله من شباب الثورة ربما لم يسمعوا بمجزرة أخرى تعرض لها السودانيون في القاهرة في الأيام الأخيرة من العام 2005. في تلك الأيام اعتصم المئات من اللاجئين السودانيين بميدان مصطفى محمود، في منطقة المهندسين بالقاهرة للضغط على مفوضية الأمم المتحدة للاجئين، لحثها الإسراع في تصويب أوضاعهم بمصر أو إعادة توطينهم في دولة أخرى، وإنهاء وضعيتهم المأزقية في مصر. دام اعتصام اللاجئين ثلاثة أشهر قبل أن تنقض عليهم قوات الأمن المصري بعنف مفرط، راح ضحيته حسب الأرقام الرسمية المصرية 25 مواطناً سودانياً، بينما تتحدث المنظمات الحقوقية المصرية عن بضعة وخمسين قتيلاً، وأشارت مصادر سودانية معارضة لسقوط أكثر من مئة قتيل. كالعادة تم إلقاء اللوم على الضحايا من قبل الحكومة المصرية، التي وجهت للمعتصمين نفس التهم المكررة التي وجهتها السلطات للمعتصمين في ميدان "رابعة" وفي اعتصام القيادة العامة بالخرطوم. دائماً ما كان يُتهم المعتصمون بتعطيل الحياة العامة والسلوكيات المنافية للأخلاق، والعنف. وفي حالة ضحايا مجزرة ميدان مصطفى محمود، كانت هناك تهمة نقل فيروس ومرض الإيدز، وهي إشارة عنصرية بالغة اللؤم والخسة. تمت المجزرة بمباركة وتأييد بل وتشاور وتبادل معلومات، مع حكومة المخلوع البشير، التي ألقت اللوم على الضحايا وأكدت على حق مصر في "حفظ هيبة الدولة".

اقرأ/ي أيضًا: "#انقذو_وليد".. احتجاج إلكتروني وفي الشارع على اعتقال طالب سوداني في مصر

الآن عندما يعود وليد عبد الرحمن إلى وطنه صباح الخميس 3 أكتوبر، ويجد أبناء شعبه في انتظاره سيعرف هو وسيعرفون هم، أن ما اختاروه وقاتلوا لأجله يستحق كل ما قُدم في سبيله من تضحيات. سيعرف وليد عبد الرحمن وسيعرف السودانيون أن الديمقراطية، وحكومة الشعب ودولة الحقوق والحريات العامة، هي وحدها من يصون كرامتهم وحريتهم. فلكي تنجو من توحش أنظمة كنظام السيسي لا تحتاج أن تكون أمريكياً ولا أوروبياً أو من دولة تمتلك ترسانة نووية، بل تحتاج أن تكون من دولة اختار شعبها من يحكمونه، دولة يستطيع فيها المواطنون أن يحتجوا وأن يتجمعوا ويتظاهروا ويضغطوا على حكومتهم، دولة تجد فيها الحكومات نفسها مجبرة على الإصغاء لصرخات الشعب.

ما دامت روح التضامن والإخاء والثقة بالنفس وبالقدرة على التغيير باقية، فإن حياة وحرية وكرامة السودانيين، ستصبح يوماً بعد يوم أكثر حصانة من أكف الظالمين

أراد نظام السيسي من اعتقال وليد عبد الرحمن، وبضعة أشخاص من جنسيات أخرى غير مصرية (الأردن وفلسطين وتركيا وغيرها) أن يكرر ذات ما شكا منه الشاعر الفلسطيني الكبير مريد البرغوثي في كتابه "رأيت رام الله" عن كيف أن الفلسطيني في مصر أيام كامب ديفيد والرفض الشعبي لها، دائماً ما يكون الهدف الأول لأمن الطاغية، حيث هو المخرب وهو المندس. مطاردة الفلسطينيين في مصر السادات واعتقال وليد في مصر السيسي، أحداث تلقي الضوء على آلية من آليات النظم الشمولية في السيطرة على الشعوب، وهي إثارة الكراهية والعصبيات والهاء الشعوب بعداوات مجانية مثل ما حدث بعد مباريات مصر والجزائر الشهيرة في السودان. في سودان ما بعد الثورة هزم السودانيون بأنفسهم كل دعوة للكراهية والعداء المجاني للشعب المصري أو المصريين بالسودان، وعرفوا أن معركتهم ليست مع الشعب المصري، المسجون هو نفسه في بلد تحولت لسجن كبير في نظام السيسي. هذا الإدراك على بداهته وبساطته كان يصعب كثيراً الوصول إليه بواسطة الجماهير المحكومة بالاستبداد، الهائجة المُهيجة دائماً بواسطة أنظمتها التي تملي على الشعوب من يجب أن تحب ومن يجب أن تكره وتقاطع، بل وتفرض عليها أن تحب وتقبل من تكره، كما في موجة التطبيع الرسمية الواسعة مع إسرائيل حالياً.

استنقذ السودانيون فتاهم وليد عبد الرحمن من سجن الدكتاتور المصري، عنوة واقتدارًا، بالقوة التي آلت إليهم بعد تحررهم من أسر الدكتاتور المخلوع الذي أذلهم وتواطأ مع كل ظالم ضدهم، وهزموا السيسي وإعلامه المضلل وقضاءه الشائه ودولته البوليسية، لم يعد المواطن السوداني هدفاً سهلاً لكل منتهك وظالم محلي أو أجنبي. وما دامت روح التضامن والإخاء والثقة بالنفس وبالقدرة على التغيير والتأثير، التي حررت وليد من سجان العصر باقية، فإن حياة وحرية وكرامة السودانيين، ستصبح يوماً بعد يوم أكثر حصانة من أكف الظالمين.

 

 

اقرأ/ي أيضًا: 

اعتقال أجانب في مصر من بينهم أردنيان بتهم "الشمّاعة"!

مليونية الدولة المدنية.. قطار الثورة السودانية يشق طريقه الوعر