20-ديسمبر-2020

من احتجاجات الذكرى الثانية للثورة السودانية (Getty)

تزامنًا مع الذكرى الثانية لثورة كانون الأول/ديسمبر 2018، خرجت العديد من المواكب في مدن السودان المختلفة، وفي العاصمة الخرطوم بشكل أكثر، بأسباب عديدة، ومبررات مختلفة. ووصلت حتى محيط القصر الجمهوري، وأمام المجلس التشريعي الانتقالي "البرلمان"، حيث اعتصم المحتجون فيهما لساعات قبل أنْ ينفضوا لوحدهم من المكان الأول، وتفضهم السلطات بالقوة في المكان الثاني. لكن بجانب ذلك حوى اليوم العديد من الغرائب، فما هي؟

غرائب مواكب التاسع عشر من كانون الأول/ديسمبر، بدأت منذ الدعوات إليها

غرائب مواكب التاسع عشر من كانون الأول/ديسمبر، بدأت منذ الدعوات إليها. فقد كان في السابق أنْ تتفق كل أو غالب قوى الحرية والتغيير على المواكب، بمبرراتٍ قريبة لبعضها البعض، أو متفقة كليًا. وكذا المكونات الأخرى المحسوبة على الثورة: تجمع المهنيين، ولجان المقاومة، ولجان أسر الشهداء. لكن في مواكب الأمس، أعلنت العديد من القوى السياسية المنضوية تحت لافتة الحرية والتغيير، وبشكلٍ واضح رفضها للمواكب ودعمها بالمقابل للحكومة الانتقالية وسياساتها.

اقرأ/ي أيضًا: الشرطة تحرر أجنبيات من شبكة للاتجار بالبشر في الخرطوم

وسار على ذات المنوال الرافض للمواكب، الحركات المسلحة الموقّعة على اتفاق السلام. في الوقت الذي لوّح بعضهم –مني أركو مناوي على سبيل المثال- حال إصرار القوى الداعمة لمواكب التاسع عشر من كانون الأول/ديسمبر، على اعتبار أنّ ذلك مزايدة جماهيرية منها، أنْ تدعو هي الأخرى جماهيرها التي تدعمها للخروج، وسيرى بالمقابل من صاحب الغلبة الجماهيرية.

من الغرائب الصغيرة أيضًا، نشاط عدد من المحسوبين على النظام السابق، في الدعوة للخروج في المواكب، وإنْ لم يُوافقوا على اختيار أنّ اليوم يُوافق الذكرى الثانية للثورة السودانية، وإنّما هي يومٌ يُوافق إعلان السودانيين للاستقلال من داخل البرلمان في العام 1955. وظهر في أكثر من مكان صورًا لبعضهم يتقدمون بعض المواكب، أو التحريض على حساباتهم الشخصية على وسائل التواصل الاجتماعي، والتقليل من المواكب والاحتجاجات، أو السخرية من خلافات أحزاب الحرية والتغيير التي أسقطت نظامهم في نيسان/أبريل 2019.

هذه الدعوات وصلت إلى ضرورة إسقاط الحكومة الانتقالية، لكونها لم تُحقّق للسودانيين مطالبهم التي خرجوا لأجلها. بل إنّ هؤلاء المحسوبون على النظام السابق، إلى جانب أحزاب إسلامية متفرقة، وصل بهم الأمر حد مغازلة الجيش لاستلام السلطة.

غريبة أخرى، أنّ رئيس الوزراء، د. عبد الله حمدوك، في ذات اليوم الذي خرجتْ فيه الجماهير بالمواكب، سافر إلى دولة جيبوتي، لحضور قمة الإيغاد الاستثنائية، التي تُناقش الأوضاع في الإقليم، على خلفية الأحداث التي تشهدها الجارة إثيوبيا.

سافر د. عبد الله حمدوك إلى جيبوتي، تاركًا خلفه المواكب، منها ما هو داعم للحكومة الانتقالية، ومحتفلٌ بالذكرى الثانية للثورة، ومنها ما هو خارج عليها بعددٍ من المطالب، أبرزها رفض تشكيل مجلس شركاء الفترة الانتقالية، والإسراع في تشكيل المجلس التشريعي الانتقالي.

اقرأ/ي أيضًا: تحديات الميناء الجنوبي.. أزمات متشعبة وآفاق مسدودة

الغريبة التي بعدها، هي حرق البعض لقماشة عليها اسم وشعار الحزب الشيوعي السوداني، اعتراضًا منهم على سياسات الحزب. وهي غريبةٌ خارجة عن السياق بشكلٍ مبدئي؛ لأنّ أكبر الداعمين لمواكب الذكرى الثانية للثورة الرافضة للعديد من سياسات الحكومة الانتقالية، هو الحزب الشيوعي نفسه، وبالتالي بدا غريبًا أنْ يُحرق علمه في المواكب التي دعا إليها.

صرح قيادي بالحزب الشيوعي بأنهم ستخذون إجراءات قانونية تجاه الذين أحرقوا علم الحزب في مواكب الذكرى الثانية للثورة

ما تلى هذه الحادثة، يُصنّف أيضًا من غرائب مواكب التاسع عشر من كانون الأول/ديسمبر 2020، فقد صرّح قياديان من الحزب الشيوعي السوداني تصريحين ينتميان إلى ذات هذه الغرائب: الأول كمال كرار، والذي أشار بحسب صحيفة "سودان مورنيغ" الإلكترونية، إلى أنّ المكوّن العسكري وفلول النظام البائد وراء حرق علم الحزب الشيوعي في المواكب.

في المقابل، أفادت القيادية بالحزب الشيوعي آمال الزين، بحسب صحيفة "سكاي سودان" الإلكترونية، بأنّ فيديو حرق علم الحزب الشيوعي ليس جديدًا، وأنّ الفيديو قديم. فيما دعت الجميع إلى التحقق قبل النشر. واصفةً نشر الفيديو في هذا التوقيت بالمحاولة اليائسة من القوى المضادة للثورة، ومجلس شركاء الفترة الانتقالية، الذي وصفته بـ"المرفوض"، للفصل بين الحزب الشيوعي والجماهير. وفي ذات الوقت، يُصرّح القيادي بالحزب الشيوعي، صالح محمود، بحسب صحيفة السوداني، بأنّهم في الحزب سيتخذون إجراءات قانونية تجاه الذين أحرقوا علم الحزب في مواكب الذكرى الثانية للثورة، واعتبره سلوكًا غير مقبول.

غرائب أخرى، وإنْ بدتْ متناثرة، لكنها تنضاف إلى قوائم الغرابة في مواكب البارحة، وهي أنّ المطالب ليست موحدة، وليس هناك جهةٌ واحدة تقف على رأس المطالبين، وإنما جملة جهات، بجملة مطالب ومواقف. ينقسمون إلى قسمين: الأول داعمٌ للحكومة الانتقالية، لكن يرى ضرورة اتخاذ خطوات يجب أنْ تقوم بها الحكومة الانتقالية. والقسم الثاني، لا يرى أية فائدة من بقاء الحكومة، وإنما يدعو بشكلٍ مباشرٍ إلى إسقاطها.

اقرأ/ي أيضًا: الشرطة تُنهي اعتصامًا للاجئين من أمام مكاتب المفوضية بالخرطوم

من الصور الغريبة أيضًا في هذه المواكب، عدم تعامل السلطات الأمنية بكل فصائلها بعنفها وبطشها المعتاد، مع كلا الخارجين لدعم الحكومة الانتقالية، والمحتفلين بالذكرى الثانية لثورة ديسمبر، أو الذين خرجوا بمطلبٍ واحد هو إسقاطها. حدث هذا منذ خروج أول المواكب، في الواحدة ظهرًا، وحتى تجمع البعض للاعتصام أمام المجلس التشريعي "البرلمان". لكن في ساعات متأخرة من ليل السبت، تعاملتْ معهم السلطات الأمنية بالقوة، حيث فرّقتْ تجمعهم، ونتج عن ذلك بعض الإصابات، أبرزها فقدان أحد المحتجين الشباب ليده، بسبب قنبلةٍ صوتية.

لولا هذه الحادثة، لانكتبتْ هذه الصورة من غرائبيات المواكب الاحتجاجية في السودان في عقوده الأخيرة

ولولا هذه الحادثة، لانكتبتْ هذه الصورة من غرائبيات المواكب الاحتجاجية في السودان في عقوده الأخيرة، حيث ظلّت السلطات الأمنية تتعامل بعنف مفرط مع المحتجين، حتى بعد سقوط نظام الإنقاذ، وفي ظل عهد الحكومة الانتقالية، حيث شهدتْ مدينة الجريف شرق، في تشرين الأول/أكتوبر الماضي، مواكب بالتزامن مع ذكرى ثورة 1964، وراح ضحيتها أحد الشباب، ما نتج عنه مستقبلًا اعتصام وإغلاق للجسر الرابط بين الجريف شرق والمنشية.

اقرأ/ي أيضًا

لجنة التفكيك.. هل تخضع إجراءاتها للاحترافية القانونية؟

إضراب عمال ميناء بورتسودان وأزمة مع وزارة البنى التحتية والنقل