في الثامن من شباط/فبراير من عام 1965 حطت طائرة الملكة إليزابيث في الخرطوم، بعد نحو تسع سنوات على استقلال السودان من التاج البريطاني، ونحو (67) عامًا على مذبحة كرري التي خاضتها قوات المهدية السودانية ضد القوات البريطانية المسنودة بقوات مصرية، وقتل فيها نحو (18) ألف من أنصار المهدي بسلاح المكسيم.
قضت الملكة إليزابيث يومها الأول في السودان في سباق الخيل بالخرطوم ومن بعدها سافرت إلى "الدمازين" لزيارة موقع خزان "الروصيرص"
عندما تولت الملكة العرش البريطاني كان العلم البريطاني لا يزال يرفرف على الكثير من المستعمرات في مختلف أنحاء العالم، ومن بينها السودان الذي لم يكن قد حقق استقلاله بعد، وحصل عليه بعد أربع سنوات من جلوسها على العرش. وجاءت زيارتها إلى السودان عقب الاستقلال ضمن النسق الكولونيالي الذي حافظت عليه الملكة.
كانت الخرطوم وقت وصول الملكة تمر بأيام مليئة بالتوتر السياسي ولكن مع ذلك وعلى الرغم من تاريخ بريطانيا الدموي في السودان، احتفى السودانيون بالملكة إليزابيث وامتلأت الشوارع بالحشود التي تجمعت للترحيب بملكة بريطانيا، وحيثما ذهبت رُحب بها بالعروض التقليدية وهللوا لها بكلمة "أبشر" السودانية الشهيرة.
ومع التناقض الفج الذي يبدو من الوهلة الأولى في طريقة استقبال ملكة بريطانيا في السودان، لكن ربما تفسّره عادات السودانيين الاجتماعية الراسخة وحرصهم الكبير على الترحيب بالضيف -أي ضيف- واستعداداهم للتغاضي عن كل شيء في سبيل إكرام ضيوفهم.
قضت الملكة يومها الأول في سباق الخيل بالخرطوم ومن بعدها سافرت إلى "الدمازين" لزيارة موقع خزان "الروصيرص"، كما زارت عدة مواقع بمشروع الجزيرة في مدني الذى أسس من قبل الحكومة البريطانية في عهد الاستعمار.
وتجولت الملكة إليزابيث في الخرطوم برفقة الدكتور التجاني الماحي رئيس مجلس السيادة في حكومة ثورة أكتوبر 1964 التي لم يكن قد مضى عليها سوى بضعة أشهر عند زيارة الملكة، ففي 21 أكتوبر 1964 كان السودانيون قد أطاحوا بثورة شعبية بحكم الفريق إبراهيم عبود.
وخلال زيارتها عام 1965، دُعيت الملكة إليزابيث إلى حضور حفل شاي نظمته المجالس المحلية بالخرطوم في حديقة بمدينة أم درمان، حيث ألقت كلمة شكر للشعب السوداني. وقالت: "هذه الزيارة أظهرت لي مدى واقعية التعاطف والتفاهم بين البلدين".
ومن ضمن طقوس حسن الوفادة قدمت باقات الزهور والورود للملكة إليزابيث الثانية لدى زيارتها إلى السودان.
كما زارت الملكة إليزابيث الثانية كلية الفنون الجميلة والتطبيقية، واستقبلها البروفيسور بسطاوي بغدادي عميد الكلية آنذاك بمباني الكلية بمعهد الخرطوم الفني.
وزارت الملكة إليزابيث المدارس أيضًا خلال زيارتها إلى السودان.
ويُذكر أن العديد من الرؤساء السودانيين طالبوها في فترات مختلفة بالاعتذار على مذبحة كرري التي حدثت في السودان في أيلول/سبتمبر 1898. وكان قوام القوات المهدية (60) ألف جندي، واستخدمت قوات القائد البريطاني "كتشنر" سلاح المكسيم لحصد أرواح مقاتلي المهدية وهو السلاح المحرم استخدامه في الحروب الأوروبية، ويُقال إنه تم تجريبه في معركة كرري. ولكن إليزابيث لم تولي هذه المطالبات أي اهتمام.
وسبق أن طالب الراحل محمد داوود الخليفة (حفيد الخليفة عبدالله التعايشي حاكم السودان وقائد جيوش المهدية) السودانيين بضرورة العمل على رد اعتبار السودانيين والقصاص لما حدث في كرري وذلك عبر تجريم بريطانيا ودفعها إلى الاعتذار عن ذلك.
سبق أن طالب حفيد الخليفة التعايشي السودانيين بضرورة العمل على رد الاعتبار والقصاص لما حدث في كرري
وبوفاة الملكة إليزابيث ألكسندر ماري، أمس الخميس، عن عمر (96) عامًا، اسدل الستار على حقبة هي الأطول في تاريخ بريطانيا، بعد تخطيها فترة الستة عقود التي حكمت فيها جدة جدها الملكة فكتوريا البلاد.