بعد مرور شهر على بداية نزاع مسلح بين الجيش والدعم السريع، كان بعض السودانيين يعتقدون أنه قد يتوقف قريبًا، لكن اليوم أخذ القتال يتجه نحو المزيد من ترويع المدنيين، ووقوع عنف جنسي بحق بعض السيدات بالخرطوم من قبل ميليشيات الدعم السريع، وانتشار أعمال اللصوصية والنهب.
اندلع النزاع المسلح بين الجيش والدعم السريع في 15 نيسان/ أبريل 2023
واندلع النزاع المسلح بين الجيش والدعم السريع في 15 نيسان/ أبريل 2023، خاصة في العاصمة السودانية مركز القتال الرئيسي حول مواقع إستراتيجية يعتقد الطرفان أنهما يجب أن يسيطرا عليها سريعًا لتغيير المعادلة على الأرض، خاصة في "غرف التفاوض " التي بدأت بشكل حذر في مدينة جدة بالمملكة العربية السعودية.
بنظرة على الأوضاع قد يكون الموقف الميداني في صالح الجيش فيما يتعلق بالسيطرة على مراكز العسكرية الإستراتيجية في قلب الخرطوم، حيث مباني القيادة العامة إلى جانب المنطقة العسكرية المركزية ومقر "بيت الضيافة"، وهو مسكن قائد الجيش الفريق أول ركن عبدالفتاح البرهان.
وتعتمد قوات الجنرال حميدتي على قصف هذه المواقع عبر المدافع بعيدة المدى والتمركز في مرافق صحية بحسب متحدث الجيش، وهذه النقطة انتقلت إلى "طاولة التفاوض" كمطلب أساسي للجيش بالإخلاء الفوري لهذه القوات، مقابل ذلك يضع مفاوضو الدعم السريع مجموعة من الشروط لتنفيذ هذا الطلب.
وبعد شهر من القتال الدامي، لا يمكن القول إن طرفًا يسيطر على مناطق واسعة قد تجعله يعلن سيطرته السياسية في ذات الوقت، باستثناء سيطرة الجيش على وزارة الدفاع والقيادة العامة وهيئة الأركان كمقار عسكرية رئيسية تدار منها المعارك الحربية بواسطة جنرالات الجيش، علاوة على أن القوات المسلحة تتولى زمام الأمور في أكثر من (12) ولاية سودانية بما في ذلك الميناء الرئيسي شرقي البلاد، ومطار بورتسودان ومروي في شمال السودان.
بينما تعتمد قوات الدعم السريع على الانتشار في الأحياء المأهولة بالمدنيين والشوارع الرئيسية شرق العاصمة وجنوبها، وشمالًا في الخرطوم بحري، إلى جانب مصفاة النفط في منطقة الجيلي ومنطقة قري التي تضم نقاط جمركية وأكبر محطة حرارية لتوليد الكهرباء في السودان.
بينما يقلل جنرالات الجيش من استحواذ قوات حميدتي على هذه المواقع، ويعتقدون بأن ذلك بلا تأثير على مجمل الأوضاع العسكرية، خاصة وأن هناك عدم قدرة على التواصل والحصول على الإمداد لهذه القوات المتهمة بالنهب والسطو على العديد من البنوك ومقار الشركات والمتاجر.
يقول الخبير الإستراتيجي عماد عبدالرحمن في حديث لـ"الترا سودان"، إن النزاع المسلح بين الجيش والدعم السريع لم يصل مرحلة توصيفه بالحرب لأنه يدور في مدن محددة، وتنحصر ما المناوشات بالأسلحة الخفيفة والمتوسطة والقصف الجوي من قبل القوات المسلحة.
وقال عبدالرحمن إن طول أمد الصراع المسلح هو الذي قد يحدد ما إذا كان سينتقل إلى مرحلة الحرب، وقبل ذلك أي حينما يتم "تدويل الصراع"، إما بإذكاء الصراع أو محاصرته وإيقاف النزاع المسلح، وحتى الآن الأخير هو المرجح والسائد.
ويقول عبدالرحمن إن النزاع الحالي يواجه سيناريوهات متعددة، وقد يتوسع إلى حرب شاملة، أو اتفاق بضغوط أمريكية سعودية، وقد يكون "اتفاقًا هشًا" بسبب عدم توفر الثقة بين الجانبين.
كما ينبه هذا الباحث إلى خطورة "انخفاض الصوت المدني" وانغماس القوى المدنية في انقسامات سياسية حتى في موقفها من النزاع، والبقاء في خانة "أي طرف أناصر؟" بدلًا من تبني دعوات جادة لوقف الحرب".
وكان عضو مجلس السيادة والقائد العملياتي في الجيش السوداني الفريق ركن ياسر العطا قد أكد في مقابلة مع صحيفة الشرق الأوسط، نهاية الأسبوع الماضي، أن القوات المسلحة قادرة على حسم القتال لصالحها واستعادة الحياة العامة وتشكيل حكومة مدنية.
بالمقابل أعلن الجنرال وقائد قوات الدعم السريع الفريق أول محمد حمدان دقلو، أن قوات تسيطر على الأوضاع، موجهًا في تسجيل صوتي نشره على حسابه الشخصي في "فيسبوك"، رسالة إلى السودانيين بأنه سيجلب الديمقراطية ويحاكم البرهان.
ومنذ شهور طويلة نشبت توترات بين الجيش والدعم السريع، خاصة بعد توقيع الاتفاق الإطاري في الخامس من كانون الأول/ديسمبر 2022، حيث طفت إلى السطح حرب التصريحات بين العسكريين.
وحينما أوشكت قوى مدنية موقعة على الاتفاق الإطاري على إقرار دستور انتقالي وتشكيل حكومة مدنية مطلع نيسان/أبريل الماضي، اشترط قادة الجيش تحديد مصير قوات الدعم السريع ومواقيت دمجها، حيث انقسم الطرفان حول الفترات الزمنية للدمج، حتى نشوب النزاع المسلح منتصف نيسان/أبريل 2023.
ويتركز النزاع المسلح بدرجة أكبر في العاصمة السودانية منذ شهر بين الجيش والدعم السريع، وحصد حياة (604) شخصًا من المدنيين وأسفر عن إصابة نحو خمسة آلاف شخص، ونزوح (900) ألف شخص داخليًا وخارجيًا، وتدمير منشآت صناعية وقطاع التجارة في العاصمة، ونهب العديد من المتاجر والشركات والأسواق.
كما تقع مدينة الأبيض بولاية شمال كردفان ومدينة الجنينة بولاية غرب دارفور ومدينة نيالا بولاية جنوب دارفور ومدينة الفاشر بولاية شمال دارفور ضمن المناطق المتأثرة بالنزاع المسلح المباشر بين الجيش والدعم السريع، وذلك على الرغم من اتفاق أهلي ورسمي على الهدنة التي نجحت إلى حد كبير في إيقاف الصراع في تلك المدن، لكنها هشة حسب نشطاء تحدثوا لـ"الترا سودان".
وأثناء استمرار العنف المسلح تبادل الطرفين اتهامات حول الإفراج عن آلاف النزلاء في سجون بالعاصمة السودانية، بينهم قيادات في النظام البائد، بينما نُقل الرئيس المخلوع عمر البشير واثنان من أكبر معاونيه إلى مستشفى السلاح الطبي غربي العاصمة.
ويؤكد مازن محمد وهو باحث في الحوكمة في حديث لـ"الترا سودان"، أن بعض المؤشرات تؤكد أن "طرفي الصراع" قد يتوقفون عن القتال بضغوط أمريكية وسعودية، ومع ذلك فإن وجود تيارات مؤيدة لحسم قوات حميدتي عسكريًا قد ترجح إطالة أمد الصراع.
ويوضح مازن محمد أن المجتمع الدولي يضع خيار استدامة النزاع المسلح في السودان ضمن "توقعات عالية الحدوث"، لأن الجيش والدعم السريع وصلا إلى "نقطة عدم التلاقي"، على الأقل في الوقت الراهن.
وأردف: "الأمر المهم أيضًا غياب صوت المدنيين. وعدم وجود رؤية وطنية سبب من أسباب استدامة الصراع في السودان منذ سنوات طويلة في الأطراف، وكان طبيعيًا أن ينتقل إلى المركز الذي احتفظ لنفسه بالاستقرار النسبي مقابل التخلي عن ملايين الضحايا في إقليم دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق".
باحث: المدنيون الذين وضعوا أنفسهم على طاولة التفاوض مع الجنرالات، لم يكن عندهم أجوبة حول كيفية تفادي الحرب
وتابع: "عندما أطاحت الثورة الشعبية بالبشير في العام 2019، المدنيون الذين وضعوا أنفسهم على طاولة التفاوض مع الجنرالات، لم يكن عندهم أجوبة حول كيفية تفادي الحرب في بلد يعج بالجماعات المسلحة .. لقد قاموا بتأجيل النزاع فقط".