في المقابلة التالية، يجيب بروفيسور عصام عبدالوهاب بوب، أستاذ الاقتصاد بجامعة النيلين، على أسباب تدهور العملة المحلية "الجنيه السوداني"، مقابل العملات الأجنبية، والدولار على وجه الخصوص، حيث تجاوز في الأيام الماضية حاجز (300) جنيه مقابل الدولار الواحد. بجانب سؤال: ما هي المعالجات من جانب الحكومة التي ينبغي القيام بها.
بروفيسور عصام عبدالوهاب: أي عملة تنهار، تفقد مباشرةً قدرتها على حفظ القيمة، وهو ما ظلّ يحدث بشكل متكرر للجنيه السوداني
-
بدءًا، ماذا تعني اقتصاديًا، عبارة "انهيار العملة المحلية مقابل الدولار والعملات الأجنبية"؟
- إذا أخذنا هذه العبارة بمعناها الحرفي، فهي تعني: فقدان القيمة الحقيقية للعملة، وضعف قدرتها كوسيلة للتداول لشراء احتياجات المستهلك، وبالتالي فقدان هذه القيمة للعملة المحلية، أمام العملات الحرة والأجنبية. وبمعنى آخر، فإنّ أي عملة تنهار، تفقد مباشرةً قدرتها على حفظ القيمة، وبالتالي لا تكون وسيلة ناجعة في حفظ القيمة المادية. وهو ما ظلّ يحدث بشكل متكرر للجنيه السوداني منذ سنوات، وفي الفترة الأخيرة بشكل كبير.
اقرأ/ي أيضًا: اعتماد بنك قطر الوطني في السودان مراسلًا لبنك أمريكي حكومي
-
بشكل مباشر، لماذا يرتفع الدولار هذه الأيام بهذا الشكل المتسارع؟ أعني ما هي الأسباب؟
- ارتفاع أسعار العملات الحرة، هو مقياس مباشر للانهيار الاقتصادي، وتدني أداء القطاعات الاقتصادية السودانية بشكل مجمل. بالإضافة إلى خلل في منظومة التجارة مع العالم ومنها تساؤلات على شاكلة: هل تعود عوائد الصادر إلى البلاد؟ أم أنّ ما يحدث هو تخريب مقنّن للثروات الوطنية خارج البلاد. لكن إجمالًا، أعتقد أنّ هناك أخطاء إدارية فادحة، كانت نتيجتها هذا الارتفاع المتسارع لأسعار الدولار، في مقابل الجنيه السوداني.
-
هل من أفراد، جماعات، مؤسسات، أو حتى الحكومة انتقالية، لهم علاقة مباشرة بالانخفاضات المتكررة للعملة المحلية في مقابل العملات الأجنبية؟
- أعتقد أنّ الحديث عن أفراد أو جماعات لها علاقة بتدني الأداء الاقتصادي للسودان حقيقي، وليس حديثًا يطلق. وليس بالضرورة أن تكون هذه الجهات أو الأفراد مناوئون للحكومة، أو للحرية والتغيير. ولا داعي لذكر أسماء هنا. ولكن بشكل مجمل فإن هذه الجهات هي الرأسمالية المتوحشة، التي تصول وتجول كيفما تشاء، وتلتهم ثروات البلاد وقوت المواطن. هذه ليس مبالغة، ولكنها في الغالب تعتمد على التخبط الإداري والفوضى الاقتصادية.
-
هل تعتقد بأنّ الحكومة الانتقالية تبذل أية سياسات لوقف هذا الانهيار للعملة المحلية؟
- على الإطلاق، لا أعتقد أنّ الحكومة، إلى الآن، تبذل أو لديها ما يمكن فعله لوقف هذا التردي الاقتصادي الذي تعاني منه البلاد ويعاني منه المواطن بشكل مباشر وبشكل يومي. بل أعتقد إنّها عاجزة، إلى الآن، تمامًا، عن فعل أيّ شيء لأسباب كثيرة، منها أنّها لا تمتلك الخطة، ولا الخبرة، ولا المعرفة، ولا الإرادة السياسية لفعل أي شيء.
-
ما الذي ينبغي على الحكومة فعله من إجراءات وسياسات، وبشكل عاجل، لوقف هذا الانهيار؟
- في رأيي، فإنّ الشيء الوحيد والمشرّف الذي يمكن أن تفعله الحكومة الانتقالية الحالية هو الاستقالة العاجلة، وبذلك تكفي الشعب السوداني كوارث المسغبة والجوع والمرض، وتكفي الشعب السوداني المرض وذل الفقر.
-
لماذا على الدوام لا تنجح الإجراءات الأمنية لوحدها في وقف هذا الانهيار؟
- كنت من أوائل الذين تحدّثوا عن عقم الإجراءات الأمنية في وقف تدهور العملة المحلية في مقابل العملات الأجنبية، باختصار لأنها حلول قاصرة. بل إنّ التجارب نفسها، أثبتت أنّها حلول غير ناجعة، بالرغم من تجريبها لمرات عديدة.
اقرأ/ي أيضًا: بسبب الدولار.. اضطرابات في أسعار المحاصيل
-
هناك حديث عن إمكانية حلول اقتصادية، لمعالجة تدهور العملة المحلية، حال الاستعانة بتحويلات المغتربين؛ ما الذي يمكن لتحويلات المغتربين من تأثير لوقف هذا الانهيار للعملة المحلية؟
- نعم، تحويلات المغتربين يمكن أن تحدث فرقًا إيجابيًا، ولكن هناك عقبات متعددة تواجه تحويلات المغتربين لا يمكن تجاهلها. يمكن أن تؤخذ هذه التحويلات في الحسبان الاقتصادي، ولكن لا يمكن الاعتماد عليها منفردةً وكليًا للإصلاح الاقتصادي.
بروفيسور عصام عبدالوهاب: الحكومة الانتقالية الحالية ليست لديها لا إرادة سياسية، ولا خبرة، ولا معرفة لإدارة الاقتصاد في السودان
ببساطة، هذا يعود إلى قرارات الحكومة القويمة، إذ لا يمكن أن نتجاهل أنّ هناك أخطاء هيكلية وإدارية كبيرة، وهناك منظومة فساد قوية جدًا؛ تتحكّم في الاقتصاد السوداني، لكن ليس للحكومة الانتقالية الحالية القدرة على مواجهتها.
-
هل من الممكن لإجراء مثل تغيير العملة بعد سقوط نظام الإنقاذ، أن يعمل على الحد من تدهور العملة المحلية؟
- يمكن ذلك، لكن الإرادة السياسية هي المحك الأول، وكما أسلفت لك، فإنّ الحكومة الانتقالية الحالية ليست لديها لا إرادة سياسية، ولا خبرة، ولا معرفة لإدارة الاقتصاد في السودان.
اقرأ/ي أيضًا