خلال حكم الإنقاذ الذي استمر لثلاثين عامًا، كان واضحًا للعيان التخريب الممنهج للعملية التعليمية في السودان، سواء على مستوى المناهج أو الاهتمام بالمعلم، ونتج عن هذه الأعوام الثلاثون؛ أجيال بمستوى ثقافي ضئيل ومقدرات معرفية متواضعة إلا من بعض الاستثناءات لشباب طوروا أنفسهم بطريقةٍ ذاتيةٍ بعيدًا عن المناهج الدراسية المقررة في المدارس والجامعات.
إصلاح التعليم كان واحدًا من أهداف الثورة، ولمعرفة إذا ما حدثت تغييرات في التعليم ما بعد الثورة، تحدثنا مع مدير إدارة التعليم غير الحكومي لمرحلة الأساس بولاية البحر الأحمر
إصلاح التعليم كان واحدًا من أهداف الثورة السودانية، وتم الالتفات إليه بشكلٍ كبير بعد استشهاد المعلم أحمد الخير، وهو واحد من أبرز شهداء الثورة.
اقرأ/ي أيضًا: حوار| فائز السليك: رئيس الوزراء مثل من يسير وسط حقل ألغام
لنعرف إن كانت هناك تغييرات حدثت داخل وزارة التربية والتعليم والعملية التعليمية في ولاية البحر الأحمر بشرق السودان، حاور "ألترا سودان"، مدير إدارة التعليم غير الحكومي لمرحلة الأساس بالبحر الأحمر، الأستاذ صالح أحمد، وهو معلم وإداري حكومي وناشط سياسي بولاية البحر الأحمر شرقي البلاد.
-
لاحظنا أن عدد الطلاب والطالبات الجالسين لامتحان مرحلة الأساس منخفض جدًا، فماذا تقول في هذه المسألة؟
- فعلًا، الجالسون لامتحان الأساس هم الأقل مقارنة بولايات السودان الأخرى أو بعدد سكان البحر الأحمر الذي يربو على المليون ونصف المليون نسمة، وهذا إن دل فإنما يدل على مدى الإهمال الذي تعرضت له العملية التعليمية طيلة الثلاثين عامًا الماضية، مما يتطلب تضافر الجهود بين الدولة ومؤسساتها ومنظمات المجتمع المدني والمجتمع نفسه للنهوض بالعملية التعليمية، سيما والدولة تتوجه نحو تعديل السلم التعليمي والمناهج وتحسين وضع المعلم إلى جانب تأهيله وتدريبه وهذه كانت من أكبر الأسباب إلى جانب مجانية التعليم وإلزاميته".
هل هناك شراكة مجتمعية أو مع منظمات؟
أما عن التنسيق فإن وزارة التربية والتعليم لها شراكات مع عدد من المنظمات، أهمها منظمة إنقاذ الطفولة (Save the Children) ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسيف" التي ظلت تقدم وتهتم بالتعليم خاصةً في الأرياف، وبعد الثورة شرعت في الإسهام بشكل كبير وبدأت في دعم عدد مقدر من مدارس محليات الولاية، سواء في تدريب وتأهيل المعلم أو تحسين البيئة المدرسية.
-
هناك شريحة مهمة من المجتمع وهم الطلاب ذوي الاحتياجات الخاصة، كيف هو وضعهم؟
الطلاب ذوي الاحتياجات الخاصة لديهم إدارة متخصصة تسمى التربية الخاصة، وهي تعمل بجد رغم الإمكانيات الشحيحة، وتعتبر هذه الشريحة مهمة وتحتاج إلى مزيد من الاهتمام والعناية والإمكانيات ودعم الدولة، وفي سبيل ذلك وضعت الإدارة خططًا وبرامجًا تسهم في تذليل الصعاب، إلا أن هنالك أيضًا شريحة أخرى كبيرة تعاني من صعوبات في التعلم لم تجد حظها من الدراسة والبحث والاهتمام.
-
ماذا عن التعليم في الأرياف؟
تعاني الأرياف من قلة المدرسين وانعدام المعينات والبيئة الدراسية الرديئة والقاسية، مما دفع بكثير من المعلمين لهجر المهنة نسبةً لقلة العائد المادي وعدم وجود بيئة صالحة بالإضافة لقلة وغياب المساكن الداخلية التي تؤوي التلاميذ.
حيث تم إنشاء المدارس دون توفير معينات وكوادر، وفي قرى متباعدة كنوع من الإرضاءات السياسية والمحسوبية بخلق وظائف لمنسوبي السلطة مما أعاق التعليم وفتح باب للتسرب والتسيب، لذلك الوزارة الآن بصدد مراجعة ودراسة تجميع هذه المدارس وإنشاء الداخليات والعمل على استقرار المعلم حتى يستطيع أداء واجبه بشكل جيد.
-
"التعليم مقابل الغذاء" برنامج ارتبط دائمًا بمسألة التعليم في الأرياف، ما رأيك في هذا البرنامج؟
هذا البرنامج فاشل بامتياز وفتح أبواب الفساد وهو مشروع مدمر للتعليم، وكان برنامجًا سياسيًا، ولعكس نجاحه وضمان استمراره كان يتم تزوير النتائج وكشف الامتحانات في الريف لرفع نسبة النجاح. وكل المنطقة تسجل أبناءها دون مواصلة الدراسة، ويحضرونهم نهاية الشهر لصرف المواد التموينية فقط. فبدلًا عن هذا كان من الأفضل أن تقدم وجبة للتلاميذ بالمدرسة أو إقامة داخلية لضمان مواصلة الأطفال دراستهم بدل التنقل مع أسرهم الرحل.
-
ماذا عن وضع المرأة أو تعليم البنات؟
ما زال تعليم البنات ضعيفًا بسبب العادات الضارة، خاصةً في الريف؛ من زواج مبكر أو حرمانهن من التعليم، وحتى من تعلمن ما زال دورهن غائبًا لنفس السبب، وهو عدم وعي الأسر و المجتمع بأهمية التعليم.
العاملات في حقل التعليم هن الأكثر عددًا، لكن لم يساهم ذلك في رفع نسبة تعليم البنات، والأمر ما زال يحتاج لمزيد من بث الوعي، علمًا بأن نسبة القوى العاملة في جميع الولاية من النساء تصل إلى (44) % وفق تقارير الجهاز المركزي للإحصاء.
اقرأ/ي أيضًا: شرق السودان.. واقع معقد وخطابات كراهية
-
وماذا عن التعليم غير الحكومي ودوره وإلى أين يتجه؟
ظل التعليم غير الحكومي يساهم في دفع العملية التعليمية سيما في ظل تردي التعليم الحكومي. عدد المدارس بالبحر الأحمر (676) مدرسة، (140) منها مدارس تعليم خاص ثانوي وأساس بعدد طلاب يقدر بـ(27) ألف تلميذ وتلميذة تقريبًا.
يوجد كثير من القصور في أغلب المؤسسات، ويشوبها خلل إداري وتربوي وقانوني يحتاج إلى وقفة وتصحيح، خاصةً بعد التغيير
صحيح يوجد كثير من القصور في أغلب المؤسسات، ويشوبها خلل إداري وتربوي وقانوني يحتاج إلى وقفة وتصحيح، خاصةً بعد التغيير واتجاه الدولة نحو الاهتمام بالتعليم والمعلم الحكومي، مما يضع التعليم الخاص أمام تحديات كبيرة للاستمرار.
اقرأ/ي أيضًا
الفيضانات في جنوب السودان.. المواطن وحيدًا أمام عجز الحكومة والمجتمع الدولي