قبل أن تتنفس الصعداء من الانتشار المتسارع لفيروس كورونا، عادت المؤسسات الصحية وإدارات الصحة حول العالم إلى حالة الحذر والتأهب المستمر بعد توثيق منظمة الصحة العالمية، في أيار/مايو الجاري، ما يتجاوز (92) حالة مؤكدة مختبريًا من فيروس "جدري القرود" و(28) حالة مشتبه بها في (12) دولة لا يتوطّن فيها المرض، بما في ذلك العديد من الدول الأوروبية والولايات المتحدة وأستراليا وكندا.
ويعتبر "جدري القرود"، الذي ينتمي لفصيلة فيروسات الجدري، ويحدث إصابة فيروسية معدية لكن يندر انتشارها. بينما تنحصر خصائصه في أنه حيواني المنشأ، حيث يُنقل فيروسه من الحيوان إلى الإنسان، وتماثل أعراض إصابته للإنسان تلك التي كان يشهدها في الماضي المرضى المصابون بالجدري، ولكنه أقل شدّة. ومع أن الجدري كان قد استُؤصِل في عام 1980 فإن "جدري القردة" ما يزال يظهر بشكل متفرق في بعض أجزاء أفريقيا.
صاحب الانتشار المفاجئ للمرض حالة هلع وحذر دولي كبير جراء التخوف من تحول الظاهرة إلى وباء عالمي
وقد صاحب الانتشار المفاجئ للمرض، حالة هلع وحذر دولي كبير جراء التخوف من تحول الظاهرة إلى وباء عالمي. ورغم أن منظمة الصحة العالمية تؤكد ألّا دلائل على علاقة تربط بين العدوى المنتشرة حاليًا و"جدري القرود" الذي اكتشف في وقت سابق، إلا أن تحقيقات سابقة لذات المنظمة سجلت انتشارًا للفيروس في مناطق أفريقية متجاورة. ما هي حقيقة "جدري القرود"؟ ولماذا تحفظت شبكات إعلام دولية وأفريقية على التعاطي الإعلامي مع المرض؟
حكاية قديمة
كُشِف لأول مرّة عن جدري القردة بين البشر في عام 1970 بجمهورية الكونغو الديمقراطية، المعروفة باسم زائير في وقتها، لدى صبي عمره تسع سنوات كان يعيش في منطقة استُؤصِل منها الجدري في عام 1968. وأُبلِغ منذ ذلك الحين عن حدوث معظم الحالات في المناطق الريفية من الغابات المطيرة الواقعة بحوض نهر الكونغو وغرب أفريقيا، وخصوصًا في جمهورية الكونغو الديمقراطية التي رُئِي أنها موطونة به، والتي اندلعت فيها فاشية كبرى للمرض في عامي 1996 و1997، بحسب تقارير دونتها منظمة الصحة العالمية.
وأُبلغ في خريف عام 2003 عن وقوع حالات مؤكّدة من جدري القردة في المنطقة الغربية الوسطى من الولايات المتحدة الأمريكية، مما يشير إلى أنها أولى الحالات المُبلّغ عنها للإصابة بالمرض خارج نطاق القارة الأفريقية، وتبيّن أن معظم المرضى المصابين به كانوا قد خالطوا كلاب البراري الأليفة مخالطة حميمة.
واندلعت في عام 2005 موجة أخرى لجدري القردة في ولاية الوحدة بالسودان، وأُبلِغ عن وقوع حالات متفرقة في أجزاء أخرى من أفريقيا. وفي عام 2009، قامت حملة توعية في أوساط اللاجئين الوافدين من جمهورية الكونغو الديمقراطية إلى جمهورية الكونغو بعد أن تم تأكيد حالتين للإصابة بجدري القردة، فيما جرى احتواء (26) حالة ووفاتان في إطار اندلاع موجة أخرى للمرض بجمهورية أفريقيا الوسطى في الفترة الواقعة بين آب/ أغسطس وتشرين الأول/ أكتوبر 2016.
وبحسب دراسة نشرها مركز السيطرة والوقاية من الأمراض الأمريكي، في العام 2010، تم الإبلاغ عما يقارب (49) حالة تتوافق مع تعريفات الحالة المؤكدة أو المحتملة أو المشتبه بها في ولاية الوحدة في السودان -تتبع لجمهورية جنوب السودان حاليًا- في إطار دراسة بحثية نفذتها منظمة الصحة العالمية بالتعاون مع وزارة الصحة الاتحادية بالسودان ومجموعة من المراكز البحثية. وتشير الدراسة إلى أن الحالات ظهرت في الفترة ما بين أيلول/سبتمبر 2005 إلى كانون الثاني/يناير 2006.
والجدير بالذكر، أن وزارة الصحة الاتحادية في السودان كانت قد دعت المواطنين إلى التبليغ الفوري عن أي حالات اشتباه بالمرض، مؤكدة، في بيان اطلع "الترا سودان" صدر بالأمس 24 أيار/مايو 2022، عدم تسجيل أي حالات مؤكدة بالإصابة في البلاد، وذلك عقب شائعات على مواقع التواصل.
نضال إعلامي ضد الصور النمطية
وأطلق صحافيون وروابط إعلامية دولية وأفريقية، مطلع الأسبوع، حملات مناهضة للتعاطي الإعلامي الخاطئ مع المرض، في إشارة إلى استخدام وسائل اعلام لصور أشخاص ذوي بشرة "سوداء" أثناء تغطية تفشي جدري القردة في وسائط إعلامية بالولايات المتحدة والمملكة المتحدة.
وأدانت رابطة الصحافة الأجنبية - أفريقيا، وسائل الإعلام التي تستخدم صورًا للسود إلى جانب قصص عن تفشي مرض جدري القرود في أمريكا الشمالية والمملكة المتحدة. مؤكدة في بيان نُشر على تويتر يوم السبت، إن جدري القرود مثله مثل أي مرض آخر، يمكن أن يحدث في أي منطقة في العالم وهنالك احتمالية لإصابته لأي شخص بغض النظر عن اللون أو العرق.
وترى الرابطة -وهي منظمة غير ربحية تضم صحافيين يغطون أخبار القارة السمراء لوسائل الإعلام الدولية- أنه "لا ينبغي أن تكون البشرة أو العرق، واجهة لهذا المرض".
رابطة الصحافة الأجنبية: على المحررين في مؤسسات الإعلام، لوم موظفيهم على استخدام صور الأفارقة لتغطية تفشي المرض
وحذرت المنظمة، من مغبة تداول هذه الصورة النمطية التي تعزو الكارثة للعرق الأفريقي وامتياز أو حصانة للأعراق الأخرى. مضيفة أن على المحررين في مؤسسات الإعلام، لوم موظفيهم على استخدام صور الأفارقة أو المنحدرين من أصل أفريقي أو الأشخاص الذين يعيشون في أفريقيا لتغطية تفشي المرض.
وحث البيان، المحررين في المنافذ الإخبارية على تحديث سياسة الصور الخاصة بهم، واقترح أساليب بديلة للتعاطي مع المرض مشيرًا إلى إمكانية استخدام صور المستشفيات في أوروبا والولايات المتحدة أو عرض صور بالميكروسكوب الإلكتروني للفيروس، بدلًا عن الاستخدام "غير الحساس" للصور النمطية، على حد وصف المنظمة.