في العاصمة الخرطوم التي تمتاز بتفوقها من حيث البنية التحتية على ولايات السودان الأخرى، بدأت معالم البنية التحتية تتجه إلى الزوال، خلال سبعة أشهر من الحرب في السودان بين الجيش والدعم السريع، آخر شواهدها تدمير جسر "شمبات" الذي ظل يربط مدينتي بحري وأم درمان لأكثر من نصف قرن، قبل أن تبلغه لعنة الحرب وتشقه نصفين.
خبير قانوني لـ"الترا سودان": القانون الدولي ينظر إلى مسألة تدمير البنية التحتية خلال الحروب بعناية، لضمان حماية المدنيين وحماية البيئة
تعرضت العديد من المنشآت والمرافق الخدمية العامة للتدمير، منها ديوان الضرائب ووزارة العدل وبرج شركة النيل للنفط، بالإضافة إلى برج بنك الساحل والصحراء وبرج الهيئة السودانية للمواصفات والمقاييس، إلى جانب أجزاء كبيرة من مطار الخرطوم الدولي. كما تضررت منشآت عريقة وذات قيمة تاريخية مثل المتحف القومي والقصر الجمهوري أضرارًا بالغة، فيما يتبادل الطرفان الاتهامات عن مسؤولية التدمير الذي لحق بالبنية التحتية للعاصمة الخرطوم. ولم تسلم الجامعات والمكتبات من عمليات نهب وحرق أفقدتها محتويات مصنفة ضمن "المخطوطات النادرة". وبحسب مراقبين، فإن البنية التحتية في العاصمة الخرطوم دمرت بنسبة تقارب (70%)، وما زالت الاشتباكات مستمرة ما يعني أن النسبة مرشحة للزيادة.
محامو الطوارئ
حمل بيان صادر عن محامي الطوارئ (مجموعة حقوقية طوعية) – حمل الجيش السوداني والدعم السريع مسؤولية الدمار الذي لحق بالبنية التحتية في الخرطوم بالإضافة إلى الخسائر في الأرواح. وأشار البيان إلى حادثة قطع جسر "شمبات" الرابط بين مدينتي بحري وأم درمان. وفيما تبادل الطرفان الاتهامات بشأن تدمير الجسر، قال بيان محامي الطوارئ إن الثابت هو تدمير الجسر الذي "استهدف عمدًا" – بحسب البيان.
وعرج بيان محامي الطوارئ على "قصف مصفاة الجيلي" التي تعد خط الإمداد الرئيس للعاصمة المثلثة بالغاز الطبيعي ووقود المحركات – بحسب البيان الذي أشار أيضًا إلى تدمير برج العدل وعدد من الأعيان المدنية التي "يحرم القانون الدولي استهدافها"، فيما حمل البيان الطرفين مسؤولية الدمار الذي لحق بالبنية التحتية في البلاد، في ظل "إصرارهما" على الاقتتال وعمليات القصف بالطيران والقصف المدفعي في المناطق السكنية.
وفي السياق نفسه، يقول الخبير القانوني عبدالله محمد في حديث إلى "الترا سودان" إن القانون الدولي ينظر إلى مسألة تدمير البنية التحتية خلال الحروب بعناية، وذلك لضمان حماية السكان المدنيين وحماية البيئة خصوصًا. ويؤكد عبدالله أن القانون يحظر استخدام القوة التي من شأنها أن تؤدي إلى "تدمير غير مبرر للبنية التحتية"، مضيفًا: "يجب أن تتركز الهجمات على الأهداف العسكرية فقط". وأوضح الخبير القانوني أنه في حال حدوث أي تدمير "غير مبرر" للبنية التحتية يعد ذلك "انتهاكًا للقانون الدولي يعرض أطرافه للمثول أمام المحكمة الجنائية الدولية"، وهو ما قاد طرفي النزاع في السودان إلى تبادل الاتهامات بشأن تدمير البنية التحتية في البلاد – حسب تحليله.
إعادة إعمار الخرطوم
من دون توجهات حزبية أو انتماءات إثنية، انطلقت مبادرة "إعادة إعمار الخرطوم" في آذار/مايو الماضي، بعد نحو شهر من اندلاع الحرب الطاحنة في العاصمة الخرطوم. وتصنف مبادرة "إعادة إعمار الخرطوم" ضمن المبادرات الطوعية التي تهدف إلى إعمار ما دمرته الحرب، من خلال مجموعة من الخبرات من مختلف الأعمار والمجالات. وتعمل المبادرة وفق "خطط ورؤى وأسس علمية" أملًا في المضي قدمًا في فترة ما بعد الحرب. وبحسب الموقع الإلكتروني للمبادرة، فقد بلغ عدد المتطوعين فيها أكثر من خمسة آلاف متطوع. وتضم المبادرة (12) قطاعًا، من ضمنها: التخطيط الإستراتيجي، والتخطيط الحضري، والتحول الرقمي، إلى جانب قطاعات: الهندسة، والتربية، والتعليم، والصحة، والبيئة، والأزمات والكوارث، والابتكار. وتضم أيضًا: قطاع الزراعة والإنتاج الحيواني، والشؤون القانونية، والإعلام والتسويق، والمالية والاقتصاد.
ولم تكن مبادرة "إعادة إعمار الخرطوم" هي الأولى من نوعها، فقد سبقتها مبادرات شعبية تهدف إلى إزالة الأنقاض، وتجميل المظهر العام للعاصمة الخرطوم، ولا سيما في محلية "كرري" بأم درمان والتي شهدت هدوءًا نسبيًا خلال الحرب.
وبحسب خبراء، فإن للمبادرات الطوعية في هذا التوقيت دور مهم في التنمية المستدامة وتعزيز الاستقرار، بالإضافة إلى رفع الروح المعنوية الجمعية للمواطنين وتوحيد رؤيتهم للخروج من هذه الأزمة التي راح ضحيتها أكثر من (10) آلاف قتيل، فيما نزح نحو ستة ملايين شخص، إلى جانب أضرار بالغة في البنى التحتية. وقدرت الخسائر جراء الحرب حتى الآن بما يزيد عن (100) مليار دولار بالإضافة إلى الانهيار الاقتصادي جراء الخراب الذي لحق بالقطاع الصناعي في البلاد.