بعد أن اكتملت مؤسسة الرئاسة في جنوب السودان، بقيام الرئيس "كير" بـ(اختيار) حسين عبد الباقي، كآخر نوابه عن تحالف أحزاب المعارضة بجنوب السودان، والمعروف اختصارًا بـ"سوا" -برغم حالة عدم التوافق الكلي التي اعترضت العملية- تكون مؤسسة الرئاسة قد اكتملت بموجب نصوص اتفاق السلام الذي حدد أن يكون هناك خمسة نواب للرئيس هم (زعيم المعارضة المسلحة ريك مشار، ونائب سلفا كير السابق جيمس واني أيقا، والجنرال تعبان دينق قاي الذي حل محل مشار بعد أحداث القصر الرئاسي بجوبا في العام 2016، ربيكا نياندينق دي قرنق أرملة مؤسس الحركة الشعبية الدكتور جون قرنق والممثلة لمجموعة المعتقلين السياسيين السابقين أو قيادات الحركة الشعبية كما ينادون أنفسهم إلى جانب حسين عبد الباقي (المختار) بواسطة الرئيس كير من قائمة مرشحي التحالف لشغل المنصب المرموق).
بالنسبة لمجموعة مشار فإنها تتنافس على عدد تسعة مقاعد وزارية، في حين منحت الاتفاقية مجموعة تحالف أحزاب المعارضة المنقسم على نفسه ثلاثة مقاعد، والمعتقلين السابقين مقعدين
الآن دخلت الأطراف مرحلة جديدة من الصراع السياسي المحموم على السلطة، خاصة وأنها قد فشلت في التوافق خلال الفترة ما قبل الانتقالية على طريقة تقسيم المقاعد الوزارية التي ضاقت بكل طرف على اتساعها، كما أن جميع الأطراف كانت منشغلة بصورة أكبر بكيفية تجاوز معضلة عدد الولايات التي تم تجاوزها بعد تهديدات دولية للحكومة، مما أربك حسابات كل الأطراف التي باغتتها المسالة لتصبح أمام تقاسم السلطة كأمر واقع لم تكن قد تهيأت له بعد، الشيء الذي أدى لانقضاء المهلة المحددة لتكوين الحكومة في يوم السبت الموافق 22 شباط/فبراير الجاري، دون تشكيل الحكومة بسبب فشل الحكومة وبقية أطراف المعارضة في الاتفاق على توزيع المقاعد الوزارية البالغة (35) وزارة اتحادية، إلى جانب خمسة مقاعد لنواب الوزراء على المستوى الاتحادي، وبحسب المعارضة المسلحة فإن الاجتماعات لا تزال متواصلة من خلف الأبواب المغلقة، في حين تكتظ قوائم كل طرف من الأطراف بأعداد كبيرة من المترشحين لتلك الوزارات التي خصصت الاتفاقية (20) منها للحكومة بقيادة الرئيس سلفا كير، وبالنسبة لمجموعة مشار فإنها تتنافس على عدد تسعة مقاعد وزارية، في حين منحت الاتفاقية مجموعة تحالف أحزاب المعارضة المنقسم على نفسه ثلاثة مقاعد، والمعتقلين السابقين مقعدين، كما منحت الاتفاقية أحزاب المعارضة السلمية الأخرى مقعدًا واحدًا في الحكومة الاتحادية.
اقرأ/ي أيضًا: المُحقق والمُعلّق من سلام جنوب السودان
هذا وأفردت اتفاقية السلام عشرة مقاعد لنواب الوزراء منها خمسة للحكومة وثلاثة لمجموعة مشار على أن ترشح مجموعة تحالف أحزاب المعارضة شخص واحد لمنصب نائب وزير اتحادي وكذلك أحزاب المعارضة الأخرى التي أعطتها الاتفاقية نائبًا واحدًا في معادلة قسمة السلطة.
الاختبار الحقيقي الذي سيواجه الأطراف الموقعة على اتفاق السلام في الحكومة وبقية فصائل المعارضة الأخرى، هو أن جميع قادة الأطراف يقدمون أنفسهم في قائمة الترشيحات ولا يريدون إفساح المجال لوجوه جديدة، فالحكومة والمعارضة لها قائمة تعج بالمرشحين الذين تلاحقهم العقوبات الدولية والتي تحدد بدرجة كبيرة نشاطهم وحركتهم، دعك عن التحذيرات التي أطلقها المجتمع الدولي من تبعات إعادة تعيين هؤلاء الأشخاص المتهمين بارتكاب جملة من الانتهاكات التي ترقى إلى درجة جرائم الحرب إلى جانب العمل على عرقلة العملية السلمية نفسها، هذا من جانب أما الجانب الآخر فإنه يتمثل في التنقلات السياسية التي استبقت إعلان الحكومة من وإلى المعارضة المسلحة، من قبل أشخاص يرون تضاؤل فرصهم في الحصول على السلطة من المعسكر الذي هجروه، وكلهم أمل في الحصول على تعويض مجز في الضفة الأخرى.
بالنسبة للحكومة والمعارضة التي يقودها مشار فإن الصراع سيكون على أشده فيما يتعلق بطريقة تقاسم الوزارات في القطاعات الخمسة التي حددتها الاتفاقية وهي (قطاع الحكم، القطاع الاقتصادي، قطاع الخدمات، البنية التحتية والشباب والجندر)، فالمعركة الأولى ستكون حول تخصيص الوزارات، بمعني أن يحدد كل طرف الوزارات التي يريدها من كل قطاع، ليتفرغ بعدها كل لإدارة أزمته الداخلية والمتمثلة في تسمية الأشخاص الذين سيشغلون تلك المقاعد الوزارية، لأن تلك المعادلة تخضع بدرجة كبيرة للموازنات الإقليمية لجنوب السودان الذي يقوم في نظامه القديم على ثلاث أقاليم (أعالي النيل، بحر الغزال والاستوائية)، وهي معادلة تطيح بالكفاءات وتعول على إرضاء الكتل الإقليمية بجانب الجماعات ذات الاسهام الواضح في القتال كما هو الحال بالنسبة للمعارضة المسلحة، وفي حال فشل الأطراف في التوافق يتم اللجوء إلى طريقة الاختيار بالتناوب التي حددتها اتفاقية السلام وهي طريقة قد لا تكون مرضية بالنسبة للحكومة أكثر من أي طرف آخر.
تقول اتفاقية السلام المنشطة في الفقرة (1-12) إنه متى ما فشلت الأطراف الموقعة في التوصل إلى صيغة مرضية في تقسيم الوزارات كل حسب نسبته المخصصة في معادلة قسمة السلطة فإن الحكومة ستقوم باختيار المنصب الأول من أي واحدة من القطاعات الخمسة المذكورة
تقول اتفاقية السلام المنشطة في الفقرة (1-12) إنه متى ما فشلت الأطراف الموقعة في التوصل إلى صيغة مرضية في تقسيم الوزارات كل حسب نسبته المخصصة في معادلة قسمة السلطة فإن الحكومة ستقوم باختيار المنصب الأول من أي واحدة من القطاعات الخمسة المذكورة، تليها المعارضة المسلحة الموالية لمشار في اختيار الوزارة الثانية، ومن ثم تأتي بعدها مجموعة (سوا)، فمجموعة المعتقلين السابقين ومن ثم الأحزاب السياسية الأخرى، وتعاد الكرة مرتين وثلاثة لحين انتهاء كل طرف من التقاط الوزارات الممنوحة له بموجب الاتفاق، وهي طريقة تخشى معها الحكومة أن تفقد عددًا من الوزارات المهمة والتي تم وضعها في قطاع واحد مثل (المالية والنفط) في القطاع الاقتصادي، أو الخارجية، الداخلية والدفاع في قطاع الحكم، فتلك وزارات حساسة لا تريدها أن تذهب جميعها للمعارضة بفصائلها المختلفة، لكنها قد ترضى بما هو أقل ضررًا إذا ما توصلت لتفاهمات مطمئنة مع جماعات المعارضة التي تحظى بدعمها وتربطها معها مصالح وصفقات سرية.
اقرأ/ي أيضًا