لوح الجيش السوداني مهددًا الأحزاب السياسية بما قال إنها "ساعة الصفر". وقال على لسان رئيس تحرير صحيفته الرسمية "القوات المسلحة" إنه سيتخذ قرارات تلبي أشواق المواطنين الذين "يتوقون إلى حكومة وطنية بفترة انتقالية تمهد لانتخابات يقول فيها الشعب كلمته". ولم تكشف المقالة الافتتاحية للصحيفة عن ماهية هذه القرارات، كما لم تحدد ساعة الصفر المتوقعة بسوى قولها إنها "ميقات زماني قادم لا محالة".
محلل: عدد صحيفة "القوات المسلحة" الذي تضمن مقال الحوري بشأن "ساعة الصفر" فصل من مخطط يجري تنفيذه بتهيئة الرأي العام داخل الجيش
و"ساعة الصفر" بالنسبة إلى الجيوش هي اللحظة السرية التي تشن فيها الهجمات المدبرة والمخططة على الأعداء، لكنها عند الجيش السوداني تعني اللحظة التي يتحرك فيها وتسمع أثناءها "المارشات العسكرية". وشهد السودان "ساعات صفر" نتجت عنها الإطاحة بحكومات مدنية كان آخرها ما حدث في فجر 25 تشرين الأول/أكتوبر الماضي، حين أعلن قائد الجيش الفريق أول عبدالفتاح البرهان الانقلاب على الوثيقة الدستورية.
وقال العقيد إبراهيم الحوري رئيس تحرير صحيفة "القوات المسلحة" في المقال الافتتاحي على الصحيفة أمس الثلاثاء، إن "ساعة الصفر ميقات زماني قادمٌ لا محالة إذا كان منهج القوى السياسية ما زال محفوفًا بسلوك الغبينة"، متهمًا القوى السياسية بالتطاول على القوات المسلحة وتناسي هموم المواطن وتأجيج الفتن لتأليب الرأي العام على ما أسماها "ثوابت البلاد ومقدراتها".
وتعبّر صحيفة القوات المسلحة عن موقف الجيش وتحدد توجهاته، ويتولى إدارتها وتحريرها ضباط برتب وسيطة على رأسهم ضابط برتبة عقيد يشغل منصب رئيس التحرير هو إبراهيم الحوري. ويكتب فيها عسكريون في الخدمة ومتقاعدون، وتمثل "لسان الجيش" الإعلامي، ما يجعل مقالة رئيس التحرير اليومية تجسيدًا لرأي القوات المسلحة.
وعلى الرغم من أن الجيش السوداني سبق أن أعلن مغادرته منصة الفعل السياسي والعودة إلى ثكناته، ما يزال البعض يطلق على رئيس تحرير صحيفة "القوات المسلحة" لقب الناطق الرسمي باسم "حزب الجيش"، وهو ما يؤكد أن إعلان الجيش انسحابه من السياسة لا يعدو أن يكون "موقفًا سياسيًا" - وفقًا لأصحاب هذا الرأي.
وبحسب الحوري، فإن موقف الجيش عبر قرارات تصحيح المسار جاء لإيقاف ما أسماها "حلقات التآمر" التي قال إن أركانها اكتملت قبل قرارات أكتوبر "التصحيحية"، فأخرج الجيش عندها "القرارات الجراحية واستعمل طبيبة المشرط واستأصل الدمامل".
ولتجنب "ساعة الصفر"، اشترط المقال الموقع عليه باسم العقيد الحوري على القوى المدنية توحيد نفسها وتكوين حكومتها بـ"مطلق الحرية". وأضاف الحوري: "أما إذا لم تواكب ضخامة المسؤولية وحساسية المرحلة وتصلح من شأنها وتتستّر على فشلها بدعاوى هيكلة القوات المسلحة، فإنّ الجيش عندها وباعتباره الشريك الأساسي في الثورة والتغيير مع شعبه لن ينتظر أحزابًا لا يجمعها التوافق على حد أدنى من برنامج وطني متفق".
وتلويح الجيش بساعة صفر أو انقلاب آخر في البلاد، بدا مثيرًا لدهشة البعض؛ إذ كتب الروائي السوداني والناشط السياسي حمور زيادة على صفحته بفيسبوك: "تهديد رئيس تحرير صحيفة القوات المسلحة الحوري هو أكثر تهديد مذهل في تاريخ الانقلابات العسكرية". وتابع زيادة: "للمرة الأولى تنفذ مجموعة انقلابًا عسكريًا، وحين يفشل، تهدد خصومها الذين انقلبت عليهم بتنفيذ انقلاب آخر".
ويضيف زيادة: "المضحك أن الرجل والجيش على قمة السلطة منذ أبريل 2019، لكنهم رغم ذلك يحملون فشلهم في إدارة الدولة للحرية والتغيير وبقية قوى الثورة، سواء كانت داخل السلطة أو خارجها".
وبحسب الصحفي السوداني المقيم في قطر عباس محمد إبراهيم، يمكن تفسير مقال رئيس تحرير صحيفة القوات المسلحة من خلال متابعة ما تناولته الصحيفة في العدد نفسه. وأوضح عباس في تصريح لـ"الترا سودان" أن العدد حوى "مقالات تدافع عن حزب المؤتمر الوطني المحلول وإفادات صريحة تحرض على تحركات السفير الأمريكي وغمز ضد سفير المملكة العربية السعودية وسرديات لحملة اعتقالات واغتيالات راجحة" – على حد قوله. وبالنسبة إلى عباس، لم يكن العدد المشار إليه مجرد عدد من صحيفة ترصد الأحداث، بل "فصلًا من مخطط يجري تنفيذه"، لافتًا إلى ذلك يتطلب أول ما يتطلب "تهيئة الرأي العام داخل القوت المسلحة" - وفقًا لتعبيره.
وسبق لرئيس تحرير صحيفة "القوات المسلحة" أن لمّح بخطوة القوات المسلحة قبل حدوث انقلاب 25 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي. وفي تصريحات نقلتها صحيفة الشرق الأوسط، قال وزير شؤون مجلس الوزراء في الحكومة المنقلب عليها والقيادي بقوى الحرية والتغيير (المجلس المركزي) خالد عمر يوسف تعليقًا على مقال الحوري إنه يأمل ألا يكون المقال "معبرًا عن الموقف الرسمي للقوات المسلحة السودانية".
وحذر يوسف من الزج بالقوات المسلحة في أتون "الصراع السياسي الحزبي" الذي قال إنه يجب على المؤسسة العسكرية ألا تكون جزءًا منه. وتابع: "القوات المسلحة السودانية ملك للشعب السوداني، تضررت بشكل بالغ من مغامرات الانقلابيين الذين استخدموها وجيروها في غير مهامها وغاياتها".
يأتي تلويح الجيش وتهديده بساعة الصفر متزامنًا مع ضغوط تواجه المؤسسة العسكرية للانسحاب من العمل السياسي
ويأتي تلويح الجيش وتهديده بساعة الصفر متزامنًا مع ضغوط تواجه المؤسسة العسكرية للانسحاب من العمل السياسي، وفي ظل أوضاع سياسية واجتماعية واقتصادية بالغة السوء يجابهها السودانيون، وتحذيرات أممية من تدهور الأوضاع مع تمدد الإضرابات المهنية. ويحمل الكثيرون قرارات قائد الجيش مسؤولية هذا التدهور الذي انتهى الآن إلى مرحلة أن يخير الجيش القوى السياسية بين التوافق على تشكيل حكومة أو الانقلاب.