25-ديسمبر-2022
""

بلغ العنف ذروته في محلية بليل بولاية جنوب دارفور الجمعة، حينما هاجم مسلحون القرى التي يقيم فيها آلاف المدنيين وأسفر الهجوم عن مقتل سبعة أشخاص، وإصابة العشرات وحرق أكثر من أربعة قرية.

ذكر مسعف طبي يعمل في منظمة دولية في ولاية جنوب دارفور في حديث لـ"الترا سودان"، أن العنف الذي وقع في تلك القرى أدت إلى إصابات بالغة وسط المواطنين، ويشعر الأطفال بالرعب الشديد.

باحث: لم يأت بعد من يقدم الحلول الناجعة لإحداث الاستقرار في إقليم دارفور لأن من يتصدرون المشهد يعملون في حدود الحفاظ على السلطة

في العادة تقع مثل هذه الحوادث في إقليم دارفور حينما تُقدم جماعات على سرقة الماشية، ففي محلية بليل حينما غادر السكان المحليون لإعادة ماشية نُهبت، شن المسلحون الذين امتطوا الدواب والدراجات النارية "هجومًا كبيرًا" على المحلية في وقت مبكر من صباح الجمعة، ما أدى إلى مقتل سبعة مواطنين. وجاء هجوم المسلحين ردًا على إعادة الماشية، وقالت السلطات إن "عملية الفزع" أدت إلى مقتل أحد الرعاة.

]

في هجمات المسلحين يأخذ "التأثير القبلي" حيزًا كبيرًا من هذه العمليات في إقليم دارفور لغرض حماية الزراعة أو استعادة ماشية مسروقة، أو حتى منع توغل السكان الجدد.

وشهد إقليم دارفور "استقرارًا نسبيًا" فيما يتعلق بالحوادث الأمنية الشهرين الماضيين حسب ما أعلنت بعثة "يونيتامس" في تقريرها أمام مجلس الأمن الدولي مطلع هذا الشهر، لكن بالنسبة للبعثة الأممية فإن حماية المجتمعات الهشة غير متوفرة.

والعنف الذي يصعد في إقليم دارفور بين الحين والآخر يعكس "َضعف الدولة المركزية" في نظر محمد عبد الله الباحث في مجال فض النزاعات مشيرًا إلى أن "صناع القرار والسياسيين"، لم يضعوا الحلول الجذرية لهذا العنف حتى الآن لأن مستوى تصميم السياسات المتعلقة بالحماية للمدنيين تتأثر بشكل السلطة القائمة التي تتبنى العنف سبيلًا للحكم.

ويقول عبد الله لـ"الترا سودان"، إن الدولة غائبة في تلك الأصقاع البعيدة وبالنسبة لصانع القرار هناك عقلية مركزية، أي ضمان الاستقرار النسبي في وسط البلاد لضمان استمرار سلطته والمساومة على إيقاف العنف في الأطراف في حدود بقاء سلطته في المركز.

 ولإقليم يشعر سكانه بالتهميش جراء عدم انتقال الخطط التنموية إلى هناك على الرغم من فترات الجفاف العصيبة، فإن هذا الشعور عزز تبني العمل المسلح وسط الحركات المطلبية في الوهلة الأولى، والتي تبنت خوض حرب ضد الدولة المركزية في بداية العقد الماضي.

يقول أحمد السني وهو باحث في السلام لـ"الترا سودان"، إن العدالة التي يجب أن تنفذ في إقليم دارفور تبدأ من الأعلى، أي محاسبة الضالعين في الإبادات الجماعية وتسليم مطلوبي الجنائية الدولية وأبرزهم الرئيس المخلوع.

يرى السني أن هذا الإجراء سيؤدي إلى تحقيق العدالة وسط المجتمعات، لكن الدولة لم تبدِ استعدادها بعد لتطبيق هذا الأمر، بالتالي استمرار الهجمات المسلحة أمر اعتيادي لجماعات اعتادت على الإفلات من العدالة.

https://t.me/ultrasudan

واعتمد الرئيس المخلوع لسحق الحركات المسلحة على بناء قوات موازية للقوات الحكومية، والاهتمام بالتسليح والصلاحيات العسكرية في ذات الوقت لم توضح هذه الحركات "طبيعة تعاملها مع القوى المدنية حينما سقط المخلوع في نيسان/ابريل 2019" يضيف السني.

ويمضي بالقول: "عوضًا عن التحالف مع مؤيدي الديمقراطية وإقرار خطة سياسية واجتماعية وإنسانية لانتشال إقليم دارفور من العنف المتواتر ركزوا على تقاسم الثروة والسلطة بالنسبة لصانع القرار في المركز هذا وضع نموذجي طالما أن الوضع سيبقى في حدود نفوذه".

ويعمل غالبية سكان الإقليم في الزراعة والرعي، في مناطق تعتمد في اقتصادياتها عليهما بشكل كبير نتيجة عدم وجود مشاريع كبيرة. في ذات الوقت تشن الجماعات المسلحة غارات لسرقة الماشية أو التوغل في المساحات الزراعية بحثًا عن المراعي.

تؤدي هذه الحوادث إلى احتكاكات بين المزارعين والمسلحين من جهة، وبين الرعاة والمزارعين من جهة أخرى. وفي الغالب يهتم الرعاة بالتسلح لغرض الحماية.

يشير أحمد السني إلى أن كل طرف يشعر أنه يتعرض إلى هجمات مسلحة لنهب ماشيته أو التوغل في زراعته سيفكر في التسلح، لأن الدولة لا تقدم له الحماية. "وكالات إنفاذ القانون ومراكز الشرطة كلما ابتعدت عن المدن في الإقليم لا تستطيع تقديم الحماية"، يقول السني.

لا يمكن التصور إن من كان جزءًا من القتال والعنف أن يكون جزءًا من الحل. هذا ما يحدث في إقليم دارفور حاليًا في نظر الباحث في مجال فض النزاعات، محمد عبد الله.

يضيف قائلًا: "من أعلى مستويات الدولة لا يمكن التصور أن هناك من يهتم لوضع حلول جذرية للعنف في إقليم دارفور … من قتل لا يمكنه أن يقدم الحل".

بحسب عبد الله يحتاج إقليم دارفور إلى توسيع وكالات إنفاذ القانون وقوات للشرطة في جميع المناطق حتى القرى الحدودية، وإنشاء نيابات ومحاكم حتى يلجأ المتضررون من النهب والقتل إلى القانون.

إنهم يحاولون نزع الحقوق بالأيادي العارية، وأحيانًا يتسلحون لأنهم يشعرون أن القانون هنا للأقوى

"إنهم يحاولون نزع الحقوق بالأيادي العارية، وأحيانًا يتسلحون لأنهم يشعرون أن القانون هنا للأقوى" يؤكد عبد الله.

وأضاف: " ضمن الحلول المستدامة يمكن أن التركيز على العدالة الانتقالية، وخطط تنموية مثل تحديد مسارات الرعاة لمنع الهجمات الأمنية، لأن الصراع على الموارد في الإقليم هو الحدث الأبرز منذ سنوات طويلة".