26-أغسطس-2023

هنالك في باحات جامعة أم درمان الإسلامية كان يعمل العم يوسف كما يحلو لطلاب كلية العلوم الهندسية أن ينادوه، كيف لا وهو رجل ستيني يقوم في مقام الوالد لهؤلاء الطلاب. هو سائق بسيط يعمل في قسم الخدمات بالكلية، يصفه الجميع بدماثة الخلق حتى وصل إلى سن التقاعد في مايو/آذار من العام الماضي. ومع بدايات الربع الثاني من هذا العام، اندلعت الاشتباكات بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع منتصف نيسان/ أبريل الماضي، فيما بدأت تتواتر الأخبار عن اختفاء بعض المواطنين وظهورهم في فيديوهات على منصات متعلقة بقوات الدعم السريع وهم يدلون باعترافات لا أساس لها من الصحة عن ارتباط هؤلاء المواطنين بالعمل في جهات نظامية، وتفاجأ طلاب كلية العلوم الهندسية بفيديو مشابه للعم يوسف وهو يقول مجبرًا بأنه عميد بالشرطة، وبدت عليه آثار التعذيب، بينما يقر في هذا الفيديو أنه أحد ضباط الاحتياطي المركزي، الأمر الذي أثار غضبًا واسعًا في الأوساط الطلابية بجامعة أم درمان الإسلامية.

منذ اندلاع الحرب في السودان، بدأت تتوالى مئات المنشورات على منصات التواصل الاجتماعي عن أفراد مفقودين من قبل أسرهم وأصدقائهم

وكانت قد أصدرت كلية العلوم الهندسية بالجامعة بيانًا على صفحاتها في مواقع التواصل الاجتماعي حملت فيه قوات الدعم السريع سلامة منسوبها السابق يوسف محمد نعمان، مشيرة في بيانها إلى أن المفقود يعاني من بعض الأمراض المزمنة، وأكدت على سعيها بما هو متاح من أجل إطلاق سراحه. وكانت قد نفت إدارة الكلية انخراط نعمان في العمل مع أي قوات نظامية أو غير نظامية، فيما حذا طلاب الكلية حذو معلميهم ببيان مشابه مطالبين فيه بالإفراج الفوري وغير المشروط عن العم يوسف، و قدم الطلاب خلاله مناشدات إنسانية لمنظمات المجتمع المدني وجمعيات حقوق الإنسان وكل من له صلة بالأمر للمساعدة في إطلاق سراح العم يوسف.

يقول المواطن السماني أحمد وهو من خريجي كلية العلوم الهندسية بأم درمان الإسلامية، إنه يعرف العم يوسف منذ العام 2018، ووصفه بأنه واسع البال وهادئ الطبع، ويضيف أنه كان متفان في عمله، وليس له علاقة بأي جهة عمل سوى جامعة أم درمان الإسلامية.

وقال السماني إن اعتقال العم يوسف سبب له حزنًا عميقًا، ويعود ذلك لوصف المعتقل بأنه رجل طاعن في السن، ولا يمكن أن يتحمل الاعتقال وسوء المعاملة التي قد يتحملها من هم أقل منه سنًا. وشدد على ضرورة تدخل الجهات المختصة بشكل فوري  لفك أسره.

يقول الخبير الحقوقي عبد الله حامد لـ"الترا سودان"، إنه وفقًا للقوانين الدولية واتفاقيات حقوق الإنسان، فإن استخدام العنف مع المواطنين الأسرى من أجل إجبارهم على الاعتراف بأشياء تنصب في صالح أحد طرفي النزاع يعتبر انتهاكًا خطيرًا لحقوق الإنسان، والتي يعاقب عليها القانون الدولي، وهو الأمر الذي تنتهجه قوات الدعم السريع، والذي قد يعرضهم للمساءلة من المحكمة الجنائية الدولية. مشيرًا إلى نشاط المنظمات الدولية المختصة بمراقبة وتقييم الأحداث.

ويضيف عبدالله: ذلك يأتي بجانب احتجاز المواطنين العزل والذي يعتبر انتهاكًا قائمًا بذاته، واصفًا حادثة اختطاف يوسف نعمان بأنها "جريمة مركبة". ولفت حامد في حديثه عن الأضرار النفسية والجسدية التي يتعرض لها الإنسان جراء هذه الانتهاكات، الأمر الذي وضعه القانون في عين الاعتبار.

ومنذ اندلاع الحرب في السودان، بدأت تتوالى مئات المنشورات على منصات التواصل الاجتماعي عن أفراد مفقودين من قبل أسرهم وأصدقائهم، ويشير تقرير لمبادرة مفقود إلى فقدان (350) مواطن منذ اندلاع الحرب في السودان.

https://t.me/ultrasudan

وكشف التقرير أن (38) شخصًا من المواطنين الذين تعرضوا للإخفاء القسري قد عادوا إلى منازلهم مؤخرًا، بينما قتل سبعة أشخاص، ويظل البقية مجهولي المصير. وفيما يخص النساء المفقودات، ارتفع عددهن إلى (24) امرأة، وقد كشف التقرير أن الفئة الأكثر تعرضًا إلى الإخفاء القسري كانت فئة الشباب، بحيث تتراوح أعمار أغلب المفقودين من (20) إلى (35) عامًا.

فيما أكد التقرير أن قوات الدعم السريع ما زالت تحتفظ بعدد كبير من المفقودين في مقارها ومعسكراتها، الأمر الذي من شأنه أن يعرض حياتهم للخطر.

تزايدت في الآونة الأخيرة حوادث الاختفاء المتكررة التي يعاني منها المواطنون في العاصمة الخرطوم وبعض ولايات غرب السودان، والتي ترتكبها قوات الدعم السريع في حق المواطنين بحسب شهادات

وتزايدت في الآونة الأخيرة حوادث الاختفاء المتكررة التي يعاني منها المواطنون في العاصمة الخرطوم وبعض ولايات غرب السودان، والتي ترتكبها قوات الدعم السريع في حق المواطنين بحسب شهادات، الأمر الذي يثير قلق المواطنين في المناطق غير الآمنة، ويمنعهم من التنقل بحرية من أجل الحصول على احتياجاتهم اليومية، فيما يعاني عدد من المعتقلين من سوء المعاملة وإجبارهم على الإدلاء باعترافات لا أساس لها من الصحة، وكان العم يوسف أحد النماذج التي تضررت من هذه الانتهاكات.