25-يناير-2022

يعاني العديد من السودانيين من الاضطرابات النفسية نتيجة لمعايشتهم ومشاهدتهم وقائع صادمة في الأحداث منذ العام 22018 (Getty)

منذ اندلاع ثورة ديسمبر المجيدة في العام 2018، شاركت جميع فئات الشعب فيها، البعض سار في المواكب وتقدم الصفوف الأمامية، وآخرون عملوا من خلف الكواليس لتقديم الدعم اللوجستي والمعنوي للشعب السوداني. 

ووراء كل مسيرة ومليونية جابت شوارع البلاد، قصص وحكاوى عن شهداء سقطوا ومصابين روت دماؤهم الأرض، وأصدقاء وأهل شيعوا ذويهم، وسهروا الليالي والأيام في مداواة مصابيهم، وآخرين شاهدوا الاضطرابات في الشوارع وخلف الشاشات ما تسبب لهم بالرضّات النفسية والمشاعر المرضية. 

انسداد الأفق ولحظات الألم والحزن والدموع التي وثقتها كاميرا الثورة خلفت ضحايا يعانون الألم النفسي في صمت

انسداد الأفق ولحظات الألم والحزن والدموع التي وثقتها كاميرا الثورة، خلفت ضحايا يعانون الألم النفسي من كل الأطراف، من المحتجين والقوات النظامية، إلى جانب المتابعين والمواطنين الذين يتأثرون بهذه الأحداث، إضافة إلى ضغوط الحياة اليومية في ظل عدم الاستقرار الذي تعاني منه البلاد. 

كل ما تمت الإشارة إليه من أحداث، استدعى حضور وتواجد الأطباء والمختصين النفسيين لتقديم الدعم و الإسعافات النفسية الأولية للجميع دون استثناء. وهي القضية التي يبحثها التقرير التالي في زيارة لمركز نور للتدريب وتنمية القدرات، وإفادة ذوي الاختصاص.

أحداث وصدمات

إبان فترة اعتصام القيادة العامة 2019، نشط مختصون في مجال الطب النفسي عبر العيادات الميدانية والمستشفيات في تقديم الخدمات النفسية للمصابين. وعقب أحداث 25 تشرين الأول/أكتوبر 2021، تلقى المختصون كثيرًا من الاتصالات عن الإصابة بأعراض اضطراب ما بعد الصدمة، نظرًا للظروف التي تمر بها البلاد.

يقدم مركز نور للتدريب وتنمية القدرات خدماته مجانًا للمتأثرين بالأحداث (الترا سودان)
يقدم مركز نور للتدريب وتنمية القدرات خدماته مجانًا للمتأثرين بالأحداث (الترا سودان)

وفي حديث مع المعالجة النفسية فاطمة محمد إبراهيم، وصفت أعراض الاضطراب بظهور تعب مفاجئ، يتمثل في استعادة أحداث الصدمة أو ما يعرف بـ"الفلاش باك" إضافة للكوابيس واضطرابات النوم، وعدم القدرة للعودة لمكان الحدث، بجانب مرض الاكتئاب والانفصال والعزلة عن الناس، ونوبات الغضب والعصبية، وبحسب -فاطمة محمد إبراهيم- تشمل الأعراض العزلة في المنزل، والهلاوس والضلالات الذهانية.

https://www.youtube.com/watch?v=S00iP_xRgHI

ما الذي يميز الأعراض التي ظهرت على الضحايا عقب 25 تشرين الأول/أكتوبر؟ تجيب المعالجة النفسية فاطمة، بأن البعض لم يهتم بقضية الموت والحياة، نتيجة للمشاهد التي يعايشها، ويتفاقم شعور الذنب وعدم السيطرة على النفس. ووصفت فاطمة جميع الأعراض السابقة برد الفعل الطبيعي عقب الأحداث التي يعيشها السودان والسودانيون.

وتابعت المعالجة النفسية قولها، بأن المركز يقدم الخدمات النفسية مجانًا لجميع المتأثرين بالأحداث من المواطنين، وذلك نظرًا لارتفاع تكلفة الجلسات النفسية وطول مدتها الزمنية. وحول التحديات التي تواجه عمل المركز، تقول بأن قضية الأمان تمثل التحدي الأول، لأن التعامل يتم مع ناشطين وفاعلين في المشهد السياسي وغيرهم، الأمر الذي يستدعي العمل عبر المكالمات الهاتفية أحيانًا. مؤكدة وجود نقص في عدد الكوادر العاملة بالمقارنة مع عدد طالبي الخدمات النفسية. 

خدمات الدعم النفسي

يعمل المركز في التدريب لتقديم الإسعافات النفسية الأولية، إضافة لخدمات التدريب المجانية باستخدام وسائط التواصل الاجتماعي. مع ذلك لا يتلقى جميع المصابين الإسعافات اللازمة في الوقت المناسب، فما هي الآثار المترتبة على تأخر تقديم العون النفسي على صحة المريض؟

يعاني العديد من الشباب في صمت في ظل توفر الخدمات الصحية النفسية رغم شح الإمكانيات والدعم (الترا سودان)
يعاني العديد من الشباب في صمت في ظل توفر الخدمات الصحية النفسية رغم شح الإمكانيات والدعم (الترا سودان)

تعدد نائب اخصائي الطب النفسي تقى زين لـ"الترا سودان"، مساؤى تأخر العلاج للضحايا بالقول: "إن شخصية الفرد تتغير، بجانب تحول المرض لمزمن يصعب علاجه في المستقبل". وأكملت "يحبس الفرد نفسه في الحادث مع صعوبة العودة لممارسة الحياة الطبيعية، وتشتت الانتباه، والتغيرات الواضحة في التعامل مع الآخرين، إلى جانب تحول الشخصية لحدة الطبع وسرعة الهيجان والجفاف".

اقرأ/ي أيضًا: مترجم| التكلفة العالية للشعور بالإحباط

وأردفت تقى زين "تعد خسارة لأن الفرد يحبس في معاناة مع هذه الأعراض لسنوات طويلة"، وقالت بأن الأعراض يمكن أن تمتد لتعاطي الممنوعات أو أفكار الانتحار. وتشير إلى أن خدمات الدعم النفسي تقدم لجميع المواطنين دون استثناء من الذين تأثروا مهنيًا أو شخصيًا أو اجتماعيًا بالحوادث الصادمة.

دعت الطبيبة النفسية بمركز نور تقى زين للتعبير عن الحزن والمشاعر التي تختلج في النفس نتيجة للحوادث الصادمة

وترى نائب أخصائي الطب النفسي، بأن العمل مع الحالات المتأخرة، يتضمن علاج أبرز الأعراض مثل التفكير في الانتحار أو تقليل حدة القلق، وعادة ما يشمل العلاج الجانب الدوائي والجلسات النفسية. 

ودعت تقى زين للتعبير عن المشاعر بالبكاء أو الحزن، قائلة: "يُفهم من رسائل الحزن أن الخروج من أجل قضية بالرغم من حالات الفقد والموت، هو للبحث عن حياة أفضل ومواصلة الطريق". 

من أجل مجتمع معافى

ويتخوف الكثيرون من طلب خدمات المساعدة النفسية، لغياب الخصوصية في بعض الحالات وعدم توافر مختصين وغياب ثقافة العلاج النفسي في السودان، ويؤكد أطباء لـ"الترا سودان" بأن الخطوة الأولى في التعافي تتمثل في الدعم النفسي والاجتماعي من الدائرة الصغيرة المحيطة بالفرد.

يتخوف الكثيرون من طلب خدمات المساعدة النفسية (الترا سودان)
يتخوف الكثيرون من طلب خدمات المساعدة النفسية (الترا سودان)

وهو ما ذهبت إليه الاخصائية النفسية إسلام بلال بالقول، إن بعض من عايش أحداث فض اعتصام القيادة العامة، معرض لاستعادة الحدث الصادم حال شاهد أحداثًا مشابهة، ولا بد من تدخل لتقديم العلاج النفسي اللازم. كما تقول إسلام.

اقرأ/ي أيضًا: أوضاع الصحة النفسية في السودان.. التفوق في الكارثة!‎

وذكرت بأن أفراد القوى النظامية المختلفة في ظل الظروف التي تمر بها البلاد، هم أيضًا معرضون لاحتمالية الإصابة بالمشاكل النفسية. وتكمل حديثها "الثوار ومنسوبو القوات النظامية بحاجة للوعي بأهمية الجانب الصحي النفسي"، مؤكدة أن المركز مفتوح لأي شخص من المحتجين أو القوات النظامية أو المواطنين الذين مسّتهم الأحداث، لتقديم الدعم.

الأحداث الصادمة التي تمر بها البلاد تسببت وتتسبب في العديد من الإفرازات النفسية السيئة

ودعت إسلام بلال، للتفريق بين الأعراض الطبيعية وغير الطبيعية عقب الحوادث، وشددت على البعد من غير المختصين وعدم السماح لهم بالتدخل في تقديم الخدمات النفسية، مع الالتزام بالتوجه لمختص لطلب النصائح.

ومن الواضح أن الأحداث الصادمة التي تمر بها البلاد تسببت وتتسبب في العديد من الإفرازات النفسية السيئة، ويسيطر الحزن والإحباط والمشاعر السوداوية على الكثير من السودانيين والأسر السودانية التي تفقد يوميًا فلذات أكبادها وتتابع الأحداث الصادمة في الشوارع أو عبر مقاطع الفيديو، وبحسب ما أوضحت مداخلات المختصين أعلاه، فإن العلاج النفسي في السودان يستدعي المزيد من الاهتمام. وتولية الجانب النفسي الانتباه في ظل استمرار المواكب وحراك الشارع، ما سيجنب السودانيين والبلاد الكثير من الضحايا المنسيين بسبب طبيعة الإصابة النفسية.

اقرأ/ي أيضًا

البحث عن فيديو "رجل ودمدني"