23-سبتمبر-2023
سيدة تضرب الدف في الزار

(Getty)

أجريت الكثير من الدراسات والأبحاث على عادة الزار، وتضاربت الأحاديث حول المنشأ الأصلي لهذه العادة، فالبعض نسبها إلى إثيوبيا وذلك بسبب وجود كلمة "زار" في اللغة الأمهرية، إضافة إلى عدد من الطقوس والمسميات ذات الملامح الإثيوبية المصاحبة له، فيما يرى باحثون أن هذه العادة عربية الأصل، وذلك نسبة للفعل "زارَ"، في إشارة إلى زيارة أرواح الزار لأجساد النساء اللائي يعانين من أعراضه حسبما ما يسود من اعتقادات حول  الزار، وليس هنالك ما يشير إلى أن الزار كتقليد هو سوداني المنشأ.

الزار يصنف على أنه أحد الظواهر الاجتماعية والتي يسود فيها اعتقاد جازم بأن هنالك أرواح خفية لا علاقة لها بالشياطين أو الجن لها القدرة على أن تحل في جسد شخص معين

وحسب تعريف خبراء، فإن الزار يصنف على أنه أحد الظواهر الاجتماعية والتي يسود فيها اعتقاد جازم بأن هنالك أرواح خفية لا علاقة لها بالشياطين أو الجن لها القدرة على أن تحل في جسد شخص معين بحيث تصبح شخصيته مطابقة تمامًا لشخصية الروح، والتي يكون لها طلبات معينة يجب على المريض تنفيذها.

تقول السيدة حليمة محمد (65 عامًا)، لـ"الترا سودان"، إنها كانت مع جارتها عندما أخرجت زجاجة الخُمرة (وهينوع من العطور السودانية) وتجرعتها في رشفة طويلة واحدة لم تنتهي حتى فرغت من الزجاجة بالكامل، وتسترسل أنها كانت لا تدرك ما يحدث لصغر سنها في ذلك الوقت، وشعرت بشيء من الخوف، وبالرغم من ذلك فقد آثرت أن تتحدث معها وتسألها عما يجري لها، فبدأت تنادي جارتها، بينما ظلت الأخرى تتراقص أمام المرآة ضاحكة، وأصبحت تنادي بين الفينة والأخرى "أنا نورة.. أنا نورة"، وصاحبت هذه النداءات قهقهات عالية تشبه ضحكات الراقصات بالرغم من وقار جارتها المعهود، وطلبت جارتها بينما هي في تلك الحالة -حالة نورة- بأن تقوم بتركيب سن ذهبية بدلًا عن نابها الأصلي، وبعدما عادت لطبيعتها أكدت حليمة أنه لم تكن تذكر شيئًا مما كان يجري معها بحسبما أفادت.

أسباب نفسية

"كلما قويت عوامل الكبت وتعددت، كلما زادت وسائل الإفصاح شذوذًا وغرابة"، هكذا وصف كتاب "الزار والطمبرة" في السودان للمؤلفين الدكتور أحمد الصافي والدكتورة سميرة أمين عادة الزار في تحليل للحياة النفسية للمرأة، وأشار الكتاب إلى "مركب النقص" الذي تعاني منه المرأة كأحد أهم الظواهر السلبية التي أدت إلى ترجمتها بهذه الطريقة. وأرجع الكتاب سبب ذلك إلى في عدم المساواة بين الرجل والمرأة في الحقوق الاجتماعية، إضافة إلى سيطرة الرجل الجنسية على المرأة وتعرضها للخفاض و"الشلوخ" وغيرها من الممارسات العنيفة التي يتعرض لها جسدها.

ويأتي الشعور بالخطيئة الذي عادة ما يلازم المرأة والنابع من المفهوم السائد (فتش عن المرأة) والذي يتهمها بأنها سبب لكل الشرور، معللًا ذلك بحادثة نزول سيدنا آدم عليه السلام من الجنة، وسجن سيدنا يوسف عليه السلام الذي كانت وراءه امرأة العزيز.

نساء يضربن الدفوف ضمن طقوس الزار
ينتشر الزار في العديد من الدول العربية (Getty)

والجدير بالذكر أن هذا الشعور هو  أحد الأسباب التي جعلها تنخرط في مثل هذا النشاط،، وذلك بجانب الشعور بالجوع الوجداني النابع من عدم مقدرة المرأة على الوصول إلى الشبق الجنسي جراء عملية الختان الذي كان يمارس قديمًا بكثرة وبشكل سافر، إضافة إلى حرمانها من بعض ما يصنف على أنه ملذات الحياة دونًا عن الرجل. 

وحسبما ذكر الكتاب فإن الصورة النهائية للباحثين عن الزار صنفته كأحد الأمراض النفسية الهستيرية، وذلك لأن السبب الرئيسي لحدوث الأمراض النفسية هو الهروب من الواقع، والذي يحدث جراء الصراع النفسي الدائم والذي تنسد عليه مسالك التنفيس ليؤدي في نهاية المطاف إلى الفرار من الحياة الشعورية، فالزار أو الهستريا يعتبر من الأنماط اللاشعورية من السلوك الذي تقوم به المرأة من أجل الإفصاح عن تلك الرغبات المكبوتة التي تمتلكها.

طقوس الزار

"جر الخيط" هو أحد الطقوس المتعلقة بمشايخ الزار، وهم الشخصيات التي تتلبس المرأة، نذكر منهم الأشراف والعرب والتكارين والذين تنحدر منهم مجموعة من الشخصيات كل منها له أزياءه، فعلى سبيل المثال يتميز الأشراف بشكل عام بارتداء جلابية ولباس من الدبلان وشال بلون أخضر، وفي بعض الأحيان شمسية. بينما يميز العرب الكوفية والخنجر والخلخال. والتكارين يرتدون "الجلابية السكروتة" أو "جلابية الدمور" بشكل عام.

ويصاحب الزار موسيقى معينة خاصة به، وهي ذات صيغة مقتضبة وتعتمد على التكرار بشكل كبير بحسب كتاب "الزار والطمبرة في السودان"، وتأخذ هذا النهج كوسيلة لتعميق الإحساس لدى الحضور. 

وبحسب شهادات، يقام الزار في بيت المرأة المريضة بحضور شيخة الزار والتي يجب أن تتصف بعدم رغبتها في الرجال، إضافة إلى كونها مطلقة أو أرملة، ومهمتها هي الإشراف على حفل الزار بشكل كامل، إضافة إلى تشخيص حالة المريضة كونها تلعب دور الوسيط بين المريض والأرواح.

بداية تقوم الشيخة بتنفيذ الطقس الأول وهو فتح العلبة وهي علبة معدنية بها نوع من البخور يقال أنه متعلق بتصنيف الأرواح، وذلك من أجل تحديد الروح التي تلبست المريضة، وغالبًا ما تستمر طقوس الزار لأسبوع كامل، وفي أحيان أخرى ثلاثة أيام، على أن تبدأ في يوم الأربعاء بحضور الأهل والجيران والنساء اللواتي يعانين من مرض الزار. ومن الضروري أن تنتهي هذه الفعاليات بذبح حيوان نسبة لارتباط الدم ارتباطًا وثيقًا بطقوس الزار.

الجدير بالذكر أن مثل هذه العادات بدأت في الاندثار بعد انتشار التعليم في الأوساط النسائية

والجدير بالذكر أن مثل هذه العادات بدأت في الاندثار بعد انتشار التعليم في الأوساط النسائية، إضافة إلى فرض عقوبات من قبل حكومة الإنقاذ التي حكمت لثلاثة عقود على المروجين للزار وممارسيه، لكنها ظلت في طاولة الدراسات والمناقشات لعقود، وبالرغم من ذلك ظل يصاحبها بعض الغموض. 

بانر الترا سودان