10-فبراير-2024
طقوس الزواج عند البني عامر

طقوس زواج قبيلة البني عامر في السودان (فيسبوك)

 من جغرافيا السودان المتنوعة لا تزال قبيلة البني عامر تطل بطقوسها المتميزة، خاصة فيما يتعلق بالزواج الذي أضفت عليه عادات وموروثات قبيلة البني عامر الكثير من الطقوس المختلفة التي جعلته أكثر بهجة، ويمتد التجمع السكاني لهذه القبيلة شرقي السودان بولاياته الثلاث المتمثلة في بورتسودان، كسلا والقضارف، وهي إحدى القبائل العربية التي هاجرت إلى إفريقيا منذ القدم، وبحسب مؤرخين ينتهي نسب قبائل البجة إلى كوش بن كنعان، والجدير بالذكر أن قدماء المصريين أطلقوا اسم   (تشر) TASHAR على مناطق البجة والتي تنتمي إليها قبيلة البني عامر، ويترجم هذه الاسم إلى الأرض الحمراء في إشارة منهم إلى تمييزها عن وادي النيل الذي كان يحمل اسم كيمي والذي يعني الأرض السوداء.

يقدم العريس مقدار أوقتين من الذهب أي ما يعادل (62)جرام تقريبًا للعروس حسب تقاليد الزواج في قبيلة البني عامر السودانية

وبالحديث عن طقوس الزواج  لدى البني عامر نجد أنهم لا يتزوجون إلى من أبناء وبنات القبيلة، ويقتصر على أبناء العمومة ومن ثم بنات القبيلة حسب درجة القرابة، بحيث يمنع بشكل قاطع الزواج خارج إطار القبيلة، فيما بدأت هذه العادة تندثر الآن، إلا أن آثارها ما زالت موجودة بشكل طفيف في مجتمعاتهم، و يقدم العريس مقدار أوقيتين من الذهب أي ما يعادل  (62) جرام تقريبا بمعدل(31) جرام للأوقية الواحدة، وتتزين العروس بالتلال وهو سلسلة ذهبية تثبت على الرأس إضافة الزمام والأقراط.

الطقوس.. كيف تبدأ؟

يبدأ البني عامر طقوس الزواج بالخطبة والتي تحمل طابعًا مختلفًا لديهم عن بقية القبائل، بحيث تقول أميرة حسين  لـ"الترا سودان" وهي إحدى فتيات القبيلة إنه عندما يتم خطبة الفتاة من وليّها بعد أن تتم الموافقة يُناول العريس ما يسمى بـ"القصلة"، وهي عبارة عن جذع أخضر تناول للعريس أمام الجاهة التي حضرت لإتمام خطبته، والجاهة هي عبارة عن وفد من أسرة العريس غالباً ما يضم والده وشقيقه الأكبر ووجهاء من العائلة، وتضيف أميرة أنه عندما يتناول العريس القصلة يربطها على عمامته بعد أن يقول "قبلت قصلتها على سنة الله ورسوله" ثم تختتم هذه المراسم بقراءة سورة الفاتحة من أجل أن يكون الزواج مباركاً، ومن ثم تنطلق الزغاريد والتبريكات من قبل الحضور.

وباستلام العريس للقصلة لا بد من تحديد قيمة المهر بحسب أميرة، والتي تؤكد أن المهور في قبيلة البني عامر تقدر بالإبل وتدفع لعائلة العروس، والجدير بالذكر أن المهر يتناسب تناسبًا عكسيًا مع درجة القرابة، فكلما زادت درجة قرابة العروسين قلت قيمة المهر في زيجات البني عامر، ومن ثم تأتي مراسم الزواج الرسمية من "حنة" وغيره والذي تصفها أميرة بالباهية، حيث تزف العروس في هودج محمل على جمل، ولا تنزل العروس من على ظهر الجمل إلا بعد أن يذبح لها شاه فتنزل وتتخطى دماءه المسفوحة على الأرض.

طقوس الزواج لدى قبيلة البني عامر
المشاط المستخدم في تجهيز العروس في طقوس الزواج لدى البني عامر

مراسم الزواج

بحسب دراسة نشرت للباحث حسام أبو العوايد العامري على موقع دنيا الوطن يؤكد فيها أن مراسم زواج قبيلة البني عامر  تتم دائما في بداية الشهر العربي، بحيث يتولى أهل العريس تحديد موعد الزواج، وعادة ما يكون الزواج في ليلة الاثنين أو ليلة الجمعة، وقبل ليلة العرس تقام سباقات الخيل أمام منزل صاحب المناسبة، ويزين المنزل بالرايات البيضاء ويجلس الرجال للمسامرة، وفي يوم الزواج يأتي المهنئون يحملون معهم "القود" وهو عبارة عن رأس شاة معها بعض الدقيق والقهوة، فيما يرد أهل العريس هذه الهدايا في أقرب مناسبة تقام عند الشخص الذي قدمها لهم.

وعند الظهيرة يذهب العريس إلى منزل العروس برفقة امرأة كبيرة  في السن كأمه أو عمته وأحد أصدقائه لاصطحاب العروس، ويرافقهم "القطار" وهو مجموعة من الجمال التي ترافق هودج العروس، وأشار الباحث في مقاله إلى أن العروس  تربط بالـ"الزمال" وهو نوع من الحبال تثبت به العروس على ظهر الجمل، ويعود ذلك لممانعتها ورفضها لفراق أهلها، ويودعها والدها وإخوتها في تلك الساعة، وذلك لأنهم غير معنيين بحضور بقية مراسم الزواج حتى لو كان العريس ابن عمهم.

يتم إتمام مراسم الزواج من خلال ذبح شاة أمام الخيمة الخاصة بالعروس التي تدخل إليها بعد أن تتخطى دماء الشاة

يتوجه ركب العروسين إلى البرزة وهي خيمة بالقرب من منزل أهل العريس تمم فيها مراسم الزواج،  ولا تدخل العروس إلى البرزة إلا بعد ذبح "الحلية" وهي الشاة التي تذبح للعروس وتتخطى دماءها، وهي تعتبر بمثابة إعلان إتمام للزواج، ومن ثم تقام الوليمة في المساء ومعها الأهازيج والأفراح بطقوسها الخاصة حسب عادات فروع قبائل البني عامر، فالبعض لا تكتمل لديهم الأفراح إلا بالبطان وهي عادة يقوم فيها العريس بجلد عدد من المعازيم لإثبات رجولتهم وصبرهم. بعد انتهاء المراسم تمكث العروس في خيمتها لمدة (7) أيام، ولا تغادر العروس الخيمة بينما يغادرها العريس صباحًا ويعود إليها في المساء، وبعد ذلك تذهب برفقة زوجها إلى منزل أهله.

والجدير بالذكر أن العروس عندما تغادر الخيمة تذهب إلى عين الماء مصطحبة معها جرة، وتقوم بإلقاء حبات من الشعير وبعض النباتات العطرية أو القرنفل في المياه ومن ثم تقوم بملء الجرة، وهذه العادة لها مدلولات جميلة، فالشعير يدل على الخصوبة وذلك من أجل إنجاب الأبناء، فيما تدل المياه على امتداد الحياة والعمر، والنبات العطري ذو الرائحة الحلوة كناية عن المحبة والحياة الرغيدة.

ويتميز السودان بمجتمع يغلب عليه طابع التنوع، الأمر الذي جعل منه أرض خصبة لكثير من الحضارات والعادات والموروثات ذات القيمة الثقافية الثرة، وجدير بالذكر أنه يغلب على أبناء القبيلة طابع التكاتف والتعاون، الأمر الذي يفشي روح الإخاء والسلام بين أبنائها.