أقر الرئيس المخلوع عمر البشير بتنفيذ الانقلاب العسكري في حزيران/يونيو 1989، وقال إن منفذي الانقلاب استندوا على فشل الإدارة السياسية في تسيير شؤون البلاد والتذمر وسط الجيش في عهد رئيس الوزراء الأسبق الصادق المهدي.
وأشار البشير في شهادته أمام المحكمة في مبنى معهد علوم القضاء شرق العاصمة اليوم الثلاثاء، إلى أنه يتحمل كل المسؤولية عما تم في الثلاثين من حزيران/يونيو 1989 مضيفًا أن "الاعتراف سيد الأدلة".
استدل البشير أمام المحكمة بتصريح شهير لوزير الخارجية الأسبق الشريف زين العابدين في دفاعه عن الانقلاب العسكري
ونقل البشير لقاضي المحكمة أنه تابع جميع الشهادات أثناء سير المحكمة و"كان مستمتعًا بالشهادات".
وقال الرئيس المخلوع عن السلطة في نيسان/أبريل 2019 عقب تجمع مئات الآلاف من السودانيين قرب القيادة العامة للجيش في العاصمة الخرطوم، إن كل أعضاء مجلس ثورة الانقاذ الوطني ضباط من الجيش ولا علاقة للمجموعة المدنية بالانقلاب فيما يتعلق بالتخطيط والتنفيذ، وزاد قائلًا: "الانقلاب نفذته كوكبة من ضباط القوات المسلحة يمثلون وحداتهم العسكرية".
وأضاف: "ما في مدني دخل معنا وما كنا محتاجين مدنيين يساعدونا، دا عمل عسكري بحت".
لم أطمع في السلطة
وقال البشير إن هدفه لم يكن الانفراد بالسلطة، ولفت إلى أن النظام السياسي عقب الانقلاب كان بحاجة إلى الخبرات والكفاءات، وفتحنا حوارًا مع جميع القوى السياسية ووجهنا الضباط المسؤولين عن الاعتقالات بعدم إساءة معاملة المحتجزين سياسيًا.
وتابع: "حينما قررنا اعتقال زعيم طائفة الختمية والحزب الاتحادي الديمقراطي محمد عثمان ميرغني لم يعثروا عليه بمنزله بالخرطوم 2، وأنا منعت القوة المسؤولة من اقتحام المنزل والدخول عنوة إلى السيدات الشريفات".
وأردف البشير: "كلفنا القيادي في الحزب الاتحادي يوسف محمد يوسف بالاتصال بالميرغني، ووافق الأخير على الاعتقال أو التحفظ عليه وطلبت من قوة الاستخبارات عدم إيداعه المنطقة المركزية بالخرطوم".
وتابع : "تم استخدام سيارة من طراز كريسيدا وتم إخطاره أنه إذا لم يكن جاهزًا للاعتقال يمكن للقوة العسكرية المجيء في اليوم الثاني، ووافق على ذلك وسمحنا له بالعلاج وغادر إلى القاهرة ولم يعد إلى السودان".
معاملة كريمة
وحول التعامل مع إمام الأنصار ورئيس الوزراء الأسبق الصادق المهدي أعلن البشير أن منفذي الانقلاب تواصلوا مع القيادي الراحل عمر نور الدائم، وتم الاتصال بحزب البعث أيضًا لبدء مؤتمرات الحوار.
وقال البشير إن نظامه العسكري الجديد آنذاك أطلق حوارًا شاملًا مع القوى السياسية وغالبية الأطراف لبت الدعوة كما لبى آخرون، ومن بينهم عبد الباسط سبدرات وهو عضو سابق في المعارضة واليوم رئيس هيئة الدفاع عن المتهمين في انقلاب 1989.
وقال البشير إن الوحدات العسكرية في ذلك الوقت كانت تمر بفترات عصيبة، وكانت الأسلحة المستخدمة في الحرب الأهلية في جنوب البلاد رديئة إلى جانب مذكرة القوات المسلحة في حزيران/يونيو 1989 التي أظهرت حالة التذمر وسط الجيش.
واستدل البشير أمام المحكمة بتصريحات شهيرة لوزير الخارجية الأسبق في حكومة الصادق المهدي - الشريف زين العابدين الهندي والذي قال "الديمقراطية لو شالها كلب ما بنقول جر" أي لن نرفض.
وقال البشير أمام المحكمة إنه دخل مبنى القيادة العامة يوم الانقلاب ووجد ترحيبًا من الجنود والضباط، كما وجد الانقلاب ترحيبًا كبيرًا في اليوم الثاني.
النكوص سبب الحرب
ولفت البشير إلى أن خطاب الانقلاب ومذكرة القوات المسلحة تطرقا إلى أهمية السلام في السودان، وعند تشكيل مجلس الوزراء عقب الانقلاب أرسلنا القيادي في الجبهة الاسلامية محمد الأمين خليفة إلى أديس أبابا للقاء الراحل دكتور جون قرنق. محتوى الرسالة أن النظام السياسي الجديد في السودان قادم للتغيير الحقيقي، وعرضنا عليه المشاركة في مجلس الوزراء ولم يصلنا الرد لأن السلطات الإثيوبية حالت دون ذلك وتسلمت الخطاب ولا ندري هل تسلم قرنق الخطاب أم لا.
وتحدث البشير عن اللقاءات التي تمت مع الحركة الشعبية بزعامة الراحل الدكتور جون قرنق وصولًا إلى مؤتمرات مشاكوس في كينيا، ولقاء آخر في أبوجا في العام 1991 مع مجموعة الناصر بقيادة رياك مشار.
وأعرب البشير عن أسفه أن الحركة الشعبية لم توف بالبنود المتفق عليها في اتفاق السلام بعد رحيل جون قرنق، وقال إن الرئيس سلفاكير ميارديت أعلن في واشنطن أن الحركة مع خيار الانفصال.
إنجازاتنا كبيرة
وأردف: "ثورة الإنقاذ الوطني كانت لديها إنجازات كبيرة ولا تكفي هذه الجلسة لسردها لأنها تحوي مجلدات ضخمة في كل المجالات، والحديث عن الطرق والمطارات وما هي حالة الطرق بعد أبريل 2019 وقبل ذلك".
وأوضح البشير أن نظامه تمكن من بناء مشاريع الكهرباء وتوسيع التعليم والجامعات وقفز العدد من (4.5) ألف طالب في ذلك الوقت إلى مئات الآلاف من الطلاب خلال سنوات حكمه.
ويحاكم البشير و(27) من قيادات الحركة الإسلامية بتهمة تنفيذ الانقلاب العسكري في 1989 وتقويض النظام الدستوري، وهي جريمة تصل عقوبتها إلى الإعدام حال ثبوت التهم.
وبدأت هذه المحاكمات منذ 2019 ولا تزال مستمرة بعد أن توقفت قرابة العام منذ تشرين الأول/أكتوبر 2021 بالتزامن مع الانقلاب العسكري الذي أطاح بالحكومة المدنية التي تشكلت بعد سقوط نظام البشير في 2019.