08-أغسطس-2023
العاصمة النيجرية نيامي (Getty)

العاصمة النيجرية نيامي (Getty)

كل الدلائل تشير إلى أن المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا المعروفة اختصارًا بـ"إيكواس" قد لا تنفذ تهديدها بالتدخل العسكري لحماية شرعية الرئيس المنتخب محمد بازوم الذي أطاح به الجيش في دولة النيجر، والتي قد تخسر "ديمقراطية ناشئة" في هذا البلد الفقير تنمويًا لكن الغني بالموارد خاصة الذهب واليورانيوم.

في 26 تموز/يوليو الماضي تقدم الجيش إلى القصر الرئاسي مقر إقامة بازوم المنتخب منذ العام 2021، حيث تسلم الرجل المدعوم من الحزب الحاكم السلطة من رئيس منتخب أيضًا.

وبالانقلاب العسكري الذي فرضه الجيش في النيجر فإن هذه الدولة التي تجاور الجزائر ونيجريا وتشاد ومالي تدخل في نفق مظلم، ومن بين المخاوف حرب أهلية.

هددت مجموعة "إيكواس" ذات النفوذ السياسي والعسكري بالتدخل بالقوة وفرض "شرعية بازوم" في النيجر

وهددت مجموعة "إيكواس" ذات النفوذ السياسي والعسكري بالتدخل بالقوة وفرض "شرعية بازوم" في النيجر إذا لم يتراجع جنرالات الجيش عن الانقلاب. ورغم أن هذه التهديدات أخذت على محمل الجد في معسكر الجيش، لكن تنفيذ تدخل عسكري قد لا يكون خيارًا مدعومًا من قبل الولايات المتحدة الأمريكية التي تعاملت بفتور مع هذه التهديدات دون تأييد أو حماس.

وكانت واشنطن قد نفت وجود مؤشرات على مساعدة فاغنر للجنرلات في النيجر في الانقلاب على بازوم. وربما يفسر ذلك النفي أن الولايات المتحدة ترى أن الانقلاب في النيجر جاء من مجرد رجال جيش لديهم طموح في السلطة، وفي هذه الحالة فإن واشنطن تتعامل بـ"سياسة الأمر الواقع" أو "حكومة الأمر الواقع" في النيجر، فهي لن تضغط لاستعادة شرعية بازوم طالما أن الجنرالات قد يكونوا حلفاء لها وبمنأى عن روسيا، ولكن هل هناك ضمانات لتحقق ذلك مستقبلًا؟

للإجابة على السؤال نرى تقارير تتحدث عن لجوء جنرالات من الجيش إلى مالي للحصول على خدمات شركة فاغنر الروسية ذات الأنشطة المتعددة في أفريقيا والمتصلة بالأنشطة العسكرية، والتي تشمل التدريب وشبكات الاتصالات العسكرية وغيرها من الخدمات.

إن وجود ضمانات قوية على أن الجيش في النيجر لن يقيم علاقات عسكرية مع فاغنر قد يكون مطلوبًا بالنسبة الولايات المتحدة لغض الطرف عن استعادة شرعية بازوم، التي في كل الأحوال ووفق كل المؤشرات لن تعود. 

https://t.me/ultrasudan

في ذات الوقت لا تريد الولايات المتحدة فتح الباب أمام التدخل العسكري في النيجر بواسطة الإيكواس ولجم الجنرالات واعتقالهم وإعادة شرعية بازوم، وتخشى واشنطن من تحول التدخل العسكري من الإيكواس إلى صراع واسع النطاق خاصة مع استعدادات مالي وبوركينا فاسو لحماية النظام العسكري الذي يتشكل في النيجر.

وإن تمكنت الولايات المتحدة إلى حد ما من استعادة شرعية رئيس الوزراء عبدالله حمدوك في تشرين الثاني/نوفمبر 2021 بتوقيع اتفاق مع قائد الجيش يمهد الطريق أمام إنهاء الانقلاب، إلا أن فشل نموذج السودان قد لا يغري واشنطن بالمزيد من المغامرة في أفريقيا، مع الوضع في الاعتبار أن الولايات المتحدة استخدمت الدبلوماسية الناعمة حيال انقلاب السودان.

أما فرنسا المتضرر الأكبر من انقلاب النيجر والتي تعتمد على اليورانيوم المصدر من هذا البلد لتشغيل المفاعلات النووية لتوليد الكهرباء إلى جانب شحنات الذهب، فهي تقف حيال الأزمة في مفترق طرق، وذلك لأن باريس لا تملك النفوذ الكافي مثل واشنطن لفرض عقوبات مباشرة إلا عبر التأثير على الإيكواس أو الاتحاد الأوروبي أو مجلس الأمن الدولي، لذلك تشجع فرنسا التدخل العسكري عبر الإيكواس لعل هذا الخيار يفرض بعض الحلول وإن لم تكن مثل شرعية بازوم الانتخابية.

تملك فرنسا مصالح مباشرة في النيجر أغلبها اقتصادية

وتملك فرنسا مصالح مباشرة في النيجر أغلبها اقتصادية، حيث تعمل الشركات الفرنسية في العاصمة نيامي في مشاريع التنمية والإشراف على التقنيات العاملة في المطارات بواسطة شركات فرنسية استثمارية. وخسرت باريس للعام الثاني على التوالي نفوذها في مالي وفي بوركينا فاسو وأخيرًا النيجر بالانقلابات العسكرية المناوئة لها تمامًا وتقف على النقيض منها بتشجيع من روسيا التي لا تخفي دعمها لهذه الأنظمة العسكرية.

وفي كل الأحوال لن يتراجع الجيش في النيجر عن طموحه في السلطة وتشكيل حكومة تصريف أعمال أو طوارئ أو حكومة انتقالية، وسيكون مستقبلها محكوم بمدى علاقتها بالولايات المتحدة أو روسيا.