07-أكتوبر-2015

محتجون في درمان 2013 (Getty)

في قصة "هاري بوتر" لـ جوان رولينج، يُرهب الساحر الشرير "فولدمورت" وعصبته "آكلو الموت"، مجتمع السحرة، قبل أن تتنبأ إحدى العرافات بأن طفلًا مولودًا في شهر حزيران/يونيو، سيقضي على "سيد الظلام" الذي يخشى السحرة نطق اسمه، ويشيرون إليه بـ"أنت تعرف من – أنتم تعرفون من". 

يبدو التشابه مذهلًا بين "آكلي الموت" في قصة "هاري بوتر" وعضوية الحزب الحاكم في السودان

جعلت النبوءة "فولدمورت" يسعى لقتل الرضيع "هاري"، ابن الساحرين المناوئين لـ"فولدمورت"، لكن محاولة القتل تلك ترتد عليه وتحطّمه وينجو الطفل. وبعد عودته مرة أخرى للحياة، يجعل سيد الظلام "فولدمورت" وأتباعه، هدفهم هو قتل "هاري"، بينما قسّمت عودة الساحر المسيطر، مجتمع السحرة إلى مقاومين سلبيين تمثلهم "وزارة السحر" ووزيرها الذي يبلغ منتهى همه الحفاظ على كرسيه، قبل أن تسقط الوزارة في النهاية نتيجة للاختراق والفساد، في يد ساحر الظلام "فولدمورت". وإلى مقاومين مسلحين هم "جماعة العنقاء" قليلة العدد قوية التأثير التي يجمعها هدف القضاء على سيد الظلام، وأيضًا بقية السحرة الذين تسيطر عليهم الدعاية الكاذبة لصحيفة "الدايلي بروفيت" قبل أن يسيطر عليها أيضًا "فولدمورت". لكن في النهاية كما نعلم، سقط هذا الأخير بفعل المقاومة التي يقودها طلبة مدرسة "هوجوارتس" لتعليم السحر، ومنهم بالطبع "هاري بوتر" وأصدقاؤه.

اقرأ/ي للكاتب: أنا مع حصار بلادي!

بطريقة ما، ربما تعطينا هذه القصة حمَّالة الأوجه، فهمًا مبسطًا لحال المشهد السوداني منذ ظهور "أنتم تعرفون من"، وأتباعه من "آكلي الموت" في الثلاثين من يونيو 1989. كيف ذلك؟ حسنًا: يبدو التشابه مذهلًا بين "آكلي الموت" وعضوية الحزب الحاكم في السودان، "بتعميم غير مخل"، في الصفات والسلوك والأفعال، ونزعة الشر الأصيلة فيهم، وفي تقديسهم لـ"أنتم تعرفون من"، المسيطر على مفاصل الحياة السودانية تمامًا باستخدام الأجهزة الأمنية التي تماثل "الديمنتورات" في قسوتها وشرّها، وسيطرته على الإعلام ليكذب نيابة عنه مثل "الدايلي بروفيت"، وتحويله المعارضة التقليدية السلبية "وزارة السحر" إلى مجرد ديكور يستغفل به العالم. فيما تحتل الحركات المسلحة قليلة العدد قوية البأس، بامتياز، مقعد "جماعة العنقاء"، فما ظل يوحدها هو فقط محاولة القضاء على "أنتم تعرفون من".

لكن.. أين "هاري بوتر؟" أين الولد الذي نجا؟ في الحقيقة يبدو أن "أنتم تعرفون من" يتحرك بنفس الطريقة، في واقعنا وفي خيال ج. ك. رولينج، فعلى مدى تاريخ المقاومة المدنية لنظام البشير، كان تعامله مع الطلاب بالذات دمويًا، إذ يطلق الرصاص الحي مباشرة دون استخدام خيارات أخرى في مواجهة الطلاب العزل، وما زالت الذاكرة تحتفظ بذكرى قتل طلاب المرحلة المتوسطة في الهلالية عام 1994، وقتلى التظاهرات الجامعية على امتداد سنوات حكم الإسلاميين، وصولًا إلى المقتلة الكبرى في أيلول/سبتمبر 2013 التي أريقت فيها دماء طلاب دون سن العشرين.

اقرأ/ي للكاتب: لمَ لا يلتحقون بـ"داعش"؟

إن ما يفعله "أنتم تعرفون من" السوداني، تجاه الطلاب، يشبه محاولة "فولدمورت" القضاء على الطفل "هاري بوتر" قبل أن يشتد عوده، فكأن "أنتم تعرفون من" الذي يخصنا، يفعل مثل فرعون في قصة موسى الميثولوجية، فهو يأمر بقتل كل طفل محتج عسى أن يصيب "هاري" في صدفة سعيدة. لكن، إن مضى التشابه إلى نهايته بين القصة الخيالية، والقصة الواقعية التي نعيشها هنا في السودان، فليس ثمّ مفر من نهاية "أنتم تعرفون من"، وعسى أن تأتي النهاية تلك، بطريقة أخرى غير الموت "الطبيعي" الذي يطمع حكام العالم الثالث في أن يكون سبيل خروجهم من الحكم. فحتى مع أفعال حاكمنا "أنتم تعرفون من"، التي تعلن بهستيرية: "اقتلوا هاري بوتر"؛ لا يبدو أن القصة هذه تريد أن تخرج عن التقاليد، ففي كل حال ورغم كل تدبير، دائمًا ينجو المقصود، ليصبح بعدها "الولد الذي نجا".. أليس كذلك؟