لم يودع السودانيون أزمة اقتصادية طاحنة تحاصرهم منذ أعوام حتى أطلت حرب منتصف نيسان/أبريل الجاري لتضاعف معاناتهم.
ولم يكن صبري يعتقد أنه سينفق نحو مليون جنيه سوداني لنقل عائلته من العاصمة السودانية إلى ولاية القضارف، لكن هذا ما حدث بالفعل، فقد اضطر إلى سداد مليون جنيه –أي ما يعادل ألفي دولار أمريكي– لسائق سيارة خاصة لإجلاء عائلته لمسافة (500) كيلومتر بين الخرطوم والقضارف شرقي البلاد.
دفع شح الخدمات وندرة الوقود وغياب السلطات العديد من ملاك السيارات والحافلات إلى وضع أسعار عالية على تعرفة النقل بين الخرطوم والولايات
دفع شح الخدمات وندرة الوقود وغياب السلطات العديد من ملاك السيارات والحافلات إلى وضع أسعار عالية على تعرفة نقل الأفراد والمجموعات بين العاصمة والولايات.
ويقول إيهاب الذي غادر الخرطوم قبل يومين متوجهًا إلى ولاية كسلا إنه دفع (100) ألف جنيه –أي ما يعادل (200) دولار أمريكي– نظير مقعد في الباص، ولم يكن أمامه خيار آخر.
ومع تزايد أعداد الفارين من الحرب التي تدور في العاصمة السودانية الخرطوم منذ منتصف نيسان/أبريل الجاري، فإن تكلفة النقل شهدت ارتفاعًا كبيرًا، ولم تتدخل السلطات لإدارة هذه الخدمات في ظل تعليق العمل في المؤسسات بالتزامن مع عطلة العيد.
ويقول حسين الحاج العامل في منظمة طوعية في حديث إلى "الترا سودان" إن السودانيين بحثوا عن حلول خاصة حينما لم يجدوا المساعدات المطلوبة، سواء من الدولة أو الأمم المتحدة التي قال إنها لعبت "دورًا سلبيًا" في عمليات الإجلاء، لافتًا إلى أن المجتمع الدولي ركز على إجلاء رعايا الدول الأجنبية فقط.
ويرى الحاج أن "العالم أهمل وما يزال يتعاطى بضعف بائن مع الكارثة الإنسانية في السودان، ولم يقدم المساعدات المطلوبة" – على حد تقديره. وأضاف: "ينشر المدنيون العالقون في شبكات التواصل الاجتماعي استفسارات عن الطرق الآمنة وهواتف سائقي الحافلات وسيارات الأجرة". "تمكن عشرات الآلاف من مغادرة العاصمة بهذه الطريقة" – يؤكد الحاج.
وحتى مع خروج عشرات الآلاف من الخرطوم التي تشهد هدنة هشة بين الجيش والدعم السريع، ما يزال ملايين المواطنين عالقين في منازلهم في ظل وضع إنساني حرج بوصف المراقبين.
ولم تقدم الأمم المتحدة أي خطط لإجلاء المدنيين العالقين في مناطق تشهد اشتباكات عسكرية بصورة شبه يومية، إذ يشاهد المواطنون مقذوفات صاروخية تقع على مقربة من منازلهم أو فوق الأسقف وتحيلها إلى رماد.
وذكرت دلال التي تقيم في أم درمان بمنطقة قريبة نسبيًا من قاعدة عسكرية تابعة للجيش أن أصوات المدافع والرصاص لم تتوقف منذ (10) أيام حتى خلال ساعات الهدنة.
تقول هذه الفتاة في حديث إلى "الترا سودان" إنهم لم يقرروا مغادرة المنزل. "لا توجد خطط محددة حتى الآن، وربما تدفعنا الظروف المالية وصعوبة الانتقال إلى المكوث في منطقة تشهد اشتباكات مسلحة" – تضيف دلال بحسرة، وتوضح: "أي أنك تضع حياتك وموتك في مرتبة واحدة".
ومع استمرار المعارك يأمل المجتمع الدولي في وقف إطلاق النار وجلوس طرفي الصراع إلى طاولة المفاوضات، لكن رئيس بعثة الأمم المتحدة في السودان فولكر بيرتس أحاط جلسة مجلس الأمن الدولي مساء الثلاثاء بأن الجيش والدعم السريع لا يخططان للتفاوض في الوقت الراهن ويعتزمان الاستمرار في القتال.