02-يوليو-2023
نزح ولجأ ما يقارب مليوني سوداني منذ بدء الحرب (Getty)

نزح ولجأ ما يقارب مليوني سوداني منذ بدء الحرب (Getty)

زهرة إدريس امرأة قادمة من قرية الجلابية جنوب غرب مدينة الأبيض، توجهت للإقامة مع أختها في حي الصحوة هربًا من اعتداءات المسلحين؛ لكنهم لحقوا بها هناك، حيث اعتدت قوة من الدعم السريع -حسب قولها- على أختها الحامل في شهرها الثامن وأوسعوها ضربًا هي وأطفالها بزعم أن زوجها يعمل في الاستخبارات العسكرية. هذا الاعتداء اضطرها للنزوح شمالًا بحثًا عن الأمان، وانتهى بها المقام في حي كريمة بمدينة الأبيض الذي يضم  سبعة معسكرات يؤمها الفارون من جحيم الحرب في الخرطوم وغيرها من المناطق التي تشهد اشتباكات بشمال وجنوب كردفان وولايات إقليم دارفور.

لكن قوات الدعم السريع قد سبق لها أن ذكرت لوفود من الإدارة الأهلية بأن المجموعات المتفلتة التي تقوم بترويع المواطنين بعضها لا يتبع لها والبعض الآخر خارج عن سيطرتها وهي تتعقبهم. وهو قول لا تطمئن له أعداد  مقدرة من أهل الولاية ولا النازحين الذين التقاهم "الترا سودان".

رئيس لجنة الخدمات في قرية "أم قارون": أصبحنا ندفن كل يوم ما بين فردين إلى ثلاثة

أما حبيب محمود رئيس لجنة الخدمات في قرية "أم قارون" التي تقع على بعد (20) كيلومترًا جنوب غرب الأبيض، يقول إنهم فوجئوا بمتفلتين "حرامية" يحملون بنادق ويرتدون ملابس مدنية قاموا بنهب السوق الذي ترتاده أعداد كبيرة من أهل القرى مما أجبر التجار على تجفيفه من البضائع خوفًا عليها من النهب. وعسكر المتفلتون في قسم الشرطة بعد أن قاموا بطرد أفرادها ومهاجمة منزل قائدها برتبة صول وتمزيق الدفاتر بعد أن هرب الرجل.

ويضيف رئيس لجنة الخدمات: "أخذ هؤلاء اللصوص يهاجمون المنازل في مناطق "البركة" و"الرجيلة" ومناطق أخرى، وقتلوا في طريقهم أكثر من (13) من المدنيين"، وقال لـ"الترا سودان" في حسرة: "أصبحنا ندفن كل يوم ما بين فردين إلى ثلاثة، وكان المسلحون يستهدفون قبيلة البرنو". ولفت حبيب إلى أنهم لم يستطيعوا إبلاغ الجهات الرسمية لأن الطريق إليها مقفلة بقوات الدعم السريع، وأن الإدارة الأهلية غير موجودة بعد هروب العمدة إلى منطقة "أبوكرشولا".

تحت ضغط هذه الظروف نزح سكان (18) قرية إلى مناطق الرهد والأبيض وأبوكرشولا والحمادي وكازقيل والفرشاية غربي الدلنج، تلك المدينة التي تقع في كردفان الجنوبية والتي كانت قوات عبدالعزيز الحلو قد هاجمتها قبل عدة أيام، مما يعني أن النازحين  إلى ضواحيها ربما يواجهون ظروفًا أمنية لا تقل تعقيدًا عن تلك التي تركوها خلفهم في  تجمع قرى "البركة".

تشهد الأسواق في مدينة الأبيض شحًا في المواد الاستهلاكية ومخاوف من هجمات اللصوص
تشهد الأسواق في مدينة الأبيض شحًا في المواد الاستهلاكية بسبب الحرب وسط مخاوف من هجمات اللصوص

نتيجة لهذه الأوضاع، الأسر التي نزحت إلى الأبيض والبالغ عددها (26) أسرة يصل عدد أفرادها إلى (156) فردًا، تجمعت أمام مدرسة المزدلفة الأساسية للبنات في حي كريمة شمال المدينة وفقًا لحبيب محمود، والذي أوضح أن رئيس مجلس الآباء قد سمح لهم بالبقاء في المدرسة شرط المحافظة على النظافة وسلامة المباني والمحتويات. وأضاف: "منذ قدومهم يواجهون ظروفًا صعبة أجبرهم على احتمالها البحث عن الأمن الذي أصبح مقدمًا على ما سواه من احتياجات حياتية، فالمساعدات المقدمة لهم من الجهات الرسمية ليست في مستوى حاجتهم".

زهرة إدريس قالت إن زوجها الذي كان يعمل في شركة بالخرطوم اضطر للعمل في "درداقة" بصحبة طفليه بسوق الأبيض، وتنتظر الأسرة المكونة من عدد كبير من الأطفال عودتهم في نهاية اليوم بما يتحصلون عليه من أموال محدودة حتى يتذوقوا الطعام. وأكدت إدريس لـ"الترا سودان" على أن الجهات الرسمية وحتى الشعبية لم تصلهم.

https://t.me/ultrasudan

أما رئيس لجنة الخدمات في قرية "أم قارون" حبيب محمود فيشير إلى أن محلية "شيكان" كانت قد زارتهم ممثلة في شخص المدير التنفيذي، وسألتهم عن احتياجاتهم ووفرت لهم جوال سكر وجركانة زيت وستة مشمعات وأباريق. كما تعهد المدير التنفيذي بتوفير "بلك" للحمامات غير المسورة، ولكنه لم يحضره. كما زارتهم منظمة بلان سودان  ووفرت فرشة ومشمع لكل أسرة.

النقص في احتياجات تلك الأسر يسده الجهد الطوعي للمواطنين في حي كريمة وفق جهود يقوم بها إمام الجامع ولجان المقاومة بالحي. وفي هذا الصدد يشير كل من د. عصام الدين أحمد والمهندس حسن عيسى أعضاء لجان المقاومة بحي كريمة، إلى أن هذه المعسكرات تجمعت في السادس عشر من الشهر الماضي حين بدأ النزوح نحو الأبيض من تجمع قرى "البركة" على بعد (40) كيلومترًا بالتقريب في الاتجاه الجنوبي الغربي للأبيض، واستضافت الفوج الاول مدرسة المزدلفة الأساسية بنات، ثم مدرسة الكوثر الأساسية بنات.

وقبل أن يتوجه هؤلاء النازحون إلى مقرهم الحالي، كانوا يقيمون في مدارس الصناعية بنين وسط الأبيض ومدرسة اليرموك في حي الرحمة إلى الغرب، ومدرسة العمدة عبدالعزيز في نفس الحي.

تعاني مدينة الأبيض في شمال كردفان من شح حاد في مياه الشرب والكهرباء بسبب الحرب
تعاني مدينة الأبيض في شمال كردفان من شح حاد في مياه الشرب والكهرباء بسبب الحرب

ويقدر عدد النازحين الآن في مدينة الأبيض بخمسة آلاف شخص،  يقيم ألفان منهم مع ذويهم وثلاثة آلاف تتقاسمهم المعسكرات بحسب إفادة غرفة الطوارئ المشتركة بمدينة الأبيض، كما أفادنا بذلك عضوا لجان المقاومة المشار إليهما.

ويمضي عصام وحسن للقول بأنه خلال الأسبوع الأول من النزوح لم تكن هناك أية جهود رسمية من قبل الدولة لمقابلة احتياجات النازحين الذين يتوزعون على سبع مدارس. وكانت المساعدات تأتي من سكان الحي ولجان المقاومة وبعض الناشطين بحي كريمة.

جهود الدولة وفقًا لعضوي لجان المقاومة بحي كريمة في مدينة الأبيض بدأت في الأسبوع الثاني من شهر حزيران/يونيو، حيث وفرت محلية شيكان ومنظمة العون الإنساني "تانكر" مياه يطوف على المعسكرات، كما وعدت المحلية بزيادة عدد المراحيض ورش المعسكرات بالمبيدات وتوفير أدوات النظافة، ولم تفِ بذلك حتى الآن. لكنها وفرت مواد تموينية لمدة يومين، كانت غير كافية لسد الحاجة التي رصدتها لجنة الطوارئ بأنها في حدود خمسة جوالات طحين يوميًا غير الاحتياجات الأخرى التي يتم الاعتماد فيها على مساعدات تقدمها منظمة "بلان سودان" ومفوضية العون الإنساني  ومساهمات الأهالي من سكان حي كريمة والأحياء المجاورة، والتي تعتبر حتى الآن العمود الفقري للمساعدات.

زارت معسكرات الأبيض بعض منظمات المجتمع المدني ولكنها لم تقدم مساعدات

ووفرت "بلان سودان" مشمعات بقدر متواضع، وزارت معسكرات الأبيض بعض منظمات المجتمع المدني ولكنها لم تقدم مساعدات، كما زارت إدارة الطب الوقائي التابعة لوزارة الصحة المعسكرات، وفتحت عيادة اعتمدت فيها على المساعدين الطبيين بسبب إضراب الأطباء. كما حولت لجان المقاومة بحي كريمة عيادة الطوارئ خاصتها إلى المعسكرات، وقدمت وزارة الصحة بعض الأدوية الأساسية والمحاليل الوريدية، فيما انتدب الهلال الأحمر أحد كوادره للقيام بعمليات الرصد والتثقيف الصحي.