11-أكتوبر-2023
سوداني وأهرامات السودان

(Getty)

قديمًا في مروي عاصمة الإمبراطورية الكوشية، بنى الكوشيون ما يزيد عن الـ(220) هرمًا؛ إنها أهرامات السودان التي يعود بناؤها إلى القرن الثامن قبل الميلاد، ولم تحظ أهرامات النوبة كما يطلق عليها، على نفس الشهرة التي ظفرت بها أهرامات الجيزة بمصر، والتي تختلف عن الأهرامات النوبية في حجمها، بينما تتميز أهرامات السودان بقاعدتها الصغيرة مقارنة مع أهرامات الجيزة، وجوانبها الأكثر انحدارًا.

ويبلغ طول أعلى هرم ما يقارب الـ(450) قدمًا، فيما تتراوح أطوال أهرامات النوبة الواقعة بشمال السودان من (20) إلى (100) قدم، وتتشابه مع أهرامات مصر في وجود الزخارف التي تملأ جدرانها، بينما تتجه جميعًا نحو الشرق لاستقبال الشمس مع كل صباح جديد.

خبير ألماني: أهرامات مروي صممت بنسق كلاسيكي بديع، واستخدم الكوشيون في تشييدها الحجر الرملي

وتشير دراسات إلى أن الحضارة النوبية سبقت الحضارة الفرعونية بخمسة قرون، والجدير بالذكر أن منظمة اليونسكو أعلنت "جبل البركل" والمواقع الأثرية بجزيرة مروي إضافة إلى منطقتي المصورات والنقعة كمواقع مسجلة في التراث العالمي. 

معمارية أهرامات مروي

في حوار صحفي أجري مع الخبير الألماني فريدريش هينكل والذي كان ضمن البعثة الأثرية التابعة لجامعة هومبولدت في برلين، أكد أن أهرامات مروي صممت بنسق كلاسيكي بديع، واستخدم الكوشيون في تشييدها الحجر الرملي. وفيما يخص خارطة تشييد بناء الأهرام يقول الخبير الألماني أنه بينما كان يتمعن في الأهرامات لاحظ في أحدها خطوط أثارت فيه روح الاكتشاف، وعندما دقق بها وقام بتسجيلها قادته هذه الخطوط للمقاسات الذي صمم عليها الهرم، لافتًا لعبقرية المعماري الذي قام بإنشاء هذه الأهرامات، وأكد أن هذا الاكتشاف من شأنه أن يلعب دورًا كبيرًا في ترميم الأهرام التي تعرضت لأضرار بالغة جراء الإهمال والتنقيب عن الكنوز الثمينة، بحيث قادته هذه الخارطة إلى ترميم ثمانية من الأهرامات.

ويصف الخبير الألماني الأهرامات السودانية أنها تتميز بوجود غرفة أمامية بالاتجاه الشرقي للهرم تحفظ فيها المقتنيات الخاصة بالملك أو الملكة. وتحتوي الغرف أيضًا على رسومات على الجدران تعود لملوك وملكات العهد المروي الذين حكموا  في الفترة من القرن الرابع قبل الميلاد وحتى القرن الرابع الميلادي. ويحتوي الهرم أيضًا على غرفة دفن تقع تحته بعمق (10) أمتار، كما أن هنالك درج للنزول إلى هذه الغرفة، بعكس الأهرامات المصرية والتي تتواجد فيها غرفة الدفن داخل الهرم نفسه.

سياح أسفل هرم كوشي
تعد الأهرامات شمالي البلاد من الوجهات السياحية المهمة في السودان (Getty)

مجوهرات الملكة الذهبية

في غرفة مستطيلة الشكل يبلغ ارتفاعها ما يقارب الخمسة أقدام مربعة، عثر داخل الهرم السادس على قطعة كبيرة مغطاة ببقايا ثوب مهترئ ربما كان من القطن أو الحرير، بينما تبرز من تحت هذه القطعة أربعة قوائم تبدو لسرير مصنوع من الخشب أكد الباحثون أنه نعش الملكة أماني شخيتو التي حكمت في منتصف القرن الأول قبل الميلاد، وعلى الأرضية كانت تتناثر الحجارة المنظومة على خيط بجانب التماثيل والكثير من الحلي الذهبية والتمائم أيضًا، والتي كانت تستخدمها الملكة لزينتها. أول من توصل إلى هذا الاكتشاف هو الطبيب الإيطالي جوزيبي فريليني ويعود ذلك إلى العام 1834 حسبما ورد في كتاب "ذهب مروي" لمؤلفه كارل هانز بريشة، وهو مؤرخ ألماني عمل بتنقيب الآثار في شمال السودان.

وذكر الكتاب أنه جاء  إلى السودان كطبيب عسكري  يساند جيش محمد علي باشا، بينما كان ينتهز الفرص للتنقيب عن الكنوز والتي دمر بسببها رؤوس (40) هرمًا من أهرامات السودان بالديناميت في رحلة بحثه عن الكنوز، حتى عثر على مجوهرات الملكة أماني شاخيتي الذهبية والتي باعها في ألمانيا التي كانت تهتم بالمجوهرات الأثرية في ذلك الحين، وذلك بعد أن أكد عالم المصريات ريتشارد ليبسوس أن هذا الكنز يعود فعلًا إلى الملكة أماني شيختو في العام 1844،  وتوصل إلى هذه النتيجة بعد أن سجل زيارة لمنطقة مروي الأثرية وشاهد الهرم رقم 6 بنفسه. والجدير بالذكر أن هذا الكنز ما يزال موجودًا في المتحف المصري ببرلين ومجموعة المتحف بميونخ، وأكد المؤلف أن هذا الكنز الذهبي يؤكد مدى التقدم الذي حققه إنسان حضارة كوش في مختلف مجالات الحياة، بحيث احتوت هذه الحلي الذهبية على نقوش تحمل ملامح الحياة الدينية وخارطة تداول السلطة بالنظام الملكي في لوحة جسدت المعنى الحقيقي للإبداع.

على الرغم من أن السودان يحتوي على مناطق أثرية عديدة، إلا أنها لم تجذب السياح بسبب الاضطرابات السياسية التي تعاني منها البلاد

وعلى الرغم من أن السودان يحتوي على مناطق أثرية عديدة، إلا أنها لم تجذب السياح بسبب الاضطرابات السياسية التي تعاني منها البلاد، إضافة إلى عدم التسويق الجيد لهذه المناطق، والتي تقع في بيئة صحراوية لا تحتوي على خدمات ضرورية كالمطاعم والفنادق التي من شأنها أن تحيي هذه المناطق الأثرية بالشكل المطلوب.