طالب رئيس مجلس السيادة الانتقالي والقائد العام للجيش السوداني الفريق أول عبدالفتاح البرهان بريطانيا بالاعتذار عن مجزرة كرري التي حدثت في أيلول/سبتمبر 1898، بعد مرور (124) عامًا على المعركة التي خاضها السودانيون في مواجهة القوات الغازية.
لم تكن مطالبة البرهان لبريطانيا بالاعتذار عن مجزرة كرري هي الأولى من نوعها في السودان؛ فقد سبقه نظام البشير في 2016 بالطلب نفسه
وفي مخاطبته ذكرى معركة كرري بأم درمان اليوم الثلاثاء وصف البرهان ما حدث يومها بأنه "جريمة ضد الإنسانية وإبادة جماعية وتطهير عرقي"، مشيرًا إلى أن أكثر من (30) ألف سوداني قتلوا في كرري. وطالب البرهان من فعل ذلك -في إشارةٍ إلى بريطانيا- بالاعتذار للشعب السوداني عن تلك الجريمة.
وأضاف البرهان: "لأربع أيام ظلت قوات المستعمر تقتل السودانيين دون توقف وسط صمت كامل". وأردف أن من قام بذلك كان يهدف إلى كسر شوكة الجيش والمقاتلين السودانيين لمنعهم من المقاومة، مؤكدًا أنها "ظلت متماسكة ومصدرًا للفخر". وتابع: "لم يُهزم أهل السودان يومها وباعتراف من نفذوا المجزرة أنفسهم فقد سطر الجدود يومها ملاحم بطولية". ونوّه البرهان بأن معركة كرري واحدة من "المعارك التاريخية" التي انتصر فيها الشعب السوداني، مؤكدًا أن الجيش السوداني حينها "لم يُهزم ولكن تم تدميره بالكامل".
ودارت أحداث معركة كرري في صبيحة الثاني من أيلول/سبتمبر من العام 1898 بين قوات المهدية السودانية والقوات البريطانية التي ساندتها قوات مصرية في منطقة كرري شمالي أم درمان عاصمة الدولة المهدية. وكان قوام القوات المهدية (60) ألف جندي، فيما بلغ تعداد الجيش الإنجليزي المصري نحو ستة آلاف جندي مسلحين بالمدافع الرشاشة والأسلحة الأوتوماتيكية الحديثة تدعمهم البواخر الحربية. واستخدمت قوات القائد البريطاني "كتشنر" سلاح المكسيم لحصد أرواح مقاتلي المهدية وهو السلاح المحرم استخدامه في الحروب الأوروبية، ويُقال إنه تم تجريبه في معركة كرري.
ولم تكن مطالبة رئيس مجلس السيادة لدولة بريطانيا بالاعتذار عما حدث من مجازر في كرري هي الأولى من نوعها في السودان؛ ففي آب/أغسطس 2016 طالب نظام الرئيس المخلوع عمر البشير بريطانيا بالاعتذار عن مقتل (14) ألف سوداني خلال الحقبة الاستعمارية والوجود البريطاني في السودان.
وفي عام 1899، أعادت بريطانيا مدعومة بقوات مصرية استعمار السودان مرةً أخرى بعد تحقيق الانتصار على مقاومة قوات جيش المهدية وإنهاء تلك الحقبة في السودان.
سبق أن طالب حفيد الخليفة التعايشي السودانيين بضرورة العمل على رد اعتبار السودانيين والقصاص لما حدث في كرري
وسبق أن طالب الراحل محمد داوود الخليفة (حفيد الخليفة عبدالله التعايشي حاكم السودان وقائد جيوش المهدية) السودانيين بضرورة العمل على رد اعتبار السودانيين والقصاص لما حدث في كرري وذلك عبر تجريم بريطانيا ودفعها إلى الاعتذار عن ذلك.
وتساءل حفيد الخليفة في مقالة له: "ألا يحق لنا -نحن السودانيين- أن نرفع الصوت عاليًا لنطالب كلًا من بريطانيا ومصر بالاعتذار للسودان لما ارتكبه الجنرال كتشنر باسمهم من فظائع وجرائم وانتهاك لحقوق الإنسان؟". وأوضح أن ما جعل معركة كرري "مذبحة" هو الاستعمال "الجائر" لمدفع المكسيم المحرّم استخدامه في الحروب الأوربية، لافتًا إلى أنه كان يُطلق (600) رصاصة في الدقيقة الواحدة، ومشيرًا إلى أنه حصد أكثر من (12) ألف شهيد في أقل من خمس ساعات، ثم قتل جميع الجرحى الذين فاق عددهم (16) ألف جريح قتلًا عمدًا – على حد قوله.
وحمّل حفيد الخليفة الذي سبق أن شغل منصب وزير الدفاع في السودان اللورد كتشنر سردار الجيش المصري وقائد الجيش الغازي مسؤولية الفظائع التي تمت في كرري بإصداره أوامر بقتل جميع الجرحى في أرض المعركة (16 ألف جريح) قتلًا مباشرًا "بدمٍ بارد".
ووصف رئيس وزراء البريطاني السابق تشرشل الفظائع التي ارتكبها كتشنر بقوله: "إن النصر في معركة كرري ليتوارى خجلًا من العار الذي لحق به من جراء جريمة الذبح والقتل اللا إنساني لجميع الجرحى في أرض المعركة الذين فاق عددهم (16) ألف جريح ـ والمسؤول عن ذلك هو كتشنر".
مطالبة بريطانيا بالاعتذار لا تُنسي السودانيين المطالبة بمحاكمة من شاركوا في مذابح أخرى في سودان ما بعد كرري وآخرها مذبحة فض الاعتصام
وإذا كان اليابانيون يطالبون الأمريكان بالاعتذار لهم عما ارتكبوه من جرائم وانتهاكات لحقوق الإنسان الياباني منذ أكثر من (60) عامًا مضت، لضربهم هيروشيما وناجازاكي وقتل المئات من الآلاف من السكان الأبرياء -رجالًا ونساءً وأطفالًا- ويطالب اليهود الألمان بالاعتذار لهم وتعويضهم عما ارتكبته النازية وزعيمها هتلر من فظائع وإبادة جماعية لليهود في ألمانيا خلال الحرب العالمية الثانية (1939 - 1945)، ويطالب البوسنيون في يوغسلافيا السابقة الصرب بالاعتذار لهم وتعويضهم عما ارتكبه الصرب في حق شعب البوسنة من جرائم واغتصاب وانتهاك لحقوق الإنسان والقتل والمقابر الجماعية للأبرياء خلال الحرب بينهما في السنوات الماضية، ويطالب المصريون الإسرائيليين بالاعتذار لهم وتعويضهم عما فعله الجنود الإسرائيليون بالأسرى المصريين في صحراء سيناء مما يعد انتهاكًا صارخًا لحقوق الإنسان ولتقاليد الحروب وحقوق الأسرى - فمن حق السودانيين مطالبة بريطانيا بالاعتذار عن فظائع كرري وعن إبادة السودانيين يومها ودفع فاتورة ذلك، وهو أمر يجد دعمًا منقطع النظير، لكن لا ينسى السودانيون أن يُلحقوا ذلك بمطالب أخرى بمحاكمة من شاركوا في مذابح أخرى في سودان ما بعد كرري وآخرها مذبحة فض اعتصام القيادة العامة للجيش السوداني.