يتبادر سؤال إلى أذهان السودانيين خاصةً دعاة السلام بعد ثمانية أشهر من القتال بين القوات المسلحة والدعم السريع، فاقم الأوضاع في هذا البلد الذي انزلق إلى صراع مسلح هو الأعنف والأوسع في تاريخه الحافل بالنزاعات المسلحة.. فهل انهارت فرص السلام؟
ضعف القوى المدنية من أسباب تراجع الحلول السلمية لحرب السودان، وترك مصير ملايين المواطنين بين يدي الجنرالين البرهان وحميدتي
اليوم الخميس الموفق 28 كانون الأول/ديسمبر الجاري، كان من المقرر إتمام اللقاء المقترح من الهيئة الحكومية للتنمية الدولية (الإيقاد) في جيبوتي، بين قائد الجيش السوداني – رئيس مجلس السيادة الانتقالي الفريق أول عبدالفتاح البرهان وقائد الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي).
فجأةً أعلنت جيبوتي عن تأجيل اللقاء بين البرهان وحميدتي. وقال بيان عن وزارة الخارجية السودانية إنها استلمت مذكرة من نظيرتها الجيبوتية مساء الأربعاء تفيد بتأجيل اللقاء لتعذر حضور حميدتي، لتقضي على آمال دعاة السلام في السودان في نجاح اللقاء الذي كان معولًا عليه في تحقيق اختراق في "جمود المفاوضات" بين الطرفين المتحاربين في السودان.
يرى الخبير الدبلوماسي عمر عبدالرحمن أن التأجيل لا يعني انهيار اللقاء بين البرهان وحميدتي. وتوقع في حديث إلى "الترا سودان" تحديد الاجتماع في الأسبوع الثاني من كانون الثاني/يناير المقبل.
ويرجح عبدالرحمن أن التأجيل جاء بطلب من الدعم السريع ليتمكن قائدها الجنرال دقلو من تنفيذ جولة إلى الدول الأفريقية المؤثرة في "الإيقاد". وعد ظهوره لأول مرة منذ بدء الحرب قبل ثمانية أشهر "ضربة إعلامية" للإشاعات التي روجت أن الرجل فارق الحياة طوال الأشهر الماضية.
ولم توضح "الإيقاد" أجندة اللقاء المرتقب خلال الشهر المقبل بين الجنرالين البرهان وحميدتي بوضوح، سوى بعض التكهنات بتوقيع الطرفين على وقف إطلاق نار طويل المدى في السودان في المرحلة الأولية لتحريك الجمود في مفاوضات السلام.
ويقول المحلل السياسي محمد كمال لـ"الترا سودان" إن الاجتماع بين البرهان وحميدتي سيعقد في الشهر المقبل، مستبعدًا انهيار اللقاء كليًا، مع أنه قد ينهار في حال تطورت المعارك بين الطرفين على الأرض – حسب كمال.
ويعتقد كمال أن وسطاء "الإيقاد" لم يضعوا أجندة أو خطوط عريضة تسبق اللقاء بين البرهان وحميدتي، مثل إجراء تفاهمات سرية مع الطرفين لوقف التصعيد العسكري في الوقت الحالي. "في ظل استمرار صوت السلاح من الممكن أن تتلاشى الآمال بشأن هذا الاجتماع" – يقول كمال.
ويقول كمال إن المجتمع الدولي "لا يفعل ما يتعين عليه فعله"، تاركًا السودانيين أمام "حرب تقضي على الأخضر واليابس سلبت حاضرهم وتكاد تسلب مستقبلهم" – حسب تعبيره. وأردف: "ترك العالم السودانيين يواجهون مصيرهم حتى على مستوى المساعدات الإنسانية، تركوا ملايين النازحين لشبان وفتيات يعملون ليل نهار طوعيًا لتوفير الطعام في مراكز الإيواء".
ومع تراجع الآمال فيما يتعلق بالسلام في السودان، خاصةً بعد تأجيل لقاء الجنرالين –البرهان وحميدتي– في جيبوتي، ما زال أحمد ماهر الشاب الذي كان يعمل في بنك بالعاصمة الخرطوم وحول عمله إلى التجارة في سوق عطبرة شمالي البلاد – يأمل في وضع حد لمعاناة ملايين السودانيين بتحكيم الطرفين لصوت العقل.
يقول أحمد وهو ناشط في منظمات المجتمع المدني لـ"الترا سودان" إن الحلول العسكرية تقود الأوطان إلى الفناء. ويرى في الوقت نفسه أن الجيش "في وضع لا يُحسد عليه ميدانيًا مع فقدانه نحو تسع ولايات". لكن ما تزال القوات المسلحة تحاول –في نظر أحمد– استعادة زمام الأمور حتى تتمكن من التفاوض وهي في وضع "جيد ميدانيًا".
ويعتقد هذا الشاب أن هذا الخيار يحمل عدة مخاطر، من بينها تفكك السودان وتحول الحرب إلى قتال أهلي، لا سيما مع دعوات التسليح واسعة الانتشار على الشبكات الاجتماعية.
ويرى أحمد أن ضعف القوى المدنية من أسباب تراجع الحلول السلمية في السودان، لافتًا إلى أن "الانقسام بينها ما زال مستمرًا، ولم يتوحد المدنيون على رؤية واحدة لإيقاف الحرب وإطلاق مشروع وطني". "السودانيون حاليًا تحت رحمة الجنرالين لوضع البنادق جانبًا" – أردف هذا الناشط المجتمعي.