على بعد (80) كيلومترًا جنوب مدينة دنقلا الواقعة شمالي السودان، ترقد مدينة الخندق على ضفاف النيل، والتي تحمل بين طياتها حكايات النوبة وإنسان السودان القديم. تشتهر المدينة بوجود القلعة التي تعرف محليًا بالقلعة الحمراء أو الـ"قيلا قيلا"، وهي تعود إلى العصور الوسطى حيث كانت تنتشر المسيحية في السودان في ذلك التوقيت، كما هنالك اعتقاد سائد بوجود مقبرة الملك سالومو حاكم مملكة المقرة داخل القلعة.
تحتوي المباني في مدينة الخندق على طابق واحد فقط، فيما تمتلك بعض المنازل غرف علوية كانت قد بنيت فوق الطابق الأرضي، ويخلق ذلك تأثيرًا يجعل المنزل أشبه بالبرج
استخدم النوبيون في بناء القلعة الحجر في الأساسات، وبينما بني الجزء العلوي منها بالطين الأخضر بمساحة تبلغ (150 × 70) مترًا. كما اشتهرت المدينة كميناء نهري في أواخر القرن الثامن عشر إلى القرن التاسع عشر وحتى منتصف القرن العشرين، ولكن لعب التغيير الذي طرأ على المناخ هناك دورًا كبيرًا في تغيير معالم المدينة الأثرية، والتي هجرها ساكنوها إلى مدن أخرى أكثر انتعاشًا في العصر الحديث. وبجانب القلعة تم اكتشاف مقابر تعود للعصر المسيحي تعرف باسم التوشيكية، وقد بدأت البعثات الأثرية عمليات التنقيب في المدينة منذ العام 2006، والتي تمخضت عن عدد من الدراسات والاكتشافات التي عكست تاريخ السودان المدهش.
قلعة الخندق
يشير مقال علمي نشر لإيزالبيل ويلسبي (Isabella Welsby) استند إلى صور قديمة كانت تعود إلى أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، يشير إلى أن القلعة كانت تحتوي على مجموعة من الغرف على طول الجدار الجنوبي في منتصف الجهة الغربية، وذلك إضافة إلى "الحصن" المتواجد في الجزء الواقع جنوبي غرب القلعة. وجدير بالذكر أنه يمكن رؤية بقايا هذه الجدران حتى الآن، ولكن علاماتها صعبة التمييز وتحتاج إلى تخطيط تفصيلي دقيق لمعرفة مدلولاتها. وتشير الدراسة أيضًا إلى أن الجانب الغربي للقلعة في المناطق العليا يمتلئ بتراكمات كبيرة من روث الحيوانات، مما يدل على وجود حيوانات داخل القلعة في وقت سابق.
وجدير بالذكر أن المزارعين المحليين كانوا يقومون باستخراج الركام المكون من روث الحيوانات واستخدامه كسماد، ويلاحظ أن هذه العادة تعتبر من العادات السائدة بين مزارعي المنطقة ككل، كما يرجح أن تكون هذه الحيوانات من فصيل المواشي كالخراف والماعز أو الحمير والخيول. ويعتقد أن الكتل الحجرية المحفورة أو المزخرفة والتي تتواجد بشكل عشوائي في أبنية القرية أنه قد تم نهبها في وقت سابق من القلعة، كما يمكن مقارنتها ببعض الزخارف المستوحاة من الديانة المسيحية.
ملامح المدينة
وفيما يخص المنازل ما قبل عصر الحداثة في وسط المدينة القديمة في الخندق، ، فإنه قد تم بناؤها من الطوب الأخضر والذي يصنع من الطين، وقد وصف أحد العلماء هذا النوع من البناء أنه قد رصده أيضًا في قرية مراغة الواقعة شمال دنقلا. وبجانب الطوب الأخضر استخدم الأهالي الخشب لصناعة عتبات الأبواب والنوافذ والأسقف، وأحيانًا أخرى يستخدمون الألواح الحجرية لصناعة العتبات، ومن النادر استخدام الطوب الأحمر في تلك الفترة، وتصمم المنازل على أن تكون الوحدات العقارية محدودة بفناء داخلي يسمى محليًا في السودان بالحوش.
تحتوي المباني في مدينة الخندق على طابق واحد فقط، فيما تمتلك بعض المنازل غرف علوية كانت قد بنيت فوق الطابق الأرضي، ويخلق ذلك تأثيرًا يجعل المنزل أشبه بالبرج، ووجد أن بعض المنازل اتبعت أسلوبًا مختلفًا في بناء غرفة الاستقبال، بحيث يتم وضعها على منصة مرتفعة عادة ما يزيد ارتفاعها عن (4) أمتار، فيما لوحظ أن الأسقف ذات ارتفاع عالٍ مع استخدام جذوع النخيل لعمل العارضات، كما تحتوي بعض المنازل على زخارف هندسية مرسومة أو محفورة. أما فيما يتعلق بالأثاثات المنزلية، فمن النادر وجودها عدا الأسرة والتي تتوافر بكثرة، كما تحتوي بعض المنازل على آبار للمياه، فيما كان من النادر وجود مرافق الحمامات في المنازل.
يوجد حاليًا مسجدان تاريخيان في مدينة الخندق: مسجد الحسناب ومسجد الخطيبية، وجدير بالذكر أنه تم بناء مسجد الحسناب في منتصف ثمانينات القرن الماضي. كما تحوي المدينة أيضًا على خلوة تم إعادة بنائها مؤخرًا. وكانت في المدينة عدد من المباني الرسمية التي اكتسبتها من خلال فترة الوصاية الأنجلو-مصرية على السودان، والتي ما زالت هياكلها موجودة حتى الآن، فيما يحتفظ مركز الشرطة بوظيفته في المدينة منذ ذلك التوقيت وحتى الآن.