09-يوليو-2022
انفصال الجنوب

احتفالات في الجنوب بالاستقلال/ الانفصال

في مثل هذا اليوم قبل (11) عامًا، تحولت جغرافيا السودان القديم الموروث من حقبة الاستعمار البريطاني، إلى تاريخ، ومن كانوا يقضون ليلة الثامن من تموز/ يوليو 2011 في مدينة جوبا كمواطنين سودانيين، أشرقت عليهم شمس اليوم العاشر وقد أضحوا أجانب.

قبل الوصول إلى صناديق الاقتراع ومع حالة من التشاكس بين شركاء السلام كان الوسيط الأفريقي ثابو أمبيكي يستجدى السودانيون بعبارة: "رجاءً امنحوا التاريخ فرصة"

واقفًا على منصة أعدت للمناسبة خصيصًا، تسلم الرئيس المخلوع عمر البشير في التاسع من تموز/ يوليو للعام 2011 علم السودان من رئيس دولة جنوب السودان سلفا كير ميارديت، ولم يعد من ساعتها جنوب السودان جزءًا من دولة السودان التي كانت مساحتها مليون ميل مربع.

في التاسع من شباط/ فبراير من العام 2011، انطلق استفتاء للجنوبيين على حق تقرير المصير، وانتهت نتيجته باختيارهم الانفصال وتكوين دولة جديدة بنسبة فاقت (98%)، وكان الاستفتاء آخر استحقاقات اتفاقية السلام الشامل التي وقعتها الحكومة السودانية مع الحركة الشعبية لتحرير السودان في ضاحية "نيفاشا" الكينية عام 2005، بعد أطول حربٍ أهلية شهدتها القارة الأفريقية.

قبل الوصول إلى صناديق الاقتراع ومع حالة من التشاكس بين شركاء السلام والانتقال، كان الوسيط الأفريقي ثابو أمبيكي يستجدى السودانيين بعبارة: "رجاءً امنحوا التاريخ فرصة"، لكن وقتها كان قد "سبَقَ السيف العزل"؛ حيث صوّت أهل الجنوب بما يفوق نسبة (98%) لخيار الانفصال أو الاستقلال، معلنين عن قيام دولتين، وخريطتين، وعلمين، على أنقاض السودان القديم.

https://t.me/ultrasudan

في ذكرى التاسع من تموز/ يوليو يستدعي السودانيون دموعهم التي ذرفوها شمالًا وجنوبًا، من دون أن ينسوا مشهد "الثور الأسود" الذي تم ذبحه في الخرطوم بواسطة مناصري حزب "منبر السلام العادل"، ورئيسه الراحل الطيب مصطفى، احتفاءً بما قالوا إنه "النهاية لوحدة الدم والدموع".

في التاسع من تموز/ يوليو 2011، أعلنت وزيرة الدولة بالإعلام وقتها سناء حمد، عن تدشين خريطة السودان الجديدة، المنزوع عنها دسم التنوع في الجنوب. وكان آخرون من إخوتها في التنظيم يزعمون عدم تأثر الاقتصاد السوداني بالانفصال ويعِدون الشعب بالرفاه الاقتصادي وغيرها من الوعود التي ذرتها الرياح.

ومضى منسوبو النظام في مؤسسات أخرى في سعي دؤوب من أجل محو الجنوب من الخارطة العاطفية والوجدانية للسودانيين أسوةً بما فعلوه بالخارطة السياسية. ووصلت خطابات إلى مؤسسات الإعلام الرسمية تطالب بعدم بث أيّ أغنيات أو أي أعمال يُذكر فيها الجنوب المبتور.

من ساعتها يتمنى بعض السودانيين لو أنهم امتلكوا القدرة على حذف التاسع من حزيران/ يوليو من أجندتهم الوطنية، خصوصًا وأن الانفصال لم ينتج سلامًا في الجنوب ولا استقرارًا في الشمال، وفقًا لكثيرين.

يحمّل الكثيرون حزب المؤتمر الوطني المحلول والحركة الإسلامية التي حكمت السودان لثلاثين عامًا منذ العام 1989 وحتى 2019 مسؤولية انقسام البلاد.

وفي إفادة سابقة، حمّل القيادي في الحركة الشعبية وأحد مفكري مشروع السودان الجديد؛ الراحل الدكتور منصور خالد، حمّل المؤتمر الوطني نتيجة الانفصال، بفعل سياساته أثناء الفترة الانتقالية حين كان يمد لسان سخريته من النص الخاص بجاذبية الوحدة.

 بالنسبة إلى منصور خالد، فإنّ الجنوبيين وهم يمضون باتجاه صناديق الاستفتاء وجدوا أنفسهم في طريق واحد هو الانفصال، ولم يكن هناك ما يغريهم بالبقاء في دولة "تتجاذبها خيوط الفشل" على حد تعبيره.

وفي شهادته للتاريخ، يقول منصور خالد إنه كان بالإمكان تجاوز ما حدث، لكن صاحب كتاب (قصة بلدين) كان يراهن على كاريزما الراحل الدكتور جون قرنق دي مبيور لجذب الجنوبيين إلى خيار الوحدة، ويبدو أنه خسر الرهان بوفاة عرّاب مشروع السودان الجديد في حادث تحطم طائرة بيوغندا في العام 2005.

وفي نيسان/ أبريل من العام 2017  كشف وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف في مؤتمر صحفي في العاصمة موسكو  وبحضور وزير الخارجية الأميركي تيلرسون، عن طلب أمريكي من روسيا بضرورة الضغط على الرئيس البشير من أجل فصل جنوب السودان. وأضاف لافروف: "طلبت منا إدارة أوباما بإلحاحٍ الحصول على موافقة البشير على فصل جنوب السودان، رغم أنهم كانوا يرغبون في رؤيته مُحَاكَمًا أمام المحكمة الجنائية الدولية، بل طلبوا منا أن ندفع الرئيس البشير إلى الموافقة على عملية التقسيم وألا يعيق هذه العملية". وأكمل قائلًا: "وافق البشير على هذه العملية من أجل تجاوز أزمة مطاردته بواسطة الجنائية الدولية".

وفي آخر المطاف، أفضى الحال إلى أن يُصبح مشروع السودان الجديد جنوبيّ الهوى، لكن لم تهبّ هناك على مواطني دولة جنوب السودان نسائم المساواة والحرية والديمقراطية، وعوضًا عن ذلك هبت عليهم ريح الحرب والمجاعة، بعد أن تفشت صراعات السودان القديم في بُعدها القبليّ، مضافًا إليها المشكلات الاقتصادية التي تمسك بتلابيب الدولة في جنوب السودان.

(11) عامًا مضت الآن على الحدث المختلَف على تسميته؛ فبينما يُسمي الشماليون نتيجة الاستفتاء التي تجاوزت الـ(98 %) انفصالًا للجنوب عن السودان، يصف الجنوبيون الحدث بـ"الاستقلال"، ويمثل التاسع من تموز/ يوليو 2011 التاريخ الذي نالوا فيه استقلالهم؛ ولكن المحصلة الآن: دولتان منقسمتان، وإشكاليات تتمدد مع النيل جنوبًا وشمالًا.

 من كتبوا اللافتات ورددوا عبارة الوداع (باي باي الخرطوم)، لم يستطيعوا مغادرتها من دون أن يحملوا معهم في حقائبهم وصفة الفشل السوداني ذاتها. وسرعان ما ردد باقان أموم الأمين العام السابق للحركة الشعبية الذي لطالما وصف السودان -قبل الانفصال- بالدولة الفاشلة، سرعان ردد الوصف نفسه في صحافة جوبا، ولكن هذه المرة للدولة الوليدة في جنوب السودان.

يقول الأمين العام لتحالف الحرية والتغيير (الوفاق الوطني) مبارك أردول الذي كان يشغل موقعًا قياديًا في الحركة الشعبية قطاع الشمال، في ذكرى استقلال الجنوب لـ"الترا سودان": إن السودان انقسم وانقسمت معه المعاناة والآلام والحروب، وورثت الدولة الجديدة أمراض الدولة القديمة بحذافيرها.

 وأضاف أردول: "توقعت أن تتجاوز القيادة في السودان الجنوبي أخطاء السودان القديم وأن يتعظ قادة السودان من انفصال جنوب السودان؛ ولكن ظل الحال كما هو عليه في الشطرين وكأن شيئًا لم يكن".

قبل (11) عامًا، فشلوا في جعل الوحدة خيارًا جاذبًا، وفي السنوات التي أعقبت ذلك، فشلت النخبة السياسية في دولتي السودان في تحقيق الاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي للشعوب في الدولتين. وربما تأكيدًا لهذا الأمر يتوسّط السودان لحل النزاع بين الفرقاء في جنوب السودان، فيما وُقّع اتفاق السلام السوداني برعاية من رئيس حكومة الجنوب.

أردول: توقعت أن تتجاوز القيادة في السودان الجنوبي أخطاء السودان القديم وأن يتعظ قادة السودان من انفصال الجنوب ولكن ظل الحال كما هو عليه في الشطرين

في اعتصام القيادة العامة للجيش بالخرطوم (في الفترة من 6 من نيسان/ أبريل وحتى الثالث من حزيران/ يونيو) كان الثوار وبعد نجاحهم في إسقاط سلطة البشير الذي انفصل في عهده السودان، كانوا يرددون هتاف: "ما بنرجع إلا الجنوب يرجع"، من دون اعتبارٍ لأنّ الجنوب صار دولةً مستقلةً لها سيادتها، لكنه سيظل حاضرًا في الذاكرة الجمعية للسودانيين الذين يمكن أن ينسوا كل شيء باستثناء أنه وفي التاسع من تموز/ يوليو 2011، قُسّمت خريطة بلادهم وقُسّم شعبٌ واحدٌ على بلدين.