على الرغم من أن أسماء محمد عبدالله، وزيرة الخارجية السودانية في حكومة عبدالله حمدوك، تعتبر أول امرأة سودانية، والثالثة عربيًا، التي تتقلد هذا المنصب الدبلوماسي الرفيع، إلا أن ذلك لم يشفع لها، جراء الصورة التي كان يتعين عليها أن تظهر بها قوية متماسكة أمام الإعلام، بدلًا من الظهور المرتبك في بعض الحوارات التلفزيونية، إلى درجة إثارة الأضواء السلبية حولها.
تعرضت وزير الخارجية السودانية أسماء عبدالله للهجوم، بعد ظهورها المرتبك إعلاميًا، وجملة أخطاء صاحبت حديثها عن سياسة وزارتها
هجمت عليها مواقع التواصل الاجتماعي بعد جملة أخطاء صاحبت ظهورها الأول على القنوات الفضائية، للحديث عن سياسة وزاراتها، قبيل انعقاد اجتماعات الحكومة، وتحديد أوجه المصلحة الخارجية بشكل واضح، فكانت ضحية الأسئلة المباغتة، التي يبدو أنها لم تتعود عليها.
اقرأ/ي أيضًا: مصير غامض لرموز نظام البشير
مقابلة أحرجت أسماء
في برنامج "بلا قيود" على قناة BBC عربية، ظهرت أسماء وهي تطالع الإجابات المكتوبة في ورقة، على أسئلة يبدو أنها اطلعت عليها قبل المقابلة. لكنها مع ذلك كانت مرتبكة، تحديدًا عندما طلبت منها المذيعة تفسيرًا لبعض المواقف الرمادية.
وأثارت تلك المقابلة ردود أفعال واسعة ومتباينة، ما بين مستنكر ومتعاطف معها، دون أن تفلت من ورطة المقارنة مع وزراء سابقين لنفس الوزارة، وصفوا بـ"النجوم"، مثل الشاعر محمد أحمد المحجوب، ومبارك زروق، وحسن الترابي، وآخرين اجتُمع على أنهم كانوا يتمتعون بالكاريزما.
إثارة الجدل
إلى جانب ذلك الحضور المكثف غير المقنع في رأي البعض، ظهرت وزيرة الخارجية أثناء زيارة وفد الحكومة الجديدة إلى مدينة جوبا، عاصمة جنوب السودان، وهي تتجول في المكان بحرية، فيما التقطت الكاميرا صورًا لها وهي تعبث بهاتفها، في حضرة ضيف البلاد، كما لو أنها غير عابئة بنظيرها من الجانب الآخر.
على إثر ذلك، تعالت الأصوات المطالبة بإقالتها ومراجعة سيرة الوزراء الجدد وفق معايير الكفاءة والحضور المقنع. لكن في المقابل، كانت هناك موجة من التعاطف مع الوزيرة، باعتبار أنها "تعمل في ظروف صعبة، وتحاول أن تعبر عن روح الثورة بالمضمون عوضًا عن الشكل".
حرصت أسماء على عدم الدخول في المناطق السياسية الشائكة، أي ما يعرف بلعبة المحاور التي كان يجيدها نظام الرئيس المخلوع عمر البشير، فعقدت لقاءً عامًا بالعاملين بوزارة الخارجية، شرحت فيه أولويات وأهداف السياسة الخارجية في الفترة المقبلة، معلنةً أن الدبلوماسية السودانية ستولي مزيدًا من الاهتمام بالعلاقات مع دول الجوار، وستنتهج سياسة خارجية متوازنة تراعي مصالح السودان.
الوزيرة النادرة
حشد أنصار الوزيرة أسماء، الكثير من الحجج لتأكيد أنها الأنسب لوزارة الخارجية، ليس كامرأة بل كدبلوماسية عتيقة تجيد التعامل مع الملفات المعقدة. واشتعل الجدل مرة أخرى بعد نشر صحيفة ألمانية تقريرًا مطولًا عن أسماء عبدالله، وصفتها فيه بـ"المرأة النادرة"، وبـ"الاستثناء في العالم العربي".
وقالت صحيفة باديش الألمانية إن تجربة أسماء البالغة من العمر 72 عامًا، "مثيرة للاهتمام"، مستنتجةً أن موقفها السياسي الرئيسي هو "رفض التدخل الخارجي في شأن بلادها".
حيلٌ دبلوماسية
عندما سئلت وزيرة الخارجية السودانية أسماء محمد عبدالله، في مقابلة تلفزيونية، عن التزام السودان بدعم المحاور مقابل المساعدات، قالت: "نحن نرحب بأي دعم غير مشروط، لأننا لا نملك في الوقت الحاضر غير هذا".
وحول حرب اليمن التي يشارك فيها الجيش السوداني تحت مظلة التحالف السعودي، أشارت أسماء إلى أهمية "اعتبار الأشقاء في اليمن بتجربة السودان". وعندما سئلت مرة أخرى عما تقصده بـ"تجربة السودان"، قالت: "تجربة السودان في تفادي الحروب والصراعات"، دون أن تضع حدًا لميقات خروج القوات السودانية من تلك الحرب، مكتفيةً بالقول إن الخرطوم "متمسكة بموجهات وقرارات الجامعة العربية التي تدعم الشرعية في اليمن".
وفيما يخص احتمالية إقامة علاقات مع إسرائيل، قالت وزيرة الخارجية السودانية، إن "الوقت الراهن لا يسمح بإقامة تلك العلاقات، لأن السودان ليس بحاجة إلى مشاكل جديدة".
ردود أسماء على أسئلة شائكة تخص السياسة الخارجية السودانية، بدت بالنسبة للبعض حيلٌ دبلوماسية لتجنب الحرج الدبلوماسي، في ظل عدم استتباب الأمر تمامًا في السودان.
خيار حمدوك
بعد وصول عمر البشير للحكم، إثر انقلاب 1989، أُنهيت خدمات أسماء عبدالله من وزارة الخارجية، بشكل مفاجئ، إذ كانت وقتها تشغل منصب وزير مفوض.
بعد ذلك غادرت السودان للمغرب، وهناك عملت خبيرة في عدد من المنظمات الدولية، قبل أن تعود لبلادها للعمل في الترجمة، ثم تنضم لقوى الحرية والتغيير.
رغم عضويتها في الحرية والتغيير إلا أنها لم تُرشح لمنصب وزيرة الخارجية، وإنما كان رئيس الوزراء عبدالله حمدوك هو الذي اختارها للحقيبة الوزارية، مواجهًا الضغوطات التي مورست عليه لإبعادها من التشكيلة الوزارية بحجة "الضعف" و"عدم مواكبة الروح الثورية الشبابية".
الهيمنة البطريركية
ثمة تضافر للتحديات التي ربما تعيق مهمة الوزيرة أسماء عبدالله، على المدى القريب، وربما تَعبُر أيضًا بحذر حقول الألغام التي تحيط بمعقل الدبلوماسية السودانية؛ منها العقوبات الأمريكية وقائمة الدول الراعية للإرهاب التي يقبع فيها السودان منذ عشرات السنين، إلى جانب قضية سد النهضة الأثيوبي التي تفجرت الخلافات حولها مرة أخرى بين مصر وأثيوبيا.
تضافرت التحديات ضد الوزيرة أسماء، منها الفخاخ التي تحيط الدبلوماسية السودانية، ومنها التقاليد البطريركية المترسخة في المجتمع
ويبدو أن وزيرة الخارجية السودانية مطالبة بموقف يُجنّب شركاء النيل اشتعال التوترات مجددًا، فضلًا عن حشد الدعم الدولى للسودان فى الفترة القادمة، ومواجهة معضلة الديون الخارجية التي وصلت إلى أكثر من 40 مليار دولار، إلى جانب هيمنة الرجال على النفوذ في بلاد تقاتل النساء فيها على أقل الأدوار، ولا تحصل عليها بسهولة، وقد باتت أسماء عبد الله في قلب المعركة ضد هذه التقاليد البطريركية التي ترسخت عبر عقود طويلة.
اقرأ/ي أيضًا:
السودان...الاتفاق السياسي وعودة خطاب الهامش
"خفافيش الظلام" تنقلب على عيساوي.. إقالة مدير التلفزيون السوداني