تُوضع الكريمة بعناية على "الزلابية" أو "الدونات" وهي مغطاة بالشوكولاتة الداكنة على رصيف البحر الأحمر في مدينة بورتسودان شرقي السودان، وهي أعمال تجارية ناشئة انتشرت هناك عقب اندلاع الحرب في العاصمة الخرطوم.
حكومة الأمر الواقع في بورتسودان شرقي السودان تحكم على عجالة وكأنها لن تمكث طويلًا
تُباع عدد من قطع "الزلابية" المغطاة بالكريمة في أطباق ورقية صُممت بعناية بنحو ثلاثة آلاف جنيه –أي ما يعادل أربعة دولارات أمريكية– إلى جانب الشاي المخلوط بالحليب. ومع قدوم فصل الشتاء تبدو هذه الأعمال وكأنها ستجد رواجًا على هذه الأرصفة التي غابت عنها السفن العملاقة منذ شهور عديدة وتزورها سفن تجارية صغيرة من موانئ جدة والسويس.
وفي حين نهضت سلسلة مطاعم تقدم الوجبات والمشروبات في بورتسودان، تراجعت في الوقت نفسه حركة السفن الكبيرة في الموانئ، حيث اعتاد العمال على حركة تفريغ لم تكن تتوقف حتى منتصف الليل، متأثرة بالإغلاقات والاضطرابات الاجتماعية التي أجبرت شركات الملاحة على إعادة النظر في إرسال سفنها إلى السودان.
أغلب أولئك الذين يرتادون هذه الأرصفة قادمون من العاصمة الخرطوم. يحاولون صنع مدينة في "مخيلتهم" قد تكون بديلة عن العاصمة التي تمر بحالة حرب واسعة النطاق في الأحياء والشوارع وحتى بين أروقة المنازل.
وأغلب مرتادي المطاعم التي افتتحت أعمالها في سوق بورتسودان أو ساحل البحر الأحمر هم من السودانيين الراغبين في السفر إلى السعودية عبر مطار بورتسودان أو ميناء سواكن، فقد أضحت هذه المدينة أهم معبر للسودانيين الراغبين في مغادرة بلادهم جوًا أو بحرًا.
ومع ذلك، لم يتمكن أحد من نزع هوية المدينة الساحلية، إذ تشاهد الرجال بالزي التقليدي (الجلباب والسديري)، وأحيانًا يحملون سيوفًا أو عصيا. ويمكن ملاحظة صناعة القهوة في الأزقة مع القليل من الهمسات في لحظات وكأنها منتزعة من سياق يوم مرهق ومثقل للقادمين إلى السوق من أصقاع بعيدة يستغلونها في صناعة القهوة على الأرصفة، فهم لا يشربون إلا من صُنع أيديهم كما جرت العادة لدى أغلب مجتمعات شرقي البلاد.
أما فنادق بورتسودان فقد انتعشت بدرجة كبيرة حتى ارتفعت أسعار الليلة الواحدة في غرفة عادية إلى (50) ألف جنيه –أي ما يعادل (40) دولارًا أمريكيًا– مع وجبة واحدة وأحيانًا من دونها. ومع ذلك، فإن أغلبها مشغولة بالقادمين من شتى أنحاء البلاد، خاصةً من يرغبون في المغادرة إلى الأراضي المقدسة لأداء مناسك العمرة.
في بورتسودان أيضًا مؤسسات حكومية ولا سيما مع اتخاذها عاصمة بديلة ومقرًا لمجلسي السيادة والوزراء والوزارات الاتحادية. وفي حين لم تستقر خدمات الكهرباء يومًا كاملًا مع بعض القطوعات التي انحسرت مؤخرًا واستمرت أشهرًا عديدة خاصةً في فترات الصيف.
يقول مجدي وهو مستثمر في بورتسودان منذ سنين عديدة إن هناك اضطرابًا في الوضع بسبب قلة العرض في قطاع العقارات ورغبة المستثمرين في التوسع، إلى جانب تراجع حركة الموانئ جراء تراجع حركة الاستيراد والصادرات.
ويضيف مجدي في حديث إلى "الترا سودان": "لا يمكن التنبؤ بشيء، كل شيء يحدث كما لم تتوقعه. لا توجد خطط محددة لدى الحكومة القائمة هنا، وكأنها تنتظر شيئًا ما أو تدير وضعًا مؤقتا".
حاول السودانيون الذين توجهوا إلى بورتسودان أو سكانها الذين عاصروا وعركوا المدينة الساحلية إعادتها من الموت، لكنها تقاوم ذلك مستغلةً عدم وجود خطط حكومية واضحة تضخ الدماء إلى شرايين المدينة، لا لشيء سوى أنها "سلطة تحكم على عجالة وكأنها لن تمكث هنا طويلًا".