تتعلق العقوبات المفروضة على السودان من مجلس الأمن الدولي منذ 2005 بسبب انتهاكات نظام البشير في إقليم دارفور – تتعلق بحظر بيع الأسلحة للسودان وتجميد أصول الأفراد المتورطين في الانتهاكات وقيود على سفرهم.
تأخر الترتيبات الأمنية وعدم توفر الإرادة السياسية لاستيعاب مقاتلي الحركات في الجيش جميعها عوامل لم تسعف الخرطوم في إلغاء العقوبات
وأكد مجلس الأمن الدولي أمس الأربعاء تمديد العقوبات الدولية المفروضة على السودان عامًا واحدًا، مع دعوات الخرطوم المتكررة إلى إلغائها. وصوتت (13) دولة لصالح قرار التمديد إلى 12 آذار/مارس 2024، فيما امتنعت روسيا والصين عن التصويت.
آثار هذه العقوبات ربما انحصرت على حرمان السودان من صفقات السلاح مع دول لديها تكنولوجيا متقدمة في هذا القطاع مثل الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي، ولكن كان تأثير البنود المتعلقة بالقيود على السفر وتجميد الأصول ضعيفًا "بعض الشيء"، إذ تندرج هذه العقوبات في أضابير الأمم المتحدة تحت مسمى "عقوبات الأفراد".
في معرض مداولاته بشأن العقوبات المفروضة على السودان والتي تجدد في الـ12 آذار/مارس من كل عام، يرى مجلس الأمن أن القادة السودانيين لم ينفذوا الجانب المتعلق بنشر السلم والأمن في إقليم دارفور حتى الآن، كما عمّق انقلاب 25 أكتوبر الأزمات والاضطرابات الأمنية، وعليه لا يمكن إلغاء العقوبات في هذا الوقت؛ فخلال عام واحد فقط وقعت أكثر من (250) حادثة أمنية في بعض المناطق في البلاد – حسب إحصائيات مكتب الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية.
ربما يمكن القول إن العقوبات لا تمس مصالح السودانيين بصورة مباشرة في الاقتصاد أو حركة السفر أو التكنولوجيا، كما هو رائج في مثل هذه الإجراءات الأممية، بقدر ما هي عقوبات مرتبطة بالأشخاص المتورطين في الانتهاكات، ولكن عقوبات حظر السلاح مرتبطة بتسليح القوات النظامية.
وتبرر الحكومة السودانية القائمة حاليًا طلباتها المتكررة برفع العقوبات بتحسن الأوضاع على الأرض في إقليم دارفور، لكن المجتمع الدولي لا يرى ذلك؛ فبوتيرة شبه يومية تتحدث الأنباء عن وقوع أعمال عنف مسلحة آخرها هجمات منطقة بليل شرق مدينة "نيالا" عاصمة ولاية جنوب دارفور.
هذه الانتهاكات تظل عقبة أمام رفع العقوبات المفروضة على الأفراد الذين يعرقلون عملية السلام كما ينص القرار (1591).
ووقفت ثلاث دول وراء قرار تمديد العقوبات، وهي الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا. وترى هذه الدول أن الوضع في السودان ما يزال محاطًا بالمخاطر، بل أن الوضع الأمني في بعض المناطق –مع التحسن الطفيف– مرشح للانهيار في أي وقت.
تعتقد هذه الدول أنه لا يمكن إلغاء العقوبات دون تحقيق انتقال مدني تحت حكومة يقودها مدنيون يعملون على ترتيب عملية السلام في مناطق مهددة بالهجمات الأمنية، ولذلك جاء التمديد لعام قادم، فربما تجري "مياه تحت الجسر".
أما الخرطوم التي رمت أوراقها على الطاولة فقد استندت إلى تحسن الوضع في إقليم دارفور وتوقيع اتفاق السلام مع بعض الحركات المسلحة. ومع ذلك يبدو أن التعثر في الترتيبات الأمنية عزز قناعة الدبلوماسيين في مجلس الأمن الدولي –خاصةً واشنطن وباريس ولندن– بعدم وجود أي تقدم في تحقيق استقرار مستدام.
وبينما تعلل الخرطوم تأخر الترتيبات الأمنية بعدم توفر التمويل المالي، وتطلب نظير إتمام هذه العملية واستيعاب المقاتلين في الجيش الوطني أكثر من (100) مليون دولار، لكن في الوقت نفسه ينبغي أن نشير إلى أن عملية الترتيبات الأمنية لا تشكو من نقص التمويل فحسب، فـ"الإرادة السياسية" هي الأداة الرئيسية لتنفيذ هذا البند.
ربما انعكس الصراع الروسي الأمريكي على هذا القرار، خاصةً أن الولايات المتحدة في حالة عدم يقين تجاه توجه القادة السودانيين
أخيرًا قد يكون هناك شعور بالدهشة من تصويت بعض الدول الحليفة للحكومة السودانية القائمة لتمديد العقوبات، لكن لتبيان هذا التحول المفاجئ يجب الإشارة إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية التي ترفض رفع العقوبات لديها أوراق بحوزتها ومصالح مع هذه الدول أكبر من مصالحها مع الخرطوم.
ربما انعكس الصراع الروسي الأمريكي على هذا القرار، خاصةً أن الولايات المتحدة في حالة عدم يقين تجاه توجه القادة السودانيين شرقًا أو غربًا في علاقاتهم الخارجية الإستراتيجية.