من المعروف إن عدة مناطق في السودان عانت لسنوات طويلة من النزاع، وطال أمد الحرب في دارفور والنيل الأزرق وكردفان. في ذلك الوقت، كانت مهمة الصحفي نقل أخبار الصراع في المنطقة، واستنطاق ضحايا النزاعات، وكشف الصراع الدائر في المنطقة المنكوبة.
ما هي تحديات الانتقال من حالة الحرب إلى حالات السلم التي تواجه الصحفي السوداني؟
وعقب الثورة السودانية وتوقيع اتفاق سلام السودان في العاصمة جوبا، هدأت حدة الحروب في مناطق النزاع، وتغير المشهد السياسي والاجتماعي، فانتقلت المجتمعات من حالة الحرب والنزيف، إلى حالة السلم والبدء في إرساء قواعد التعايش السلمي. فوجد الصحفي نفسه منتقلًا مع انتقال المجتمع، إلى صحافة السلام، والدعوة لإرساء قيم قبول الآخر ونبذ العنف. فما هي تحديات الانتقال من حالة الحرب إلى حالات السلم التي تواجه الصحفي السوداني.
ما بعد الحرب
لا تتعافى مجتمعات ما بعد الحرب سريعًا. حيث تكون الذاكرة محملة بأعباء الماضي المثقل بالدماء والفقد والجروح. وبحسب ما يرى مهتمون بقضايا مجتمعات ما بعد الحرب، فإن النزاع في تلك المناطق يبقى كامنًا، وتسود أجواء حذرة من الهدوء.
ويبتدر الصحفي أبوذر مسعود حديثه لـ"الترا سودان"، بالقول بأن الصحفي في مناطق النزاع يواجه ما هو أشد وطأة من الحرب، مثل الاعتقال والخطف، ويتعرض الصحفي لكل ما هو متوقع أو غير متوقع، سواء قبل توقيع اتفاقية جوبا للسلام أو بعدها. مؤكدًا عدم توقف الحرب بنسبة (100)%، حيث يتعرض الصحفيون للانتهاكات في النزاعات القبلية، وهي أشد عنفًا من الصراع الذي كان يدور بين الحكومة والمعارضة.
ويقول مسعود، إن الصحفي يحاسب وفقًا للونه وانتمائه القبلي، فيلاقي جراء ذلك الكثير من التحديات من أطراف النزاع، سواء كانت قبائل أو جهات أمنية حكومية: "عندما تقوم الحرب بين القبائل، فإن الصحفي يتضرر من النزاع القائم".
ويشير إلى شح المصادر في مناطق النزاع، ويعود السبب -وفقًا لمسعود- لفقدان الضحايا للثقة وفقدان الأمان عند التعامل مع جميع الأطراف، خاصة وأن النزاع يُصدر على مستوى المدينة وينتقل إلى الأطراف.
واستعاد مسعود الذاكرة فيما يتعلق بعدد المرات التي تعرض فيها للاعتقال، حيث تم اعتقاله مؤخرًا إبان أحداث 25 تشرين الأول/أكتوبر 2021، قائلًا إن ذلك تم دون تقديمه لمحاكمة عادلة.
خطوة للأمام
وتشمل التغطية في مجتمعات ما بعد الحرب والنزاعات، مناقشة القضايا الخدمية المتعلقة باليومي المعاش للمواطنين، مثل توفير مياه الشرب والخدمات الصحية، وبحسب مختصين، يجب أن تتقدم الصحافة وتكون مسؤولة تجاه هذه المجتمعات للمساهمة في الحل والإعمار.
وفي هذا الصدد يقول نائب رئيس إعلاميي وصحفيي دارفور، عزالدين دهب، إن منطقة دارفور ما تزال تعيش صراعًا، ولم يحدث تحول جذري لحالة السلام بالرغم من توقيع اتفاقية سلام جوبا.
وأبان أن عدد من الصحفيين تلقوا دورات تدريبية كان لها أثر في التغطية الإعلامية، بخلاف الصحفي الذي لم يتلقى تدريبًا، في حين ساهم التدريب للحد من تأجيج الصراع. ويقول: "صحافة السلام تتطلب الاستعداد من الصحفي لمجابهة التغيرات، حيث لا بد من إلقاء الضوء على الأثر في البنى التحتية، وأثر الحرب في العلاقة الاجتماعية بين الناس، وتذكير المجتمعات بالحرب لتكون عظة وعبرة".
واستطرد في الحديث: "وصلت المجازر التي ارتكبت في دارفور، إلى المحكمة الجنائية الدولية، ولا بد من تذكير المجتمعات بها"، ويضيف: "إن الصحافة جزء من الصراع التاريخي بين المركز والهامش، فالمركز بمؤسساته الإعلامية الخاصة والحكومية، تعاملوا في بعض الأحيان مع قضايا الحرب كمواضيع جاذبة دون تحليل للأزمة"، على حد قوله.
ويرى دهب إن الصحافة خلال الثلاثة أعوام الفائتة، لم تعمل جديًا في قضايا السلام، وغرقت في الخبر وصحافة الشباك لجذب الزوار. وطالب الصحافة بالتقدم خطوة للأمام والعمل على تغطية قضايا مناطق النزاعات.
الوعي بالمتغيرات
وبحسب بيان صادر عن شبكة الصحفيين السودانيين عصر الخميس المنصرم، اقتادت قوة عسكرية الكاتب الصحفي طه مدثر، بمدينة القضارف. وبحسب البيان اقتادته قوة قوامها ثلاث عربات تتبع لجهاز الأمن، حيث وصلت لمنزله بحي ديم النور، على خلفية مقال تحدث فيه عن بيع الجيش لمياه الشرب لمواطني القضارف. واحتجز طه عدة ساعات، قبل إخضاعه للتحقيق بالنيابة، ومن ثم الإفراج عنه بالضمان.
ويقول الباحث في دراسات السلام والإعلام عباس التجاني، إنه قبل الحديث عن قضايا السلام والحرب والتغطية الصحفية، لا بد من دراسة وضعية الصحفي العامل عليها: "هل هو هاوٍ فقط أم يعمل في أي مؤسسة؟" وبحسب التجاني، فإن الصحفي العامل في المؤسسات الحكومية، يكون لسان حال الحكومات المتغيرة، وكذلك الصحافة الولائية فهي صوت الحكومات الولائية، ما يعني إن الصحفي يكون مقيدًا بأطر حكومية مختلفة.
وأكمل قوله: "هناك أيضًا، مراسلو الصحف المرتبطين بوظائف إدارية"، ويشير إلى أهمية حماية الصحفيين في مناطق النزاع، قائلًا إن الحماية التي تتوفر للصحفي المستقل، تكون في بعض الأحيان أكبر من الصحفي المحلي، الذي يمكن أن تتعرض حياته للخطر والمساءلة، التي تكون وفق القانون الجنائي السوداني وليس وفقًا لقانون الصحافة.
باحث في دراسات السلام والإعلام: يجب على الصحفي المحترف مواصلة العمل في ظل كل الظروف
وبالحديث عن صحافة ما بعد الحرب أو صحافة السلام، يؤكد التجاني إنها عبارة عن مراحل متداخلة، ويجب على الصحفي المحترف مواصلة العمل في ظل كل الظروف. يقول: "الديناميكية في مناطق النزاع متغيرة، وهذا التغير والآنية والزمنية في الأحداث، تجعل الصحفي يعمل في وضع الطوارئ". ويضيف لـ"الترا سودان" صحافة السلام متخصصة، ويمكن أن تغطي الكثير من الموضوعات المعقدة، ولها محاذير ومتطلبات وحساسية تجاه النزاعات، ويكون الصحفي واعيًا للمادة المنتجة".
على كل حال، تظل قضايا الانتقال وثقافة ما بعد الحرب من المسائل الشائكة، التي تتطلب وعياً ومقدرة عالية على ضبط النفس، لأن الضحايا ما زالوا على قيد الحياة.