يصعد الوضع السياسي في شرق السودان إلى سطح الأحداث بين الحين والآخر، بينما لا يمكن التنبؤ ما سيحدث في هذا الإقليم الذي اتخذته الحكومة المدعومة من الجيش من مدينة بورتسودان عاصمة لها، عقب اندلاع الحرب منتصف نيسان/أبريل 2023.
يعتقد باحثون في شؤون الإقليم أن قادة الدولة لا يتعاملون بمسؤولية في معالجة القضايا التي تواجه المجتمعات، وتتعمد إجراء التحالفات السياسية لاستدامة سلطتها
بدأت التوترات السياسية بين الحركات المسلحة وبعض الجماعات المسلحة في الإقليم، عقب تسريبات عن خلافات بين حكومة عبدالفتاح البرهان، والحركات المتحالفة مع الجيش، بسبب المطالبة بإعادة قسمة السلطة، والحصول على مناصب إضافية في "الهيئة الانتقالية".
يضم إقليم شرق السودان ثلاثة ولايات هي البحر الأحمر وعاصمتها بورتسودان، وهي عاصمة الحكومة المدعومة من الجيش، وتطل على ساحل البحر الأحمر حيث الموانئ الرئيسية للبلاد، كما يضم الإقليم ولاية كسلا وعاصمتها مدينة كسلا، وولاية القضارف وعاصمتها مدينة القضارف، وهي تجاور ولاية الجزيرة الواقعة تحت سيطرة قوات الدعم السريع، وبين الحين والآخر تهدد هذه القوات باجتياح هذه الولاية الغنية بالموارد الزراعية، وغابات الصمغ العربي.
بالتزامن مع هذه الخلافات التي لم ينفها الطرفان، وألمح بها وزير المالية جبريل إبراهيم، حيث أشار إلى أن النقاشات موجودة مع المسؤولين في مجلس السيادة بقيادة عبدالفتاح البرهان، ومن حق الحركات إعادة تقييم اتفاق جوبا. بالتزامن مع هذه التطورات، أعلنت الجبهة المتحدة للتحرير والعدالة، بقيادة الأمين داؤود، نشر قوات عسكرية لحماية حدود إقليم شرق السودان.
تصاعدت الأحداث السياسية في شرق السودان إلى ذروتها، مع تقاطعات بين الجماعات الأهلية، فمن جهة أخرى يعارض مجلس نظارات البجا، نشر القيادي في جبهة العدالة والتحرير، الأمين داؤود، قوات عسكرية، ويعتقد أن هذه الخطوة قد تقود إلى أعمال عنف بين المكونات الاجتماعية في الإقليم.
في خضم التوترات السياسية، وحرب التصريحات والبيانات، أعلن شباب تيار البجا إغلاق الطرق في شرق السودان، على غرار العملية التي كان قد نفذها ناظر مجلس البجا محمد الأمين ترك، في أيلول/سبتمبر 2021، لمناهضة الحكومة الانتقالية بقيادة عبدالله حمدوك، حيث شلت الاحتجاجات الموانئ الرئيسية والطرق، وعزلتها عن العاصمة الخرطوم وبقية الولايات بشكل كامل.
خطوة ترك التي أغرت الجماعات في الشرق باللجوء إلى مثل هذه التكتيكات الاحتجاجية، أعلن عنها تنظيم أطلق على نفسه شباب البجا الحر، بالإقفال الكامل للطرق، ما لم تغادر الحركات المسلحة الإقليم، في إشارة إلى حركتي مناوي وجبريل إبراهيم، بحيث تدفعان بالقوات المشتركة للقتال إلى جانب الجيش منذ مطلع هذا العام، ومن هذا المنطلق، تحظى الحركتان بدعم سياسي للاستمرار في اتفاق جوبا.
تيار شباب البجا الوليد، والذي لم يعرف له نشاط احتجاجي أو سياسي ظاهر للعيان، خلال الفترة الماضية، لم يحدد توقيت الإقفال، بل وضع الشروط بشكل مفتوح دون سقف زمني، كما أن اللقاء الذي عقده رئيس حركة تحرير السودان وحاكم إقليم دارفور مني أركو مناوي، مع ناظر مجلس البجا محمد الأمين ترك نهاية الأسبوع الماضي، قلل من خطورة تهديدات الإغلاق للطرق.
في الأثناء، تراجع شيبة ضرار، الذي يضع في بعض الأحيان على أكتافه النياشين والأوسمة، ويطلق عليه أنصاره صفة الفريق شيبة ضرار، تراجع عن خلافاته مع مناوي، وقال إنه سيفسح المجال للوساطة التي انطلقت لرأب الصدع بينهما في تصريحات أدلى بها أمس السبت، خلال مشاركته في احتفال جماهيري بالشرق.
بالمقابل، لا يمكن النظر إلى تهديدات تنظيم الشباب البجاوي الحر، على أنها مجرد تطورات عابرة خاصة في ظل الأنباء الواردة من بورتسودان، عن بداية الإغلاق الفعلي للطرق، إلى حين خروج الحركات المسلحة. ومع ذلك، تحدث مواطنون من بورتسودان حول عدم وجود أي مظاهر لإغلاق الطرق اليوم الأحد.
ويقلل الباحث في قضايا شرق السودان، أبو فاطمة أونور، من تهديدات إغلاق الطرق في الإقليم، ويرى أن الجهة التي نشرت البيان لا وجود لها على الأرض، وهي معارك تدور على الأسافير لأغراض سياسية بحتة، لإلهاء الناس عن القضايا الحقيقية مثل حسم المعارك العسكرية، أو وقف الحرب من خلال المفاوضات.
وأضاف: "حرب التصريحات بين الأشخاص الذين نصبوا أنفسهم قيادات للشرق باسم المكونات الاجتماعية، الغرض منها هروب قادة الدولة من الالتزامات والمسؤوليات".وتابع أبو فاطمة: "من يتصدرون المشهد في الشرق في الوقت الراهن تحركهم جهات مثل بيادق الشطرنج، ويمكن أن نسميهم بالفاعلين في سوق السياسة".
وكان الأمين السياسي لمجموعة نظارات البجا، سيد علي أبو آمنة، اعترف بالخطأ الذي ارتكبه المجلس عندما وجه أنصاره بإغلاق الطرق والموانئ في شرق السودان، لمناهضة حكومة عبد لله حمدوك، وقال إن المكون العسكري بقيادة عبد الفتاح البرهان ومحمد حمدان دلقو "حميدتي"، المتحالفين آنذاك والخصمين اللدودين حاليًا، استخدما مجلس نظارات البجا لأطماعهما المتعلقة بالسلطة وتقويض الحكومة الانتقالية.
تصريحات سيد أبو آمنة، جاءت على خلفية رفض مجلس البجا نشر قوات عسكرية تتبع لحركة الأمين داؤود، الذي يواجه مناهضة منذ ثلاث سنوات، بسبب اتفاق جوبا المتفرع منه مسار الشرق، وترى قيادات أهلية في الإقليم أن الاتفاق يكرس لمجموعات أهلية بعينها على حساب المجموعات الأخرى.
ناشط مدني: ما يحدث قد يؤدي إلى تآكل السودان من الأطراف، كما بدأ التآكل من مركز الدولة بنشوب الحرب في قلب العاصمة الخرطوم
ويعزو مختار الزين الناشط المدني في شرق السودان، التوترات وحرب البيانات في شرق السودان، إلى وجود عوامل رئيسية تقف خلفها، وهي دول الإقليم التي تطمع في موارد البلاد، لأن الشرق يضم الموانئ الرئيسية، وملايين الأفدنة من الأراضي الصالحة للزراعة، وممر مائي على ساحل البحر الأحمر معبر للتجارة الدولية.
وأضاف: "في ذات الوقت، قيادات الدولة لا تتحمل المسؤولية الكاملة، للحفاظ على هذه الموارد، وتستخدم الجماعات الإثنية في الشرق للتحالفات المرحلية، ومن ثم تتحالف مع مجموعات أخرى".
ويرى مختار الزين في حديث لـ"الترا سودان"، أن ما يحدث قد يؤدي إلى تآكل السودان من الأطراف، كما بدأ التآكل من مركز الدولة بنشوب الحرب في قلب العاصمة الخرطوم، ما يعني انتشار الفوضى في عموم أنحاء السودان، ما لم يتحرك المدنيون والسياسيون بمسؤولية كبيرة لممارسة الضغوط على حكومة عبدالفتاح البرهان، للتحلي بالمسؤولية في هذا الوقت الحرج، ووقف الحرب ومعالجة جميع القضايا في مائدة مستديرة تجميع السودانيين.
وتابع: "لم يحدث في تاريخ السودان صعود خطابات الكراهية والانقسام، مثل ما يحدث الآن في ظل صمت قادة الدولة الذين طالما قرروا الجلوس على كابينة السلطة، عليهم أن يتحلوا بالمسؤولية اللازمة بعدم رمي المواطنين من محرقة الحرب إلى محرقة الحرب الأهلية".