بنهاية كانون الأول/ديسمبر يكون قد أُسدل الستار على أكبر تظاهرة اقتصادية شعبية تشهدها الولايات الشمالية في السودان، ففي الوقت الذي يحصد فيه الأهالي عوائد بيع التمر بعد الموسم في الفعالية التي تُعرف محليًا بـ"حش التمر" تكون الأسر في سعة اقتصادية تعينهم على تكاليف الحياة الباهظة.
كان "حش التمر" استثنائيًا في هذا الموسم، فالمنطقة مكتظة على غير العادة بالنازحين من حرب الخرطوم مع أطفالهم
كان "حش التمر" استثنائيًا في هذا الموسم، فالمنطقة مكتظة على غير العادة بالنازحين من حرب الخرطوم مع أطفالهم الذين زادوا الفعالية ألقًا وعفوية.
تجهيزات "حش التمر"
تتميز المنطقة الشمالية من السودان بأنواع من التمر، منها: "القنديل" و"البركاوي" و"التمود" و"المشرق" و"الجاو". وتسبق عملية "حش التمر" تجهيزات كبيرة من ضمنها نظافة الأشجار من الحشائش إلى جانب نظافة أشجار النخيل نفسها حتى يتمكن العمال من الصعود عليها وتنظيفها، بالإضافة إلى تجهيزات أخرى، مثل تجهيز الجوالات والمشمعات التي تُفرش على الأرض ليتساقط عليها التمر.
تواصل
سنويًا تشهد هذه الفعالية حضورًا كبيرًا من الأهالي – بحسب ما ذكرت صاحبة منظمة "شورتي" المجتمعية ناهد أبو عيسى لـ"الترا سودان" بقولها: "حش التمر يشهد حضورًا كبيرًا وتفاعلًا، فهي فعالية تدل على التراحم بين الأهالي"، لافتةً إلى أن "ما ميز هذه السنة هو وجود النازحين من مواطني ولاية الخرطوم المتأثرين بالحرب"، فحضورهم –وفقًا لناهد– زاد من تفاعل المواطنين إلى جانب أطفالهم، إذ يوزع التمر على الحضور في مشاهد تمثل "تعاضد المجتمع" بوصف ناهد.
آلية العمل
محمد ساتي من منطقة "القُرير" قال لـ"الترا سودان" إن العملية شاقة وتتم بواسطة المزارعين إلى جانب عمال يأتون من خارج هذه القرى في هذا الموسم لاكتساب الرزق بأداء هذه المهام. ويضيف محمد: "في الصباح الباكر ومع هذا الحضور الكبير يصعد العامل وفي يده المنجل على شجرة النخيل التي تشتهر بارتفاعها العالي، إذ يصل بعضها إلى أكثر من (10) أمتار، ومن ثم يقطع "السبائط" التي تحتوي على البلح ويلقي بها في الأرض لتسقط ويتناثر منها البلح في الأرجاء".
وتتركز زراعة النخيل في السودان في ثلاث ولايات رئيسة، هي: الولاية الشمالية وولاية نهر النيل وولاية شمال دارفور، حيث يوجد أكثر من (80%) من إجمالي النخيل في السودان في هذه الولايات، في حين يتوزع الباقي في ولايات الخرطوم والجزيرة وكسلا والبحر الأحمر.
واسترسل محمد: "بعد انتهاء هذه العملية في كل المزرعة وهي تستغرق وقتًا طويلًا، تأتي عملية التجميع في نقطة محددة مسبقًا، وغالبًا ما تشارك فيها النسوة وكبار السن لإحكام عملية التجميع، ومن ثم تأتي عملية التعبئة بحضور صاحب المزرعة".
وبحسب تقارير دولية، فإن السودان يحتوي على نحو ثمانية ملايين شجرة نخيل، تنتج سنويًا نحو (425) ألف طن من التمور والبلح يستهلك أغلبها محليًا باستثناء المصدر إلى بعض دول الجوار الأفريقي التي تستورد التمر من السودان. وخططت الحكومة في وقت سابق لزراعة ما يصل إلى (10) ملايين نخلة بعد استيراد شتولها من بعض الدول الخليجية.
ناهد أبو عيسى قالت إن النسوة يقمن بتجهيز الوجبات للعمال والضيوف. وزادت: "عملية إعداد الطعام المحلي هي ملحمة أخرى، إذ تُجهز "القراصة" و"التقلية" وغيرها من الأكلات الشعبية لجميع الحضور من عمال وضيوف وأطفال، لتناول وجبة في حضرة منتج محلي يرفع كاهل المعاناة عن الأسر وإنتاج وفير يعينهم على تكاليف الحياة من مصاريف دراسية للأبناء ومشاريع اجتماعية واقتصادية أخرى بعد عملية "حش التمر".