شهدت الفترة الأخيرة، تطورات مثيرة على الجبهة السودانية المصرية، فبعد أن وصلت العلاقة بين القاهرة والخرطوم خلال السنوات الماضية مرحلة القطيعة الدبلوماسية والتوتر السياسي، عادت الأمور مجددًا إلى حالة من الهدوء النسبي تقريبًا، لدرجة التنسيق المخابراتي، والتصفية المتبادلة للمعارضة، فما هى الصفقة السرية التي بدلت العلاقة بين البلدين من حالٍ إلى حال؟
كان من ثمار هذا التنسيق الجديد تسليم السودان أحد ناشطي الإخوان المسلمين المصريين، وبالمقابل منع زعيم المعارضة السودانية الصادق المهدي من دخول القاهرة
لقد حدثت تغيرات مفاجئة في قيادة مخابرات البلدين، حيث عاد الفريق صلا قوش مديرًا لجهاز الأمن والمخابرات السوداني في شباط/ فبراير الماضي، بينما شهدت مصر لاحقًا تعيين مدير مكتب الرئيس عبد الفتاح السيسي اللواء عباس كامل، رئيسًا للمخابرات العامة، لتبدأ حقبة جديدة بتولي قوش وكامل إدارة أهم الملفات، وتحديدًا ملف العلاقة المتذبذبة بين الخرطوم والقاهرة، وقد سعى كلا الطرفين إلى ترحيل الأزمات وإخفاء الخلافات، للحفاظ على الأوضاع السياسية الراهنة، على الأقل، لا سيما وأن البلدين يعانيان أزمات اقتصادية طاحنة، وأن أي توتر قد يجلب الأضرار للجميع، وهو ما يرى بسببه مراقبون، أن هذا التقارب بينهما أشبه بتوزان الضعف.
وكان من ثمار هذا التنسيق الجديد تسليم السودان أحد ناشطي الإخوان المسلمين إلى السلطات المصرية، وبالمقابل منع زعيم المعارضة السودانية الصادق المهدي من دخول القاهرة، والتي جعلها منذ سنوات بمثابة منفى اختياري له. ورغم وجود تعهدات قديمة بعدم السماح لوجود نشاط معارض ينطلق من البلدين، إلا أن مصر لم تلتزم بهذا الاتفاق، واحتضنت معظم قادة المعارضة السودانية المسلحة، كما ظلت تتهم الحكومة السودانية بدعم الإخوان المسلمين وإيواء من تصفهم بالجماعات الإرهابية، وهى التهمة التي نفتها حكومة الرئيس البشير أكثر من مرة، بالإضافة إلى الانحياز لقطر بعد الحصار، ومنح تركيا جزيرة سواكن على البحر الأحمر لتطويرها، وهو ما اعتبرته مصر والسعودية تهديدًا لأمنهما القومي.
اقرأ/ي أيضًا: القصة الكاملة للحرب الكلامية بين مصر والسودان.. ما علاقتها بليبيا والخليج؟
أما التحول الدرامي في العلاقات الثنائية، فقد تجلى مؤخرًا في تبادل الزيارات بين البلدين وتوقف التراشق الإعلامي بصورة مفاجئة، فيما وصل هذا التحول ذروته بتسليم السودان للناشط محمد إبراهيم جاد، المقرب من الإخوان المسلمين، والذي يتهمه النظام المصري بالتورط في تفجير موكب مدير الأمن السابق في الاسكندرية، بحسب ما زعم بيان للداخلية المصرية.
أما الواقعة الأخرى فهي منع زعيم الأنصار ورئيس حزب الأمة القومي الصادق المهدي من الدخول إلى مصر، فجر يوم الأحد الماضي، وهو ما أثار ردود أفعال واسعة مستنكرة للمنع داخل وخارج السودان. وأصدر حزب الأمة القومي بيانًا قال فيه إن السلطات المصرية رفضت دخول زعيمه الصادق المهدي أراضيها، لدى عودته من برلين لرفضه توجيهات مصرية بعدم المشاركة في اجتماعات للمعارضة بألمانيا، وينتظر أن يكون المهدي قد وصل إلى لندن.
ووصف بيان الحزب القرار المصري بأنه "قرار تعسفي سوف يغرس إسفينا غائرًا في مستقبل العلاقات السودانية المصرية"، مشيرًا إلى أن السلطات المصرية كانت طلبت من رئيس حزب الأمة القومي ورئيس تحالف نداء السودان ألّا يشارك في اجتماعات برلين الخاصة ببحث مسارات الأزمة السودانية، وهو ما تم رفضه "إذ إن الإملاءات الخارجية أسلوب مرفوض رفضا باتًا، لا سيما والرحلة متعقلة بمستقبل السلام والديمقراطية في السودان".
اعتبر تحالف "نداء السودان" المعارض، أن قرار السلطات المصرية منع الصادق المهدي من دخول البلاد "سيضر بالعلاقات بين الشعبين"
وقالت مصادر صحفية لـ"ألترا صوت"، إن هناك تصعّيدًا من الحكومة المصرية في تعاملها مع التشكيلات السودانية المعارضة المقيمة بأراضيها؛ وقالت المصادر إن السلطات المصرية أرسلت رسالة للمعارضين السودانيين البارزين الذين يقيمون بأراضيها؛ طالبتهم فيها بعدم ممارسة أي نشاط سياسي مُناهض أو معارض للحكومة السودانية، وطالبت الرسالة النُشطاء السودانيين بضرورة النأي عن العمل السياسي المعارض حفاظًا على ما أسمته بـ"الأمن القومي لوادي النيل".
اقرأ/ي أيضًا: دراما الإرهاب تفاقم تعقيد علاقة السودان بمصر.. ماذا فعل أحمد عز؟
وبينما اعتبر تحالف "نداء السودان" المعارض، أن قرار السلطات المصرية شكل استجابة لضغوط النظام السوداني، وأن منع الصادق المهدي من الدخول "سيضر بالعلاقات بين الشعبين"، رفضت أصوات مصرية مؤيدة لنظام السيسي هذه الخطوة، مثل ما فعلت نائب رئيس تحرير جريدة "الأهرام" المصرية أسماء الحسيني، فيما كتب الدكتور هاني رسلان تدوينة على صفحته في "فيسبوك" قال فيها إن منع الإمام الصادق المهدي من الدخول إلى مصر خطيئة كبرى "في حق الإمام كقائد سياسى يتسم بالاعتدال والحرص على علاقات ودية ومتوازنة مع مصر، وبذل فى سبيل ذلك جهودًا دؤوبة ومقدرة عبر الحوار والخطابة والكتابة والتواصل بشتى السبل"، واعتبر هاني أن ما حدث لا يصب إلا فى خدمة جماعة لا عهد لها ولا ذمة، ولم يأت لمصر منها ماض وحاضر، إلا كل كيد وحقد وضغينة وأذى، وهو بذلك يشير إلى النظام الحاكم في السودان.
ووفقاً لهذه التطورات في مسار العلاقة السودانية المصرية، قد تشهد البلدان مزيدًا من الإجراءات لإحكام التقارب بين النظامين، إلا أنه مع ذلك يصعب الجزم أن خطوة منع المهدي من دخول القاهرة لا تدعمها دوافع أخرى، خصوصًا وأن المهدي لديه مبادرة تهدف إلى إطلاق سراح الرئيس المصري السجين محمد مرسي، والتوسط بين قيادة إدارة الرئيس السيسي وجماعة الإخوان المسلمين، وقد رفضت مصر تلك الوساطة تمامًا. بالإضافة إلى ذلك، فإنه من المرجح أن هناك صلات قوية للصادق المهدي بإيران، وتأييده لطهران في بعض مواقفها على نحوٍ صريح.
اقرأ/ي أيضًا: