06-أكتوبر-2019

لا يبدو أن أزمة سد النهضة مقبلة على حل قريب (أ.ف.ب)

"فخٌ ومضحك" بهذه العبارات التهكمية وصف رئيس فريق الخبراء الوطني للمياه في إثيوبيا، فقيه النجاش، مقترح مصر بخصوص سد النهضة بملء السد خلال سبع سنوات، شريطة أن تقدم إثيوبيا 40 مليار متر مكعب سنويًا لمصر، واعتبره بأنه ينتهك السيادة الإثيوبية، مشيرًا إلى أن إثيوبيا هي التي ينبغي أن تقدم الاقتراح حول تعبئة السد لا العكس، ما يعني، وفقًا للمسؤول الإثيوبي، بأن الحفاظ على مستوى سد أسوان بارتفاع محدد كما طالبت مصر، يضاهي عدم القدرة على ملء سد النهضة أبدًا .

كشفت مصادر سودانية لـ"ألترا صوت" أن مصر طالبت بتدخل طرف دولي رابع وسيطًا في المباحثات الثلاثية بشأن سد النهضة

ورغم اتساع رقعة الخلافات ورفض إثيوبيا جميع اقتراحات مصر بشأن ملء بحيرة سد النهضة، انتهت اجتماعات اللجان الفنية بين الدول الثلاث، مصر والسودان وإثيوبيا في الخرطوم، بتفاؤل حذر، وشهدت الجولة الأخيرة مناكفات بين الدولتين، وسط شكوك بأن مصر تخفي تفاصيل الخلافات حول السد والمخاطر المحتملة عن شعبها.

اقرأ/ي أيضًا: أزمة سد النهضة.. دليلٌ على فشل الدبلوماسية المصرية

تدفق الاقتراحات المرفوضة

تقوم الخرطوم بدور الوسيط لتقريب وجهات النظر، وهو دور لا يبدو أنه كافٍ لاحتواء الخلافات التي تنشب بين الحين والآخر، خصوصًا وأن إثيوبيا لم توقف عملية البناء التي قطعت نحو 63 في المئة من السد، الذي تبلغ تكلفته 4.9 مليار دولار أمريكي. وكانت مصر أيضًا قد رفضت اقتراحًا إثيوبيًا لملء السد خلال ثلاث سنوات أو أقل من ذلك، واعتبرته "مجحفًا وغير منصف" .

عكفت اجتماعات اللجنة الفنية المشتركة لسد النهضة على دراسة المقترحات والآراء الثلاثة التي دفعت بها دول إثيوبيا ومصر والسودان، وهي اجتماعات تأتي في ظل خلافات كبيرة بين الموقفين المصري والإثيوبي بشأن مقترحات كل طرف، وذلك عقب فشل اجتماعات وزراء الري في الدول الثلاث، والتي عقدت في العاصمة المصرية القاهرة منتصف أيلول/سبتمبر في الوصول إلى تفاهمات، وتدفقت الاقتراحات من الجانبين بعد توقف المفاوضات لأكثر من عام، على أمل أن تصوب على التدفق السنوي للمياه التي يجب أن تحصل عليها مصر، وكيفية إدارة التدفق أثناء فترات الجفاف، وهي عقدة الأزمة بين الدولتين، كما يبدو.

أمريكا على الخط

وكانت الولايات المتحدة الأمريكية، أعلنت الخميس الماضي دعمها للمفاوضات بين مصر وإثيوبيا والسودان بشأن سد النهضة، وحثت الإدارة الأمريكية جميع الأطراف إلى "بذل جهود تتسم بحسن النية للتوصل إلى اتفاق يحفظ حقوق الجميع لتحقيق الازدهار والتنمية الاقتصادية"، على حد وصف البيان الذي طالب باحترام متبادل بين دول وادي النيل فيما يخص حقهم من المياه.

طوق من السرية والكتمان أحيط بجلسات التفاوض داخل الغرف المغلقة التي اجتمعت فيها اللجنة الفنية، ومن ثم وزراء الري للدول الثلاثة، ومما رشح من معلومات فإن الجانب المصري طالب بإجراء المحادثات بعيدًا عن أجهزة الإعلام، ربما لتجنب ضغوطات الشارع الذي يحمل نظام السيسي مسؤولية إضعاف دور مصر الإقليمي.

وكانت مصادر سودانية قد كشفت لـ"ألترا صوت" عن استمرار تمسك الأطراف بمواقفها ومقترحاتها فيما يلي قضية كيفية إدارة السد والحيز الزمني لملء البحيرة، وقالت المصادر إن اللجنة الفنية ناقشت مقترح كل دولة على حدة، مؤكدة أن مصر طالبت بتدخل طرف دولي رابع وسيطًا في المباحثات الثلاثية. وهو ما عززه بيان مصري ثانٍ مساء أمس السبت، حيث قال المتحدث باسم وزارة الري المصرية إن "إثيوبيا قدمت خلال جولة المفاوضات التي جرت في الخرطوم على مستوى المجموعة العلمية البحثية المستقلة، وكذلك خلال الاجتماع الوزاري الذي تلاها، مقترحًا جديدًا يعد بمثابة ردة عن كل ما سبق الاتفاق عليه من مبادئ حاكمة لعملية الملء والتشغيل، حيث خلا من ضمان وجود حد أدنى من التصريف السنوي من السد، والتعامل مع حالات الجفاف والجفاف الممتد التي قد تقع في المستقبل".

وأضاف البيان المصري: "كذلك رفضت إثيوبيا مناقشة قواعد تشغيل سد النهضة، وأصرت على قصر التفاوض على مرحلة الملء وقواعد التشغيل أثناء مرحلة الملء". ويأتي طلب تدخل طرف رابع عقب دعوة الولايات أعضاء وداي النيل لاحترام حق بعضهم البعض في المياه.

الطريق الرابع

المقترح المصري مثار الجدل يتعلق بسنين الجفاف وتاريخه وتكراره مع انحسار منسوب النيل الأزرق وتأثير ذلك على السودان ومصر، اللتين تتخوفان من مخاطر ملء السد ومنسوب المياه ومراعاة آثار الجفاف واحتمالية وقوعه، لكن مخاوف مصر تبدو أكثر من السودان الذي يعتمد على مصادر مياه أخرى، ولم يستغل حصته كاملة من مياه النيل منذ إقرار الاتفاقية في العام 1959. إلى جانب ذلك عملت اللجنة الفنية على التوصل إلى طريق مشترك، ما بين أربع سنوات لملء البحيرة كانت قد اقترحتها الخرطوم، وثلاث سنوات تتمسك بها أديس أبابا، وسبع سنوات تريدها مصر.

وقال وزير الري والموارد المائية السوداني ياسر عباس إن اجتماعات الوزراء الثلاثة سوف تبحث قضية ملء سد النهضة وتشغيله إكمالًا للعمل الذي بدأته اللجنة الوطنية البحثية الفنية المستقلة المكونة من خمسة باحثين من كل دولة، وأشار الوزير السوداني في تصريحات صحافية إلى أن الاجتماعات المتواصلة التي عقدتها اللجان الفنية توصلت إلى نتائج إيجابية يمكن أن تساعد في تجاوز وجهات النظر بشأن القضية.

مخاوف السيسي

من جانبها شددت مصر التي أظهرت حساسية في التعامل مع هذا الملف الذي يتعلق بأمنها القومي على أهمية التوصل إلى اتفاق عادل ومنصف يراعي مصالح الدول الثلاث، دون قيام أي طرف بفرض الأمر الواقع. وقال الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة "إن أي دولة لا يمكن أن تتعرض لمخاطر مثل المخاطر المرتبطة بنقص المياه، إلا إذا كانت في حالة ضعف"، وردت عليه رئيسة إثيوبيا سهلي ورق زودي بالدعوة إلى ترك القضايا الفنية المتعلقة بسد النهضة للاختصاصيين الفنيين من الدول الثلاث.

مسألة قدرية

ينظر الكاتب الصحفي والمحلل السياسي حاتم الياس إلى أزمة سد النهضة من واقع أنها أصبحت مسألة قدرية، ويوضح في حديث لـ"ألترا صوت"، أن بناء السد بات أمرًا واقعًا بعد أن كان في السابق خاضعًا للتقديرات السياسية المتباينة بين مصر وإثيوبيا للدرجة التي كادت "أن تصل فيه العلاقة بين البلدين للتلويح بإجراءات قد تكون ذات طابع عدائي".

اقرأ/ي أيضًا: ارتفاع جديد لأسعار المياه وحلول الحكومة المصرية: "معلش"

ويرى الياس أن الدعاية السياسية المصرية ضد سد النهضة ترتبط بمخاوف قديمة قدم وجود نهر النيل نفسه الذي يعني الحياة لمصر، مضيفًا أنه "لطالما كانت سياسة مصر الاستراتيجية وأولوياتها تقوم على ما يمكن أن نسميه سياسة المنابع، أي تأمين وحماية مجرى النهر"، بينما عزمت إثيوبيا حاليًا على بناء السد وانتهت من بنائه رغم المعارضة المصرية، واصفًا ما يجري الآن بعملية الاختلافات الفنية والتقنية.

عكفت اجتماعات اللجنة الفنية المشتركة لسد النهضة على دراسة المقترحات والآراء الثلاثة التي دفعت بها دول إثيوبيا ومصر والسودان، وهي اجتماعات تأتي في ظل خلافات كبيرة 

عطفًا على ذلك تتخوف مصر من الإضرار بحصتها في مياه النيل (55 مليار متر مكعب)، حيث يحصل السودان على 18.5 مليار، بينما تقول إثيوبيا إنها لا تستهدف الإضرار بمصالح مصر، وإن الهدف من بناء السد، الذي يعتبر الأكبر في أفريقيا، توليد الكهرباء بالأساس، لكن ذلك لم يضع حدًا للخلافات المتفاقمة بين الأطراف الثلاثة، نتيجة مخاوف السودان من انهيار السد، ورغبته في الوقت نفسه بالاسفادة من فائض الكهرباء التي يوفرها، أو انتقاص حصة مصر من المياه، التي تعتمد عليها بشكل ضروري.