يعد المنبر النسوي بولاية كسلا صوتًا واعدًا للنساء بعد الثورة السودانية. وبحسب عضوات في المنبر تحدث إليهن "الترا سودان"، فإن منصة المنبر النسوي كانت مدخلًا للتغيير على الصعيد الشخصي والمجتمعي، حيث شكل مساحة آمنة للحديث حول المسائل الخاصة بالنساء، والبوح بقضاياهن المجتمعية، وإيجاد الدعم اللازم من العضوات.
وتأسس المنبر في فترة اعتصام القيادة في مدينة كسلا في آيار/مايو 2019، ونجح في اقتلاع مساحة بالمشاركة مع الرجال في منصة الاعتصام، وساعد في توفير مساحة آمنة للنساء، بالإضافة للدفع بالأجندة النسوية إلى ساحة الاعتصام، وأقام المنبر عدة أنشطة بالأحياء والسوق، وأدار في الميدنة الواقعة شرقي البلاد، حوارًا معرفيًا وفكريًا كان من أبرز الأنشطة في فترة ما بعد الثورة.
النساء في شرق السودان
للحديث عن المنبر النسوي في كسلا، كان لا بد من إلقاء نظرة على واقع النساء في شرق السودان، وهي المساحة الجغرافية التي يعمل فيها المنبر. فكان اللقاء مع الناشطة النسوية بالمنبر د. يسرا المبشر.
منصة المنبر النسوي كانت مدخلًا للتغيير على الصعيد الشخصي والمجتمعي للعضوات
وتشير يسرا لمؤشرات التنمية والوصول للخدمات الصحية والاجتماعية في الشرق، واصفة إياها بالمتدنية للرجال والنساء بنسب متقاربة، بينما تتأثر النساء بصورة أكبر في المجال الصحي، حيث يواجهن صعوبات في الوصول للخدمات، إلى جانب قضايا الصحة الإنجابية وأدوات الوصول المادية.
للمزيد من المواضيع المشابهة على "الترا سودان:
المرأة السودانية في 2021.. رصيد ثوري كبير ومحطات مهمة
الاقتصاد السوداني.. ودور المجموعات النسوية
وتوضح يسرا أن قضايا النساء في الشرق تختلف بحسب المنطقة الجغرافية، ففي كسلا والبحر الأحمر تنشط المجموعات الرعوية، بينما تعمل النساء في القضارف بالزراعة، الأمر الذي ينعكس بشكل مباشر على أشكال التحديات التي يواجهنها والصعوبات التي يفرضها عليهن الواقع المعقد لفسيفساء شرق السودان.
وأشارت المبشر إلى أن قضايا المزارعات تتضمن استغلال أصحاب الأراضي لهن، والأجور المتدنية التي يتلقينها، إلى جانب السير لمسافات طويلة للوصول لمكان العمل. وتتركز قضاياهن في مسائل العدالة وتحسين بيئة العمل، وتوفير الخدمات الصحية والإسعافات الأولية في حال تعرضت إحداهن لإصابة عمل، وغيرها من المسائل المتعلقة بالحقوق المادية والمعنوية.
وأردفت المبشر: "نرصد مؤشرات تتقاطع مع مفاهيم النوع الاجتماعي فيما يتعلق بالنساء اللاتي يعانين في الوصول للخدمات، مع ملاحظة ضعف مؤسسات الدولة، وعدم مواكبتها لحركة المجتمعات المتغيرة. مع وجود اختلافات بين النساء في مناطق الحضر والريف، فنجد النساء في المدن الحضرية ينادين بالمشاركة السياسية والحساسية الجندرية في العمل، في ظل وجود عمران صديق للنساء إلى حدٍ ما، وعلى صعيد آخر، تهتم المرأة في الريف بمواضيع الرعاية الاجتماعية، وأمور المعيشة، وصحة الأطفال والماشية المنزلية وغيرها من القضايا الخاصة بأسلوب الحياة في الريف.
اقرأ/ي أيضًا: نساء الريف.. "الهجرة" بحثًا عن الصحة النفسية
وأكدت د. يسرا أن المنبر أتاح لها فرصة العمل من موضع المسؤولية المجتمعية، وكان أداة للتغيير، ووفر لها ولأخريات أدوات وامتيازات للتغيير، مع توفر مساحة آمنة وشجاعة في المدينة الوادعة شرقي البلاد.
تطلعات نحو المستقبل
وتقول عضوة المكتب التنفيذي للمنبر هند عوض الكريم، إن المنبر كان مساحة لها لتغيير كثير من المفاهيم حول النسوية، حيث أن الفهم السائد حول مدلول مفهوم النسوية، أنهن مجموعة نساء خارجات عن المجتمع، ينادين بقيم منافية لقيم المجتمع.
أما بعد انضمام هند للمنبر النسوي، تصححت الكثير من المفاهيم، وتكمل بقولها: "أصبحت أحلل وأفهم المجتمع، وكيف يفكر، وتعلمت كيف أدفع بالأجندة النسوية ليتقبلها المجتمع".
ذلك بالإضافة للتغلب على مشاعر الخوف إلى جانب الوعي بالحقوق.. "حاليًا نناضل في كسلا لتقبل المجتمع لنا"، كما تقول هند عوض الكريم.
عضوة المكتب التنفيذي للمنبر:شراكات بين المنبر ومنظمات أخرى لقيام الأنشطة والمنتديات
ووصفت هند المنبر بالتطوعي. وأشارت للبدايات الأولى لتكوين المنبر وجلسات النقاش بأرض الاعتصام في العام 2019 لمناقشة الكتب الفكرية والسياسية. موضحة وجود شراكات بين المنبر ومنظمات أخرى لقيام الأنشطة والمنتديات.
وأبانت هند أن المنبر دشن نشاطه رسميًا في 8 أيار/مايو 2019، ثم أقام فعالية بالتزامن مع يوم المرأة العالمي. وقالت في إفادتها لـ"الترا سودان"، إن المنبر ناقش قضية أوضاع النساء في ظل الأنظمة الديكتاتورية، وتضمين الأجندة النسوية مع الأجندة الثورية، وتقييم أوضاع النساء خلال الفترة الانتقالية، ومراجعة نسب مشاركة المرأة في هياكل السلطة، مع التركيز على تطلعات النساء للمستقبل.
وعن الأنشطة التي نفذها المنبر النسوي بمنطقة كسلا، فتشير هند لإقامة مخاطبات عن الديمقراطية بلغة مبسطة في سوق المدينة، مع التركيز مستقبلًا على قضايا الإصلاح والبناء القاعدي للجان المقاومة، وضمان تمثيل النساء العادل داخل اللجان.
تحديات وإنجازات
اختلف واقع كثير من النساء والشابات بعد الثورة السودانية، حيث أتاحت أجواء الحريات لهن مساحات للتعبير عن قضاياهن والتحرر من الخوف المجتمعي.
ناشطة نسوية: نجح المنبر في تقديم العون القانوني والنفسي لعدد من النساء المعنفات
وهو ما تذهب إليه الناشطة النسوية والتي نشير لها بالحرف "ر" بقولها، إن قبل اندلاع الثورة لم تجد المساحة الكافية للتعرف على العالم مع أجواء التعتيم التي وصفتها بـ"ضيق النفس"، بالإضافة إلى خوف العائلة من مشاركة البنات في المواكب خوفًا من الاعتقال.
وأوضحت "ر" أن شخصيتها تطورت مع تطور المنبر وتطور آليات عمله، إضافة للنقاش الفكري والسياسي المصاحب، والتعرف على أشخاص داعمين.
وتقول "ر" لـ"الترا سودان"، بأنها تعرفت على شابات في أعمار مقاربة لها ذوات وعي مرتفع. وتروي عن أهم إنجازات المنبر: إنشاء "رابط صراحة"، وهو عبارة عن رابط لموقع يتيح إرسال الرسائل وعرض المشكلة دون الكشف عن هوية المرسل. وكشفت عن تلقي المنبر لعدد من الرسائل من فتيات معنفات، ونجح المنبر في تقديم العون القانوني والنفسي لهن، على حد قولها.
وعن أهم التحديات التي تواجه المنبر، تسرد "ر" بقولها، إن في البداية كان ينظر للمنبر كمنصة ثورية وليست حقوقية، وعقب توقيع الوثيقة الدستورية أصبحت الأهداف والرؤى واضحة وهي قضايا النساء ومناهضة الأبوية والذكورية في المجتمعات. بالإضافة -بحسب ما تشير "ر"- لمحاولات شيطنة المنبر، باتهامه بأنه ذو توجهات غربية وأنه هادم للمجتمع. وتقول "ر" إن التحديات تمثلت في قلة الدعم المالي واللوجستي، وظهور مجموعات ذات سلطة وقبول في أوساط المجتمع تعمل ضد المنبر.
واستدركت بالقول، نسعى من خلال المنبر للعمل في المجتمع، وبالرغم من التحديات نحاول المحافظة على السلام النفسي، لتقديم المساعدة للآخرين. مؤكدة محاولة المنبر للوصول لمحليات كسلا المختلفة، مثل منطقة حلفا الجديدة وخشم القربة.
خاتمة
يبدو المنبر للناظر لحال شرق السودان المأزوم بالصراعات القبلية وارتفاع نسب الأمية والفقر، مثل نقطة ضوء وسط العتمة، في محاولاته المستمرة والحيوية عبر الأنشطة المختلفة، لتقديم يد العون للنساء، ونشر الوعي وثقافة الحقوق، في بيئة مقاومة للتغيير، ومجتمع محافظ يعاند موج التحولات.
اقرأ/ي أيضًا
"النساء يحوّلن المجتمع".. قمة تسلط الضوء على نساء السودان ما بعد الثورة