29-مايو-2017

الرئيسان المصري والسوداني خلال اجتماع على هامش القمة العربية في الأردن (الأناضول)

نظامان كل منهما وصل رئيسه للحكم على ظهر الدبابة. عسكر تولوا زمام الأمور فامتلأت البلاد بأزمات داخلية على جميع المستويات الأمنية والسياسية والاقتصادية، ففي الحالة المصرية مع عبد  الفتاح السيسي والسودانية مع عمر البشير، الوضع متشابه؛ فالنظامان يتفقان في الكثير من الملامح، ومن أبرزها كثرة الحديث عن حماية الوطن والأمن القومي، استغلالًا لكسب الدعم الشعبي، ومبررًا لإهدار الحقوق والحريات، كما أنهما يشتركان في سعيهما للحصول على دعم بعض دول الخليج نيلًا للرضا والمال.

رغم هذا التشابه إلا أن الخصومة بين البلدين في تصاعد مُستمر، إما بسبب مثلث حلايب وشلاتين، أو بسبب سد النهضة الإثيوبي، أو بسبب المعارضة في الداخل السوداني، أو بسبب دول الخليج التي كثيرًا ما تمثل مُؤشرًا للعلاقات بين مصر والسودان، بحيث تهدأ الأوضاع قليلًا بتقارب كليهما مع السعودية، وتتوتّر وفق المعطيات الخليجية ومستوى العلاقة المصرية السعودية في حين آخر.

رغم التشابه بين نظامي السيسي والبشير، إلا أن الخصومة بينهما في تصاعد مستمر، لأسباب متعددة

وهكذا دواليك، إذ لا تنتهي دوائر الصراعات والمعارك الكلامية بين الجانبين، والتي كان آخرها اتهامات أطلقها الرئيس السوداني عمر البشير، يتهم فيها مصر بإمداد المتمردين في دارفور بعربات ومدرعات مسلحة، غير أنّ السيسي اكتفى برد دبلوماسي غير صريح بأنّه "شريف لا يقوم بمثل تلك الأفعال".

اتهامات البشير وأزمة المدرعات

لم تكن المرة الأولى التي يعلن فيها الرئيس السوداني عمر البشير مساندة النظام المصري للمتمردين على حدود دولته، فالتصريحات التي ألقاها البشير خلال لقاء مع المحاربين السودانيين القدامى، الثلاثاء الماضي، حول ضبط قواته عربات ومدرعات مصرية إثر المعارك الاخيرة في إقليم دارفور منذ عدة أيام، وأضاف البشير خلال اللقاء: "حاربنا مع المصريين منذ 1967، وظللنا نحارب لمدة عشرين سنة ولم يدعمونا بطلقة. والذخائر التي اشتريناها منهم كانت فاسدة"، فيما أكّد أمين حسن عمر، مبعوث رئيس السودان للمفاوضات والتواصل الدبلوماسي حول إقليم دارفور، أن الجماعات المتمردة هي التي نفذت الهجومين المذكورين على إقليم دارفور.

تمثل دول الخليج مؤشرًا للعلاقات بين مصر والسودان، إذ تهدأ الأوضاع قليلًا بتقاربهما مع السعودية، وتتوتر وفق الموقف المصري السعودي

من جانبه رد الجانب المصري متمثلًا في السيسي الذي قال إنّ "سياسة مصر شريفة في زمن عز فيه الشرف. مصر لا تتآمر، وطول ما أنا موجود في المكان ده عمر ما الموضوع ده هيحصل. والسودان أشقاء لمصر". وقبل ذلك بعدة شهور أبدت دولة جنوب السودان استياءها من اتهام البشير لمصر بدعمها عسكريًا.

وفي شباط/فبراير الماضي، اتهم البشير مصر بدعم المعارضة السودانية، وذلك خلال زيارته للإمارات، إذ قال البشير للوفد الإعلامي المصاحب إنّ لدى إدارته معلومات تفيد بأنّ "القاهرة تدعم حكومة جنوب السودان عن طريق الأسلحة"، متهمًا مؤسسات في مصر بالتعامل مع السودان بـ"عدائية"، على حد تعبيره.

وعلى المستوي الرسمي كان هناك اتهام من وزير الداخلية السوداني في 15 نيسان/أبريل الماضي لسلاح الطيران المصري، باختراق الحدود المصرية السودانية وقتل عدد من المواطنين السودانيين، كما صرح بأنّ القوات المصرية أصابت مواطنًا سودانيًا بطلق ناري في نفس اليوم خلال مطاردته غرب منطقة أبو رماد، في حين اشتكى وزير الدفاع السوداني عوض بن عوف، منذ عدة أيام، مما أسماه تعرض الجيش السوداني إلى "استفزازات ومضايقات" في منطقة حلايب من جانب القوات المصرية.

اقرأ/ي أيضًا: السودان.. دعوات إلى "انتفاضة ثالثة"

وإلى جانب الاتهامات السودانية لمصر بدعم المتمردين في دارفور وجنوب السودان بالسلاح، فإن الدعم المصري للمعارضة السودانية المدنية لا يحتاج للحديث، فمصر سمحت للمعارضة السياسية الرسمية للسودان بفتح مكتب لها في القاهرة، التي أصبحت منفى اختياريًا للصادق المهدي رئيس الوزراء السوداني الأسبق، والذي انقلب البشير عليه عسكريًا واستولى على السلطة في نهاية الثمانينات، غير أن وزير الخارجية المصري أكد لنظيره السوداني أن المعارضة لا تمارس أية أنشطة سياسية.

السودان يدعم المعارضة المصرية

الخرطوم من وجهة نظر القاهرة ليست بريئة تمامًا من أعمال عدائية ضد مصر وحلفائها، فعلى مستوى الإمداد بالسلاح، يعتبر الجانب المصري أن السودان من مؤيدي معارضي اللواء خليفة حفتر في ليبيا، وذلك استنادًا إلى تصريح المتحدث باسم القوات التابعة لحفتر في حزيران/يونيو 2014، القائل بأنّ القوات المسلحة السودانية، دعمت بالسلاح، المليشيات العسكرية التابعة لعبدالحكيم بلحاج، المعارض لحفتر. 

ورغم التصريحات الرسمية من الجانب السوداني، إلا أن الجانب المصري الرسمي حتى الآن، يبتعد عن التراشق بالتصريحات، تاركًا الأمر لوسائل الإعلام المصرية المؤيدة للنظام. هذا وتتركز الاتهامات المصرية للسودان على إيواء الأخير لقيادات وعناصر من جماعة الإخوان المسلمين، ومعارضين للنظام المصري الحالي، بينهم من هو صادر بحقه أحكام قضائية بالسجن، إلا أنّ السودان ينفي ذلك، كما أن القاهرة لم تعلن إلى الآن عن أية قوائم تضم المتهمين في السودان.

تلطيف الأجواء

كل من الطرفين لم يترك مناسبة إلا وأكد فيها أن سيطرته على مثلث حلايب وشلاتين جزء من سيادة أراضيه، بل إن السيسي في أوّل لقاء جمعه بالبشير في القاهرة، استضافه في القصر الجمهوري، ومن خلفهما خريطة كبيرة للقطر المصري بأقاليمه، وبخطٍ جنوبيٍّ مستقيم تأكيدًا على مصرية حلايب وشلاتين.

ومع ذلك، وخلال الفترة التالية كان ثمّة تقارب بين الجانبين رغم المناوشات الإعلامية والتصريحات الفرعية، إذ شارك البشير في مؤتمر دعم الاقتصاد المصري بشرم الشيخ في آذار/مارس 2015. وفي حزيران/يونيو سافر السيسي للسودان ليشارك في مراسم تنصيب البشير لفترة رئاسية جديدة. 

ثم اتفق الطرفان على مبادرة "تصحيح العلاقات" بإفراج السودان عن نحو 100 صياد مصري محتجزين في السودان مقابل عفوٍ رئاسي مصري عن نحو 44 سودانيًا كانوا محتجزين في مصر، كما وقّع الطرفان وثيقة شراكة إستراتيجية، والعديد من الاتفاقيات في مجالات سياسية واقتصادية وأمنية.

الخليج والإعلام.. كلمتا السر أحيانًا

التقارب السوداني الخليجي وبخاصة مع المملكة العربية السعودية، ألقى بظلاله على العلاقات مع مصر، ففي 2014 قررت السودان وبشكل مفاجئ غلق عدد من المدارس الإيرانية التي قالت إنها تنشر الفكر الشيعي، وفي أعقاب الهجوم على سفارة السعودية في طهران، وحرق محتوياتها، أغلقت السودان السفارة الإيرانية بالشمع الأحمر، ما عزز العلاقات بين السودان والسعودية، والتي كانت تعيش فترة عصيبة خلال التقارب بين السودان وإيران. وتكلل التقارب بين السعودية والسودان بمشاركة السودان ضمن التحالف العربي في اليمن والذي تقوده السعودية.

ومع الأزمة السابقة التي لحقت بالعلاقات المصرية السعودية عقب التصويت المصري في مجلس الأمن لصالح مشروع روسي ضد المعارضة السورية، وتأجيل تسليم جزيرتي تيران وصنافير بعد صدور حكم من القضاء الإداري بعدم قانونية اتفاقية ترسيم الحدود البحرية المصرية السعودية، لتتخذ المملكة قرارًا بإيقاف إمدادات البترول لمصر، توقع البعض، أن يكون السودان بديلًا عن مصر في تلقي بعض الدعم الذي ستعطيه السعودية لمن يساندها.

اقرأ/ي أيضًا: بعد "تيران وصنافير".. حلايب وشلاتين نحو الجنوب

ويرى بعض المحللين أن تصعيد السودان من مطالبته بحلايب وشلاتين جاء بعد التوقيع على اتفاقية ترسيم الحدود بين مصر والسعودية، والتي تنازلت بموجبها مصر عن جزيرتي تيران وصنافير. وفي شباط/فبراير هاجم الإعلام المصري السودان والسعودية، وفي تقرير حذف من على موقعها الإلكتروني قالت صحيفة الوطن المصرية المؤيدة للنظام الحالي، إن هناك اتفاقًا بين السعودية والسودان حول تصعيد ملف حلايب للضغط على الجانب المصري، ولكن بعد الصلح بين السيسي والعاهل السعودي سلمان بن عبد العزيز، توقف الإعلام المصري عن تناول سيرة السعودية، لكنه استمر في التراشق مع السودان.

تسيطر مصر على مثلث حلايب وشلاتين سياسيًا وإداريًا وعسكريًا بحكم الأمر الواقع
تسيطر مصر على مثلث حلايب وشلاتين سياسيًا وإداريًا بحكم الأمر الواقع

 

السودان يواجه

من جانبها ترى الخرطوم أن الأساس في الأزمات بين الطرفين، هو الجانب المصري، وبخاصة إعلامه، وهو ما ألمح إليه وزير الخارجية السوداني إبراهيم الغندور، في لقاء جمعه بسامح شكري وزير الخارجية المصري، في نيسان/أبريل الماضي، إذ قال: "نأمل من الإعلام في السودان ومصر، أن يضع نصب أعينه أن القيادة السياسية تقود الأمور نحو الإيجابية، وتضع نصب أعينها على مصلحتينا".

لكن مع ذلك يخطو السودان خطوات تصعيدية، كما حدث في نيسان/أبريل الماضي، فبالرغم من مرور نحو شهرين، إلا أن السودان تذكر أن مصر باعتبارها عضوًا غير دائم في مجلس الأمن، كانت قد وافقت على تمديد العقوبات في جلسة مجلس الأمن التي تمت في شباط/فبراير الماضي، والذي بعده قالت مصر إنّها تقف إلى جوار السودان وتسعى إلى رفع العقوبات عنها، ما قد يكشف لجوء السودان أحيانًا للتصعيد من أزمات ماضية.

لكن لم يقف الأمر عند ذلك، خاصة بعد أن نحى السودان منحى الرد على كل ما يمسه من جهة مصر. فعلى سبيل المثال في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، صعّدت الخرطوم ضد مصر بعد أن تعرض مواطن سوداني للتعذيب في قسم شرطة مصري، إذ وصل الغضب في الشارع السوداني إلى تعليق لافتات على المحال ترفض دخول المصريين لشراء احتياجاتهم، وأوقف السودان في نفس الشهر اجتماعات سد النهضة التي كان مقررًا عقدها في الخرطوم.

تاريخ الأزمات قبل السيسي

كانت الأزمات بين البلدين متركزة حول حلايب وشلاتين. وقد بدأت في الظهور بشكل طاغٍ عام 1992، بعد أن حاولت شركة كندية الحصول على حق التنقيب عن النفط في تلك المنطقة، وحينها اعترضت مصر على اعتبار أن المثلث "منطقة تكامل". ولكن عقب محاولة اغتيال الرئيس المخلوع محمد حسني مبارك، في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا عام 1995، دخلت القوات المصرية مثلث حلايب وشلاتين، ثم في عام 2000 انسحبت القوات السودانية تمامًا، وانتشر الجيش المصري بشكل كامل.

انحصرت الأزمات بين البلدين في حلايب وشلاتين، قبل أن تظهر قضية سد النهضة الإثيوبي الذي يؤيّد السودان بناءه

ظل الوضع على ما هو عليه، حيث السودان يطالب بما تقول إنها أراضيها، ومصر تفرض قواتها المسلحة السيطرة على ما تقول أيضًا إنها أراضيها، حتى جاء عام 2010 ليقر السودان منطقة حلايب وشلاتين كدائرة انتخابية تابعة للسودان، ثم عقب الثورة المصرية في 2011، اُقيمت بالفعل دائرة تصويت، ونُقل صندوق انتخابي بطائرة عسكرية من وإلى حلايب وشلاتين.

اقرأ/ي أيضًا: لماذا لا يسقط النظام في السودان؟ (3-3)

ظهرت أزمة أُخرى مشتركة بين البلدين، وهي أزمة سد النهضة، الذي كان السودان يشارك مصر موقفها، حتى اختلف موقفه معها في 2013، وتحديدًا في أيار/مايو من ذلك العام، مع قرار أديس أبابا تغيير مجرى النيل الأزرق كخطوة فاصلة في بناء السد، لتعلن إثر ذلك الخارجية السودانية عدم تضرر بلادها من السد، ثم يُعلن البشير في كانون الأوّل/ديسمبر 2013، تأييده بناء سد النهضة، وذلك خلال تدشين مشروع شبكة ربط كهربائي بين إثيوبيا والسودان.

 

اقرأ/ي أيضًا:

السودان.. ضد الشعب في لقمته

السيسي.. خطب الدكتاتور المأزومة