28-أكتوبر-2022
صورة للخرطوم مساءً

تعمق الأزمة الاقتصادية من تقليص رغبات سكان العاصمة في السهر أو الخروج إلى الترفيه

حتى في أرقى أحياء العاصمة السودانية الخرطوم لا تشاهد مظاهر الاحتفال لسكانها أو "سهرات نهاية الأسبوع" التي تبدأ في العادة في ليلة الخميس في هذه المدينة التي تقع بين ضفتي النيل الأزرق والأبيض.

في بعض الأحيان تقيم المسارح ليلة للغناء وتستضيف الفنانين وتطرح التذاكر للبيع، لكن هذا أيضًا يعتمد على المواسم وكثيرًا ما تشكو المسارح والأماكن العامة من الإغلاقات المتطاولة.

تعتقد مجتمعات باحثة عن حياة السهر أن الخرطوم مدينة تفتقر إلى "هوية الترفيه"

تعمق الأزمة الاقتصادية من تقليص رغبات سكان العاصمة في السهر أو الخروج إلى الترفيه لأن الخرطوم قد فرضت على قاطنيها "الصخب الصباحي" حتى موعد العصر لملايين جاؤوا بحثًا عن تحسين الحياة من الأقاليم البعيدة، وقد لا يكون قضاء الوقت ليلًا خارج المنزل من ضمن خياراتهم.

تعتقد المجتمعات الباحثة عن حياة السهر والترفيه "أنهم دفنوا أحياء" في هذه المدينة التي لا تملك "هوية الترفيه" وظلت كما تركها النظام البائد الذي مارس التشدد الديني في سني حكمه الأولى بمنع الحفلات وتقييدها بالإجراءات الأمنية.

يقول محمد عبدالمنعم وهو شاب يعمل بسيارة أجرة عن طريق تطبيقات الهاتف الذكي لـ"الترا سودان" إن العادة المتبعة في السودان خاصة العاصمة قضاء السهرة في مناسبات الزواج.

وأضاف: "نتلقى طلبات إضافية يوم الخميس في عطلة نهاية الأسبوع وأغلبهم يذهب للمشاركة في حفلات الزفاف بالقاعات الخاصة وصالات الأفراح ونادرًا ما تجد من يود قضاء الليل في مطعم". وأردف: "لقد انحسرت هذه الأمور كثيرًا بسبب الأزمة الاقتصادية والمخاوف الأمنية".

https://t.me/ultrasudan

وتعج المنصات الاجتماعية مثل "فيسبوك" و"توتير" و"واتس آب" الأكثر استخدامًا بين السودانيين بأنباء غير مؤكدة عن حوادث سطو ونهب في الطرقات في أحياء العاصمة والأسواق. ومع أن الشرطة تقلل من أهمية هذه المعلومات مؤكدةً انتشار قواتها إلا أن العديد من الجرائم تنتهي إلى تقييدها ضد مجهول.

تتمدد العاصمة على طول أكثر من (150) كيلومترًا وبعرض نحو (75) كيلومترًا، وبالنسبة إلى سكانها فأغلبهم لا يود العودة إلى وسط العاصمة للسهر أو قضاء الأمسية إذا ما غادروا أعمالهم التي عادة ما تكون في الأسواق ووسط الخرطوم وأم درمان والخرطوم بحري. وحتى الأحياء لا تركز على إقامة المسارح والمقاهي؛ فالأنشطة هناك تقتصر على بائعات الشاي اللائي يجلسن في الطرقات وينهين أعمالهن في وقت مبكر من الليل.

يبدأ الليل في الخرطوم من الخامسة عصرًا، ولا ترتفع سوى أصوات الحافلات التي تنقل العائدين من يوم عمل مرهق إلى الأحياء

قال معاوية (ضاحكًا) عند سؤاله أين تسهر: "نشرب القهوة قرب الأسفلت من البائعة وهكذا ينتهي يومنا. ألتقي أصدقائي هناك ونتسامر لساعات ثم أعود إلى المنزل". وأضاف: "لا أتذكر أنني خططت يومًا ما لقضاء السهرة في مكان خاص بالترفيه أو شارع النيل كما يفضل السودانيون".

شوارع مظلمة وطرقات وعرة وأعمدة إنارة متقطعة وسيارات مسرعة وشارات مرور بعضها معطل وانتشار لبائعات الشاي في الساحات مع بعض المطاعم التي تعمل ليلًا يرتادها الأشخاص العابرون إلى الأحياء.

يبدأ الليل في الخرطوم من الخامسة عصرًا ولا ترتفع سوى أصوات الحافلات التي تنقل العائدين من يوم عمل مرهق إلى الأحياء إلى درجة أنك ترى الطرقات في الاتجاه المعاكس خالية من السيارات التي تنقل الناس إلى قلب المدينة أو مواقع الترفيه.

بضعة مطاعم ومقاهي تعمل في شارع النيل، كان هذا المكان وجهة لسكان العاصمة في السنين السابقة، لكن في العامين الأخيرين مع إغلاقات كورونا وتضاعف الأزمة الاقتصادية قلّ مرتادوه.

يوضح أحمد عامل طلبات توصيل الطعام لـ"الترا سودان" أن السكان هنا درجوا على التجمع في منزل العائلة وطلب الطعام عبر الهاتف من المطاعم في الأحياء الراقية التي يقطنها الذين لديهم القدرة على تحمل النفقات المالية.

لا تنعدم الرغبة بين السودانيين في السهر في الأماكن العامة، لكن الثقافة بين المجتمعات متباينة كما يقول شهاب عبدالله الذي يدير مكتبةً شرقي العاصمة لـ"الترا سودان". ويرى شهاب أن المجتمعات لديها تحفظات على طريقة السهر وأن العديد من السكان لا يسمحون للفتيات أو الشبان بالخروج ليلًا؛ فالمجتمع يفرض عادته - كما يقول، لكن هناك أيضًا بعض من القيود التي تحطمت في هذا الصدد – على حد قوله.

مواطن لـ"الترا سودان": قد تسمح بعض المجتمعات بالخروج والسهر، لكن هذه طبقة محدودة والغالبية تعيش في فقر مدقع

وأضاف: "إذا ذهبت إلى المقاهي أو المطاعم في الخرطوم ستجد بعض الشبان والفتيات وقد تسمح بعض المجتمعات التي لديها قدر من الوعي والتعليم الجيد أو الاحتكاك مع الغرب بالخروج والسهر". ولكنه يستدرك قائلًا: "هذه طبقة محدودة في الخرطوم بينما الغالبية يعيشون في فقر مدقع". "المال أيضًا يلعب دورًا في طريقة الحياة في السودان" يقول شهاب.