12-فبراير-2018

تتجه الحكومة السودانية إلى تصنيع نقود ذهبية لمحاربة استبدال العملة السودانية بالدولار )Getty)

لم تمر إلا أسابيع قليلة على إجازة موازنة السودان للعام الحالي، إلا وبدأت انعكاساتها تظهر اقتصاديًا، إلى حد قفز فيه الدولار الواحد إلى أربعين جنيهاً، وفقدت الدولة السيطرة على أسعار السلع، حتى غير المرتبطة بالدولار والسوق الخارجي، وتبع ذلك مظاهرات متفرقة بسبب الغلاء، ما اضطر الرئيس السوداني عمر البشير إلى الدخول في معركة مفتوحة، كما قال، مع المصارف والمضاربين في الدولار ومن أسماهم هو بـ"القطط السمان"، وهو تعبير استخدمه البشير في آخر خطاباته وقصد به شبكات الفساد والتي حسب رأيه تتورط في ارتفاع الدولار مؤخرًا.

قفز الدولار إلى أربعين جنيهاً سودانيًا مع بداية العام، وفُقدت السيطرة على أسعار السلع ونتج عن ذلك احتجاجات اضطرت السلطة لإعلان إصلاح اقتصادي وسياسي

ولم يكن أحد يتخيل أن تتحول الأزمة الاقتصادية إلى أزمة سياسية لدرجة أن تطيح، الأحد 11شباط/ فبراير الجاري، بمدير جهاز الأمن والمخابرات في السودان الفريق محمد عطا من منصبه، وتعيد المدير السابق الفريق صلاح قوش، الذي اتهمه البشير سابقًا بمحاولة الانقلاب عليه في كانون الأول/ ديسمبر 2012. ومع تطور التظاهر والاحتجاجات، عقد عمر البشير أكثر من اجتماع بالقصر الجمهوري، نتجت عنها قرارات البنك المركزي المتمثلة في منع المصارف والبنوك من الاستيراد إلا بموافقته، بجانب منعها من المتاجرة في الذهب، وحصر المهمة على البنك المركزي فقط .

الرئيس عمر البشير في حواراته توعد المضاربين بالدولار، مهددًا بملاحقة تجار العملات الأجنبية خارج البلاد بتهم "تخريب الاقتصاد وغسيل الأموال وتمويل الإرهاب"، فيما لم يستبعد نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الاستثمار السوداني، مبارك الفاضل "وجود أصابع أجنبية متورطة في الأزمة، حسب تعبيره، ونوه في حوار صحفي إلى ما سماها "خطة استخباراتية لتخريب اقتصاد بلاده"، وهو يقصد هنا حسب متابعين للشأن السوداني الجار المصري.

الأزمة الاقتصادية في السودان اصطحبت معها قرارات متسارعة، حيث أعلنت الحكومة عن تصنيع نقود ذهبية لمحاربة استبدال العملة السودانية بالدولار، وذلك للحفاظ على قيمتها، واحتواء أسواق العملة الموازية، وقال وزير المعادن هاشم علي سالم: "المصنع سيتم إنشاؤه في غضون شهرين، وسينتج مليون قطعة نقد ذهبية"، إلى جانب إعلان الحكومة عن موافقة دول خليجية –لم تسمها- على تسليم تجار العملة السودانيين الذين يعملون في أراضيها، لجهة أن المضاربة تصنف تخريباً للاقتصاد وعملاً إرهابياً. وتوقع وزير الدولة بوزارة المالية عبدالرحمن ضرار حصول الحكومة على قروض سلعية خلال شهر شباط/ فبراير الجاري من دول وصفها بـ"الصديقة".

اقرأ/ي أيضًا: "الرجل البمبان" في السودان.. تصاعد وتيرة الاحتجاجات والقمع والاعتقالات

ولم ينته الأمر هنا، وإنما حذر النائب العام عمر أحمد محمد جميع المواطنين بأخذ الحيطة والحذر في التعامل بفئة الخمسين جنيه والتأكد من سلامتها، كاشفاً عن ضبط متهمين قادمين من مصر بتهريب مبالغ مالية مزيفة من فئة الخمسين جنيهاً إلى داخل البلاد، ولفت إلى أن الاعترافات الأولية كشفت عن مئات الملايين قد تم تزويرها، مع توقعات باستبدال فئة الخمسين جنيهاً قريبًا. فيما بدأت البنوك تحديد سقف للسحب المالي، لتعطيل موجة سحب العملاء أموالهم من البنوك بغرض استبدالها بالدولار. وهي الخطوة التي تسببت في خنق السيولة وهبوط مؤقت لأسعار الدولار، بحسب مراقبين.

من غير الواضح إلى حد الآن نتائج القرارات التي اتخذها عمر البشير وحكومته لكن يبدو أن انعكاساتها سياسيًا متواصلة وتُحيل لعودة بعض "الحرس القديم" لحماية حكم البشير

الناشط السياسي والقانوني نبيل أديب اعتبر قرار بنك السودان سحب فئة الخمسين جنيهاً "كمن يطلق النار على قدمه، لأنه يثير الذعر في نفوس الجمهور"، لافتاً في حديث لـ"ألترا صوت" إلى ضرورة نشر البنك صورة للعملة المزيفة كي لا يقع الناس ضحايا للتزوير. وحول حرب عمر البشير على ما أسماهم بالقطط السمان، قال أديب: "قد ينجح إذا توفرت الإرادة السياسية، لأن المسألة تحتاج لإصلاح قانوني يطال قوانين الشفافية ومحاربة الفساد"، وأضاف "القطط السمان يعيشون في الظلام، إذا تم إصدار قوانين تُخضع المرافق الحكومية للشفافية لن يستطيعوا البقاء، وهنا أقصد خاصة قانون المشتريات وتعيين مفوضية الفساد وتمكينها من أداء واجبها".

اقرأ/ي أيضًا: بالفيديو: ميليشيا حفتر تختطف وتعذّب سودانيين في ليبيا

من جانبه، لم يستبعد الخبير الاقتصادي عثمان البدري وجود علاقة بين التغييرات الأمنية والإصلاح الاقتصادي، الذي يقول عمر البشير إنه بدأه لتجاوز الأزمة الاقتصادية، وفسر "إشارة عمر البشير للقطط السمان قد تعني المسؤولين الذين اغتنوا من المناصب التي أوكلت إليهم"، لكنه عاد وأكد لـ" ألترا صوت" أن السبب الرئيس في أزمة الجنيه، حسب رأيه هي الإنفاق الحكومي الزائد، والصرف خارج الموازنة المحكومة بالضوابط المعروفة في الشراء والتعاقد".

وعلم "ألترا صوت" من مصادر مقربة من السلطات السودانية أن تغيرات سوف تطال بنية الحزب الحاكم والدولة على غرار إعادة تعيين صلاح قوش مديراً للأمن والمخابرات الوطني، وستدفع بوجوه قديمة لشغل مناصب عليا بهدف ما يُعتبر الإصلاح السياسي والاقتصادي، وهي ذات الوجوه المعروفة بـ"الحرس القديم"، أبرزها النائب الأول السابق لرئيس الجمهورية علي عثمان محمد طه ليتسلم موقع رئيس الوزراء بدلاً عن الفريق بكري حسن صالح.

والراجح في إعادة تعيين صلاح قوش أن الرئيس عمر البشير شعر بوجود اختراقات أمنية، وربما ما هو أخطر من ذلك، خلال الأشهر الماضية، لدرجة إغلاق الحدود مع الجارة إريتريا وسحب السفير السوداني من مصر، فضلاً عن أن صلاح قوش يعتبر رجل أمريكا في السودان وقد بدأ التعاون مع أجهزة المخابرات الأمريكية منذ وقت مبكر، تحديدًا في ملف مكافحة الإرهاب، ولربما سعى مجددًا لتجسير العلاقة بين واشنطن والخرطوم بعد جفوة طويلة، كما أن الدافع الآخر في عودة صلاح قوش دعمه المعلن لإعادة ترشيح عمر البشير في الانتخابات السودانية المقبلة عام 2020 لا سيما وأن بعض قيادات الحزب الحاكم جاهرت برفضها تعديل الدستور الذي لا يسمح للبشير بالترشح لدورة أخرى، ومن هنا تنبع أهمية وجود صلاح قوش على رأس جهاز الأمن والمخابرات، حسب عمر البشير،  لحسم تلك الأصوات المناوئة وتسليك الطريق لعودة عمر البشير.

 

اقرأ/ي أيضًا:

سواكن السودانية.. محطة جديدة لحروب الإمارات لاستعمار موانئ البحر الأحمر

النقابات السودانية.. حرب الاستقلال على التدجين السلطوي