11-نوفمبر-2023
وزير الخارجية الأمريكي مع نظيره السعودي

وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلنكن مع نظيره السعودي فيصل بن فرحان (Getty)

قبل اكتمال التوقيع على اتفاق الملف الإنساني وإجراءات بناء الثقة بين الجيش السوداني والدعم السريع في منبر جدة بالمملكة العربية السعودية، غادر الوفد الأمريكي إلى بلاده، إذ كان قد قرر ألا يتجاوز بقاؤه (10) أيام في مقر المفاوضات بجدة.

لا تكتفي حرب السودان بتحطيم آمال المدنيين في العودة إلى منازلهم وأعمالهم، بل تثير مخاوف حقيقية من انقسامه إلى دويلات

ربما لم تظهر الولايات المتحدة الأمريكية حتى الآن يأسها من إيقاف الحرب في السودان، هي التي لطالما أصدرت عقوبات بحق أفراد قالت إن لهم صلة بتأجيج الصراع المسلح في هذا البلد.

الوفد الأمريكي الذي شارك في مفاوضات جدة بين الجيش السوداني والدعم السريع جاء يحمل مقترحات محددة، ربما تضمنت معالجة الملف الإنساني وعملية بناء الثقة في ظل تصاعد حدة الخطاب الإعلامي بين الطرفين مؤخرًا.

ومن اللافت –في الوقت نفسه– في حرب السودان عدم وجود اتجاهات رئيسة فيما يتعلق بمنبر جدة، إذ تشارك الولايات المتحدة الأمريكية والسعودية والاتحاد الأفريقي والهيئة الحكومية الدولية للتنمية (الإيقاد) باعتبارها جهات ميسرة بين الجيش والدعم السريع، أي أن مصير استئناف التفاوض بعد الاتفاق على الملف الإنساني وبناء الثقة بتكوين الآلية المشتركة لم يحدد بعد.

https://t.me/ultrasudan

وربما يلاحظ الناظر إلى تعامل المجتمع الدولي مع حرب السودان اتخاذه إستراتيجية "إنهاك الطرفين" حتى يوافقا على وقف الحرب، فالخطة الموضوعة حاليًا على طاولة جدة هي التوقيع على اتفاق وقف إطلاق نار قصير المدى، خلال هذه الفترة، والتفاوض على وقف الحرب. وقد تتوسع العملية بإشراك المدنيين في الحل السياسي.

في حين نرى الأوضاع على الأرض باقية على ما كانت عليه، فلم يتخذ الطرفان مثلًا خطوات لتكوين الآلية المشتركة ضمن إجراءات بناء الثقة أو لإيقاف حدة الخطاب الإعلامي، كما لم يشرع الجيش في تنفيذ البند المتعلق بإعادة قادة النظام البائد إلى السجون. باختصار لم يترجم الاتفاق المتعلق ببناء الثقة والآلية المشتركة على الأرض حتى الآن، ولم تظهر أية علامات على ذلك، مما يدل على أن جولة طويلة من المعارك تنتظر الطرفين حتى يحسنا وضعهما الميداني ويفرضا شروطهما على طاولة المفاوضات.

السيناريو الثاني هو "نعي منبر جدة"، أي استمرار الطرفين في القتال بسياسة "إغلاق الأذنين" أملًا منهما في فرض واقع جديد، خاصةً مع إرهاصات تكوين حكومة كلٌ في مناطق سيطرته، وهي إرهاصات كانت قد توارت خلف غبار المعارك وبرزت مجددًا على السطح. وقد يتبع هذا السيناريو يأس المجتمع الدولي من وقف الحرب في السودان، وإرسال قوات دولية تحت مبررات حماية المدنيين، خاصةً في "المناطق الساخنة"، وهو سيناريو قد يخلط أوراق اللعبة تمامًا.

علاوةً على ذلك تعمل بعض الأطراف في السودان على زيادة تعقيد المشهد وتسعى إلى بلوغ مرحلة اللاعودة في الحرب من خلال تدمير البنية التحتية التي كانت تخدم ملايين المواطنين في بلد فقير وضعيف البنى التحتية.

تحتفظ الولايات المتحدة الأمريكية –رغم تعاملها الفاتر مع الملف السوداني، حسب مراقبين– بكروت ضغط، أبرزها: "سيف العقوبات الذكية" على المنظمات والأفراد الذين يؤججون الصراع في السودان ويعرقلون السلام ويرتكبون الانتهاكات ضد المدنيين أو الضغط على مجلس الأمن لإرسال قوات دولية إلى السودان لحماية المدنيين. ومع ذلك، فإن هذه الكروت ربما لن تنهي الحرب وتحقق السلام لهذا البلد من دون تحرك قوي للمدنيين واصطفاف السودانيين ضد الحرب وضد تقسيم بلادهم.

إن حرب السودان لا تكتفي بالاستمرار محطمة آمال المدنيين في العودة إلى المنازل والأسواق والأعمال والحياة العادية بل تثير مخاوف حقيقية من أن ينقسم هذا البلد إلى دويلات.