16-أغسطس-2018

لقي 23 طفلًا وطفلة مصرعهم غرقًا في السودان (مواقع التواصل الاجتماعي)

"أمي أين حقيبتي؟ لا أريد أتأخر عن المدرسة"، لربما كانت جواهر ذات العشرة أعوام تحاول لملمة خطاها مسرعة للحاق بالمركب الذي سيقلها هي وزميلاتها إلى الضفة الأخرى، هنالك حيث مدرسة "كبنة" في محلية البحيرة شمال السودان، لكنها في الحقيقة كانت تمضي إلى موتها الحتمي. 

غرق 22 تلميذًا وتلميذة في نهر النيل بالسودان، أثناء عبورهم النهر في قارب تجديف صغير للوصول إلى المدرسة على الضفة الأخرى

صعدت الفتاة المركب المتهالك بمعية عشرات التلاميذ من زملائها، وفي منتصف النهر انقلب القارب الذي طوح بهم من فرط اندفاع الرياح وتلاطم الأمواج، ومن ثم ألقى بهم في جوف النهر، ليكتب بذلك النهاية الأكثر مأساوية في السودان، بموت 23 تلميذًا وتلميذة، وطبيبة غرقًا.

اقرأ/ي أيضًا: على غرار أطفال كهف تايلاند.. 5 قصص إنقاذ كبرى وناجحة

ترددت أصداء صرخاتهم بقوة، وفي حين لم يظهر أحد لإنقاذهم، تسرب الماء إلى رئاتهم وكتم أنفاسهم بالمرة، ليلقوا حتفهم جميعهم، وتحولت أقمصتهم البيضاء إلى أكفان صغيرة بالكاد سترت جثامينهم التي لم يتم الوصول إلى كثير منها بعد.

أسوأ من مصير أطفال كهف تايلند

بزغ صباح الأربعاء حزينًا وماطرًا في كل أنحاء السودان، بعد تسرب الخبر المؤلم. وقالت وكالة السودان للأنباء، إن المركب كانت تقل نحو 40 طالبًا، بينهم مجموعة من الأشقاء، ولم يتم العثور على جثث الغرقى حتى ظهر نهاية يوم أمس، فيما توجهت قوات من الدفاع المدني إلى محلية البحيرة للمشاركة في عمليات البحث الجارية حتى اليوم الخميس.  

وتجمع أهالي الطلاب على حافة النهر منذ الصباح الباكر على أمل إلقاء نظرة أخيرة على فلذات أكبادهم، ما بين مصدق ومكذب لما جرى. وكشفت مصادر صحفية أسماء التلاميذ الغرقى، ومعظمهم في أعمار متقاربة، وبينهم خمسة أشقاء، والبقية من أسر متفرقة. وتوشحت ولاية نهر النيل السواد، في أقسى كارثة إنسانية شهدها السودان خلال السنوات الماضية، والتي قارنها البعض بمأسواية قصة أطفال كهف تايلاند، بل إنها فاقتها في نهاية المطاف، إذ لم يهرع أحد لإنقاذ أطفال المركب السوداني.

الحادثة المروعة ربما تستدعي إعادة النظر في خارطة توزيع الطلاب على المدارس، كالتي تجمع طلاب الضفتين الشرقية والغربية على نهر النيل، وفي مناطق تنعدم فيها وسائل السلامة، وتعتمد على المراكب النيلية البدائية غير الآمنة كوسيلة للنقل، في مناطق متفرقة من السودان، لا سيما وأنها ليست المرة الأولى التي يواجه فيه الطلاب مخاطر الوصول إلى مدارسهم في فصل الخريف، وإن كان هذا الموت أكثر فداحة، حيث كتب العديد ممن أوجعهم الفقد تحت عنوان "ماتو سمبلة"، وهو تعبير شائع في السودان للنعي، في حال كان الموت مجانيًا وكارثيًا.    

من جهتها شهدت أجزاء متفرقة من ولايات السودان سقوط أمطار بمعدلات غزيرة، واستمرت الأمطار في الخرطوم لأكثر من خمس ساعات، وتواصلت فجر اليوم الخميس، حيث توقفت على إثرها الحركة نسبيًا، فيما أعلنت وزارة التربية والتعليم بولاية الخرطوم تعليق الدراسة بجميع مدارس الولاية ورياض الأطفال إلى ما بعد عطلة عيد الأضحى. 

وجاء القرار عقب الأمطار الغزيرة التي تسببت في تعطيل الحركة المرورية وإعاقة السير نتيجة غمر الشوارع بالمياه وسوء التصريف. فيما وجهت انتقادات واسعة للوزارة من قبل ولاة الأمور، باستئناف العام الدراسي في فصل الخريف، رغم أن أغلب المدارس مشيدة بصورة بدائية وآيلة للسقوط.

من الجاني؟

وفيما احتسبت رئاسة الجمهورية  شهداء حادث غرق العبارة الأليم الذي راح ضحيته 23 تلميذاً وتلميذة، وطبيبة؛ تقدمت كل من قطر والكويت ومصر ببرقيات تعزية رسمية. وفي الحال غصت مواقع التواصل الاجتماعي بصيوانات عزاء موازية وألهمت الحادثة العديد من الشعراء والكتاب في محاولة لتخليدها، بجانب الرسوم التعبيرية التي جسدت المأساة.

رسم تعبيري عن المأساة
رسم تعبيري عن المأساة

من جانبه اعتبر رئيس حزب المؤتمر السوداني عمر الدقير، غرق أطفال المركب "يومًا للحزن"، وكتب على صفحته بفيسبوك: "يوم آخر حزين. 23 طفلًا لبسوا الأكفان بدلًا عن قمصان العيد الجديدة".

واعتبر الدقير أن ما انتهى إليه حال المركب من موت قاسٍ هو "عينة للطفولة المغدورة، أو بمعنى أدق الموؤودة، في زمن حكومة الإنقاذ الموسوم ببؤس السياسات واختلال الأولويات واللامبالاة واسترخاص الدم"، على حد قوله.

وأضاف الدقير: "كأن كل من يُقتلون على مدار اللحظة ليسوا منا، وكأننا جميعًا لسنا منّا. لقد جاوز سيل الدم الزبى، ولم يَعُد ثمة متسع بعد كل هذا لمزيدٍ من الصمت والتواطؤ".

وأصدر حزب المؤتمر السوداني بياناً قال فيه، إن أهالي منطقة بحيرة سد مروي يعانون منذ سنوات بسبب سياسات النظام التي تحاول معاقبتهم لصمودهم حول حقهم في الخيار المحلي، ورفضهم للترحيل القسري وبناء السدود في مواطنهم الأصلية.

ولفت بيان الحزب إلى أن "الدولة لم توفر لهم الخدمات الصحية والتعليمية ولا الكهرباء ولا الماء، وهم أقرب الناس إلى السد الذي ما فتئ النظام يروج له على أنه مشروع القرن، فمات الأطفال على مقربة منه بسبب لدغات العقارب وعدم توفر الأمصال".

وتساءل بيان المؤتمر السوداني مستنكرًا، عن عجز ولاية نهر النيل التي تنتج الذهب وتعج بالمستثمرين في كل مجال، كيف لها أن "تعجز عن بناء مدرسة للطلاب لا يلجأون فيها لعبور النهر أو توفير وسائل نقل تتوفر فيها إجراءات السلامة؟!".

طلاب السودان ضحايا الخريف والإهمال

ربما كذلك يمكن أن نتخيل ردود الأفعال وقسوة الحادثة التي سبقتها حادثة أخرى في ولاية الخرطوم، وذلك بعد سقوط جدار مدرسة في مدينة أم درمان، على رؤس ثلاث طالبات، ما أدى إلى مصرعهن في الحال. ولم تمر أيام على تلك الحادثة حتى وقعت كارثة أطفال مركب نهر النيل، دون أن يتقدم أي مسؤول باستقالته .

وعلم "ألترا صوت" أن الطلاب الذين تتراوح أعمارهن ما بين10 و15 سنة، عادة ما كانوا يذهبون إلى المدرسة سيرًا على الأقدام، لكنهم لجأوا لاستخدام القوارب الأسبوع الماضي، بسبب الفيضانات التي أغلقت كل المعابر. 

شهد أغسطس الجاري كارثتين تخص الطلبة، الأولى بانهيار جدار مدرسة على 3 طالبات والثانية غرق أطفال مركب النيل، ولم يتقدم أي مسؤول باستقالته للآن!

كما أن الأطفال وعلى ما يبدو شعروا بالذعر بسبب تدافع الأمواج، ما دفعهم للارتكاز في جهة واحدة من القارب الذي انقلب نتيجة لقوة الأمواج والرياح. وكانت شبكة الهاتف معطلة بسبب الأمطار، وهو ما جعل من الصعب عليهم الاتصال بأهاليهم وطلب النجدة، ما اضطر مدير مدرسة كبنة الثانوية إلى التواصل مع كافة البلدات المجاورة لطلب المساعدة بمجرد عودة خطوط الهاتف للعمل، ورغم ذلك انتظروا خمس ساعات كاملة قبل أن يحصلوا على أية مساعدة.

 

اقرأ/ي أيضًا:

التعليم.. "المهمش الأكبر" في ميزانية السودان

السودان.. صلوات من أجل اللصوص